أعاد الاتفاق السعودي الإيراني القاضي بعودة العلاقات بين الخصمين اللدودين؛ إلى الواجهة نفوذ
الصين الآخذ بالاتساع عالميا، وتحديدا في منطقة
الشرق الأوسط التي تعد مساحة تقليدية للنفوذ الأمريكي من عقود.
ونجحت الصين أخيرا في وضع العلاقات بين الرياض وطهران على السكة في اتفاق يمهد لعودة العلاقات كاملة بين الطرفين بما يشمل تبادل السفراء، بعد أكثر من سبع سنوات من القطيعة، ما يطرح السؤال عن الدور الصيني الجديد، والمأزق الذي يعيشه النفوذ الأمريكي عالميا في ظل إدارة الرئيس جو بايدن.
صحيفة
الغارديان نشرت تحليلا لكبيرة مراسليها في الصين، إيمي هوكينز، لفتت فيه إلى فكرة الانطلاق الصيني إلى الساحة العالمية، والتغلغل فيها بعد عقود طويلة من العزلة، والانكفاء على الذات، خاصة خلال فترة وباء كورونا.
وتقول إيمي إن الرئيس الصيني شي جينبينغ، وجه رسائل واضحة للغاية، في خطابه الختامي لاجتماعات البرلمان الصيني السنوية، في العاصمة بكين الإثنين، وكلها تركز على أن الصين قادمة.
وتضيف أن الخطاب يأتي في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الصيني لرسم صورة له كرجل دولة من الطراز العالمي، يقود الصين المستعدة للسيطرة على الساحة العالمية، بعد نحو 3 سنوات من سياسة الإغلاق التام والعزلة، نتيجة سياسة صفر كوفيد التي اتبعتها بكين لمواجهة الوباء.
وتواصل إيمي أن مسؤولي وزارة الخارجية الصينية، يقومون بالعديد من الجولات الخارجية، والمشاركة في مؤتمرات دولية، بهدف دعم العلاقات الخارجية.
وتعرج الكاتبة على الاتفاق السعودي الإيراني، الذي تم بوساطة صينية قبل أيام، لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، بعد 7 سنوات من قطعها، مشيرة إلى أن الدبلوماسيين الصينيين كانوا يعملون بجد في الدوائر السياسية في الشرق الأوسط لأسابيع لتأمين الاتفاق، كما أن جينبينغ نفسه سيزور إيران قريبا.
وتقول الكاتبة إن المسؤولين الأمريكيين تجاهلوا حقيقة أن الاتفاق يمثل ضربة لنفوذ بلادهم في الشرق الأوسط، لكن هذا هو الشكل الذي قدمت به الصفقة في الداخل الصيني.
وتضيف أن الصين مهتمة بالاستقرار في المنطقة التي تعد مسؤولة عن نحو نصف حاجاتها من النفط، كما تعهد جينبينغ خلال زيارته للسعودية العام الماضي، بشراء المزيد من النفط منها.
طموح صيني عالمي
من جهة أخرى، يسود اعتقاد أن الصين تتجهز للعب دور عالمي، عقب توسطها في عودة العلاقات السعودية الإيرانية.
ونشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا قالت فيه إن الاختراق الدبلوماسي الصيني أمر مهم ويظهر استعداد الصين المحتمل لتولي دور سياسي أكبر، والتوسط في صفقات السلام وتشكيل البنية الأمنية كما فعلت الولايات المتحدة من قبل.
ويرى خبراء صينيون الانفراج بين إيران والسعودية كنقطة تحول محتملة. قال فان هونغدا، الأستاذ في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي الدولية للدراسات إنه إذا تم تنفيذ الصفقة - التي تتضمن استئناف الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية الثنائية - بسلاسة، فستكون "لدى المنطقة توقعات أعلى تجاه الصين، وستزداد ثقة الصين في قدرتها على مواجهة هذه التوقعات".
وعملت بكين كشريك اقتصادي أساسي في الشرق الأوسط. تضخمت مشترياتها من الطاقة من 3% من صادرات النفط في المنطقة إلى 30% على مدى السنوات الثلاثين الماضية، وهي أكبر مشتر للنفط الخام السعودي والإيراني.
وقد أعطى ذلك الصين نفوذا كبيرا كشريك تجاري - أكبر شريك للسعودية - ومصدر للاستثمار. تعد الصين أيضا واحدة من القوى الكبرى القليلة في العالم التي تتمتع بعلاقات صحية مع إيران، والتي لم تكن للولايات المتحدة علاقات دبلوماسية رسمية معها منذ عام 1980.
لكن بالنسبة للكثيرين في الغرب، سينظر إلى طموح بكين الدبلوماسي المتنامي في المقام الأول على أنه تحدٍ لنفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وتأتي الصفقة في وقت يشهد علاقات متوترة بين السعودية وإدارة جو بايدن، حيث أشارت بعض دول الخليج إلى أن شريكها التقليدي كان ينفصل عن المنطقة.
وينتهج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سياسة خارجية حازمة في الوقت الذي يسعى فيه إلى تحقيق التوازن بين علاقات المملكة بواشنطن وعلاقاتها المتنامية مع الصين والقوى الآسيوية الأخرى.
وقال دبلوماسي أمريكي في آسيا إن بكين تحاول استغلال التحول في السياسة الخارجية والأمنية لواشنطن من التركيز منذ عقود على الشرق الأوسط إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
الصفقة الإيرانية السعودية لا تدعو للاحتفال
لكن هناك من لا يدعو إلى التفاؤل بالاتفاق، فقد نشرت صحيفة "
التايمز" مقالا للصحفي روجر بويز قال فيه إن العلاقات العلنية بين الخصمين اللدودين، السعودية وإيران، نوع من المناورة قبل الحرب وليس فجرا جديدا.
ولفت إلى أن "أكبر صدمة، بالنسبة للولايات المتحدة على الأقل، هي أن الصفقة المبدئية تم التوصل إليها من خلال وساطة بكين بدلا من
واشنطن" ذلك أن "الصين كعميل نفط كبير لكل من إيران والسعودية، كان لها مصلحة إستراتيجية قوية في التدفق المستمر للنفط الخام من الخليج إلى آسيا، لكن لم يكن هناك شعور بأنها تستعد لتصبح وسيطا قويا".
وشدد بويز على أن ظهور الصين كوسيط عالمي أدى إلى تسريع حسابات مؤسسات الفكر والرأي في واشنطن حول كيفية تطور المرحلة الجيوسياسية التالية، والتي تشمل ربما تآكلا بطيئا للهيمنة الأمريكية، أو إعادة تشكيل النظام العالمي بعد انهيار الهيمنة الأمريكية، أو حربا باردة جديدة بين الصين والولايات المتحدة.
اليمن امتحان للصفقة بين طهران والرياض
بدورها، قالت صحيفة "
فايننشال تايمز" في افتتاحية لها إن امتحان الوساطة الصينية بين السعودية وإيران سيكون في اليمن، مشيرة إلى أن بيكين باتت تلعب دور صانع السلام في الخليج وأن الصين برزت كعراب دبلوماسي في صفقة بين طهران والرياض.
ولفتت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21" إلى أن الخصومة بين البلدين الكبيرين، السني والشيعي أدت إلى إثارة النزاع وعدم الإستقرار في المنطقة، وبخاصة في اليمن الذي شنت السعودية ومنذ ثمانية أعوام فيه حربا كارثية ضد المتمردين الحوثيين، الذين تدعمهم إيران.
وأكدت أن قرار الصين التوسط في التقارب، يتناسب مع المبادرة العالمية للأمن والتي أعلنت عنها في شباط/ فبراير وحددت فيها معالم دورها كلاعب دولي ونشر رؤيتها للأمن والتنمية. والسؤال هو إن كانت الدبلوماسية الصينية ستؤدي إلى نتائج مستدامة.
وترغب الرياض في الخروج من النزاع ووقف مسيرات وصواريخ الحوثيين التي تعرقل التطور وتمنع الإستثمارات الأجنبية. وليس من السهل التوصل إلى تسوية دائمة لحرب بالوكالة أسست الحرب الأهلية. ومن السذاجة بمكان توقع أكثر من مجرد سلام بارد بين الرياض وطهران. وفي الوقت الحالي يخدم الاتفاق مصالح كل من إيران والسعودية ويعطي الصين فرصة للعب دور عراب السلام. وهو ما سيؤدي إلى شرق أوسط أقل تقلبا، وهناك الكثير من الأسباب الداعية للتصفيق والسخرية أيضا حيث تستعرض الدبلوماسية عضلاتها. وفقا للصحيفة.