توصلت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق بشأن تعديل بروتوكول ينظّم التجارة في
إيرلندا الشمالية ويرمي إلى احتواء التوتّرات التي يؤجّجها
بريكست، وصفه رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بأنه "حاسم".
جاء ذلك خلال اجتماع عقده سوناك مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين في ويندسور قرب لندن، بعد محادثات مضنية استمرّت أكثر من عام حول "بروتوكول إيرلندا الشمالية" الذي أثار توتّراً في المقاطعة بعد 25 عاماً على اتفاق سلام تاريخي وضع حدّاً لنزاع مسلّح استمرّ ثلاثة عقود.
ويحكم بروتوكول إيرلندا الشمالية الموقّع في كانون الثاني/ يناير 2020 انتقال السلع بين هذا الإقليم البريطاني وبقية مناطق المملكة المتّحدة.
وإيرلندا الشمالية هي المنطقة البريطانية الوحيدة التي لها حدود برّية مع
الاتحاد الأوروبي.
ولتهدئة الوحدويين في إيرلندا الشمالية كانت لندن قد لوّحت في الربيع الماضي بتعديل أحادي للاتفاق، ما أثار غضب دبلن وبروكسل التي حذّرت حينها من طيف حرب تجارية.
والاثنين، تحدّث سوناك عن "فصل جديد" على صعيد العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في مرحلة ما بعد بريكست، وذلك في مؤتمر صحافي مع رئيسة المفوضية الأوروبية التي أشادت بدورها بـ"فصل جديد".
وقال سوناك: "أعتقد أنّنا توصلنا إلى سبل لوضع حد لحالة عدم اليقين... لشعب إيرلندا الشمالية"، مشيرا إلى مسائل أساسية عدة سيتم حلها من خلال "إطار عمل ويندسور".
بدورها أشادت فون دير لايين بالاتفاق "التاريخي" الذي من شأنه أن يضمن "علاقات أكثر متانة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة".
وقالت إنّ "إطار عمل ويندسور الجديد وُضع لكي يستفيد منه أبناء إيرلندا الشمالية ولدعم كل المجتمعات والاحتفاء بالسلام في جزيرة إيرلندا".
والتقت فون دير لايين الملك تشارلز الثالث في ويندسور، ما عرّض سوناك لانتقادات داخلية اتّهمته بالسعي لمنح الاتفاق الجديد غطاء ملكياً.
وشدّد المتحدث باسم سوناك على أنّ اللقاء بين فون دير لايين والملك قرّره قصر باكنغهام.
ويشكّل الاتفاق خاتمة لفصل مطوّل من المحادثات المضنية بين لندن وبروكسل تعاقب على إدارتها في الجانب البريطاني ثلاثة رؤساء حكومات وطغى عليها ملف أوكرانيا.
وينصّ إطار العمل الجديد على إقامة ممرّ "أخضر" معفى من عمليات التفتيش للسلع الوافدة من بقية أنحاء المملكة المتّحدة والمفترض أن تبقى في إيرلندا الشمالية ولا تنقل إلى إيرلندا وبالتالي السوق الأوروبية المشتركة.
وستكون الأدوية والأغذية المصادق عليها في
بريطانيا متاحة في إيرلندا الشمالية، علماً بأنّ الاتفاق سيحدّ من إشراف محكمة العدل الأوروبية على البروتوكول، لكن من دون أن يلغيه.
وفي محاولة لمعالجة ما سمّي ثغرة ديمقراطية في البروتوكول، فإنه سيُسمح لبرلمان إيرلندا الشمالية بمنع تطبيق قوانين جديدة للاتّحاد الأوروبي.
ويعارض الحزب الوحدوي الديمقراطي، أكبر الأحزاب الموالية للمملكة المتحدة في إيرلندا الشمالية، البروتوكول ويرفض منذ عام الانخراط في حكومة تقاسم سلطة في بلفاست.
وقال زعيم الحزب جيفري دونالدسون إن حزبه سيجري تقييما للاتفاق لمعرفة ما إذا كان يلبّي شروطه للعودة إلى الهيئة التشريعية في المقاطعة "ستورمونت".
وأضاف دونالدسون: "بشكل عام من الواضح أنه تم تحقيق تقدم كبير في عدد من المسائل مع الإقرار بأن مسائل أساسية لا تزال تثير قلقا"، في إشارة إلى دور محكمة العدل الأوروبية.
أما حزب شين فين الداعي إلى إعادة التوحيد مع إيرلندا والفائز في الانتخابات التي أجريت العام الماضي، فقد حضّ الحزب الوحدوي على وضع حدّ لاعتراضه على تشكيل حكومة تقاسم سلطة.
وقالت زعيمة شين فين ميشيل أونيل في تصريح للصحافيين: "أرحب بالتوصل إلى اتفاق"، و"أشجع الحزب الوحدوي الديمقراطي على الانضمام إلى بقية الأحزاب" والعودة إلى العمل السياسي.
ومن شأن موقف الحزب الوحدوي أن يثير رد فعل محافظين مشكّكين في جدوى الاتحاد الأوروبي في لندن، بمن فيهم رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون.
وقال سوناك إنّ النواب البريطانيين سيصوّتون على الاتفاق "في التوقيت المناسب"، و"أعتقد أنّ من الأهمية بمكان أن نعطي الجميع ما يحتاجون إليه من وقت ومجال لدرس تفاصيل إطار العمل".
وفي البرلمان قال سوناك: "لا شكّ في أنّنا استعدنا السيطرة"، وتابع "لقد قدّمنا لشعب إيرلندا الشمالية ما طالب به... أزلنا الحدود في البحر الإيرلندي".
وتسعى المملكة المتحدة التي يسجّل اقتصادها نمواً ضعيفاً وتواجه أسوأ أزمة غلاء معيشة منذ عقود، إلى تعزيز العلاقات لتحسين التجارة.
وتواجه حكومة لندن ضغوطا لإحياء مبدأ تقاسم السلطة في بلفاست مع قرب حلول الذكرى السنوية الـ25 لاتفاق السلام المبرم العام 1998.
ولا توجد حكومة في إيرلندا الشمالية منذ شباط/ فبراير الماضي بسبب مقاطعة الحزب الوحدوي الديمقراطي.
وفي تعليق، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في بيان، إنّ الاتّفاق يمثّل "خطوة أساسية لضمان أنّ السلام والتقدّم اللذين تحقّقا بشقّ الأنفس" ستتمّ "المحافظة عليهما وتعزيزهما".
وأضاف: "أعلم أنّ الناس والشركات في إيرلندا الشمالية ستستفيد بالكامل من الفرص الاقتصادية التي يتيحها هذا الاستقرار"، مشدّداً على أنّ "الولايات المتّحدة مستعدّة لدعم الإمكانات الاقتصادية الكبيرة للمنطقة".
بدوره قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تغريدة على "تويتر": "أرحّب بهذا القرار المهمّ الذي سيحافظ على اتفاقية الجمعة العظيمة" التي أرست السلام في إيرلندا الشمالية، و"سيحمي سوقنا الداخلية الأوروبية".