مقابلات

خبير جيولوجي لـ"عربي21": المنطقة العربية ربما تشهد "تسونامي" في هذه الحالة

.
أكد الرئيس السابق لاتحاد الجيولوجيين العرب ونقيب الجيولوجيين الأردنيين سابقا، صخر النسور، أن الزلزال المُدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا لن يتسبب على الأرجح في حدوث تسونامي في المنطقة العربية.

لكن النسور استدرك قائلا: "إذا انتقلت حركة الزلازل والضغوطات مستقبلا إلى صدوع أخرى قريبة من البحر فربما يحدث تسونامي بالفعل، خاصة أن هناك صدعا عموديا في البحر الأبيض المتوسط، إلا أن هذا الأمر محتمل بدرجة ضعيفة"، مؤكدا أن "ظاهرة انحسار البحر لا علاقة لها بزلزال تركيا، لأنها مرتبطة بظاهرة المد والجزر".

ولفت، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أن "هناك 3 شروط علمية لحدوث تسونامي، وهي أن يكون مركز الزلزال في البحر، وأن يكون قويا ومؤثرا، وأن تكون حركة الفالق الزلزالي عمودية حتى تُحرّك قيعان البحار، وهذه الشروط لا تزال غير متوفرة".

وأضاف الخبير الجيولوجي: "معظم الدول المشاطئة للمحيطات والبحار خفضت كثيرا من حالة التأهب باتجاه تسونامي؛ لأن الزلزال وقع على القشرة الأرضية (على اليابسة)، وبالتالي فإنه يستبعد الآن حدوث تسونامي".

وأشار إلى أن "المنطقة العربية تاريخيا أقل زلزالية من المنطقة التركية، وتُصنّف بأنها منطقة متوسطة وضعيفة زلزاليا، وطبيعة الصفائح الموجودة في المنطقة العربية والحركة التكتونية وطريقة تصادمها لا تتشابه مع الصفائح الموجودة في تركيا أو في إيران أو في مناطق مثل اليابان التي تعتبر مناطق ساخنة وأحزمة زلزالية".

واعتبر وقوع الزلزالين المزدوجين اللذين ضربا ولاية هاتاي جنوب تركيا "أمرا طبيعيا من الناحية العلمية، خاصة أن تركيا ذات تاريخ زلزالي معروف؛ فقاعدة البيانات تشير إلى وجود العديد من الزلازل المُدمّرة التي حدثت سابقا في تركيا، لأنها ملتقى صفائح تكتونية مختلفة، ويبدو أن الطاقة الزلزالية الحالية ما زالت كامنة منذ أكثر من أسبوعين ولم تُفرّغ بالكامل حتى الآن".

والاثنين، ضرب زلزال بقوة 6.4 درجة منطقة "دفنة" بولاية هاتاي التركية (جنوبا)، الساعة الـ20:04.

وأعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد" عن تسجيل 90 هزة ارتدادية أشدها 5.8 درجة على مقياس ريختر، ووفاة 6 أشخاص، وإصابة 294 آخرين بينهم 18 بحالة خطيرة جراء الزلزال.

ويأتي الزلزال الجديد في هاتاي، بعد أسبوعين من زلزال مزدوج ضرب ولاية كهرمان مرعش (جنوبا) بقوة 7.7 درجة و7.6 درجة وطال تأثيرهما الشمال السوري ما خلّف خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات في البلدين.

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":


كيف تابعتم الزلزالين المزدوجين اللذين ضربا ولاية هاتاي جنوب تركيا يوم الاثنين الماضي؟


هذا أمر طبيعي من الناحية العلمية، خاصة أن تركيا ذات تاريخ زلزالي معروف؛ فقاعدة البيانات تشير إلى وجود العديد من الزلازل المُدمّرة التي حدثت سابقا في تركيا، لأنها ملتقى صفائح تكتونية مختلفة، وعلى حدود الصفائح توجد حدود وفوالق كبيرة وضعيفة تستطيع الاحتكاك بين الصفائح، وهو ما يولّد طاقة، وهذه الطاقة تعمل على الإجهاز على الصخور وتؤدي لكسور كبيرة نتيجة تحرك الكتل الصخرية الضخمة، مما يؤدي بالضرورة إلى توليد طاقة هائلة ينتج عنها زلازل مُدمّرة في بعض الأحيان، ويبدو أن الطاقة لا زالت كامنة منذ أكثر من أسبوعين ولم تُفرّغ بالكامل حتى الآن.

بعض العلماء تحدثوا عن "الطاقة الزلزالية" التي أدت لوقوع زلزال تركيا وسوريا.. فمن أين أتت هذه "الطاقة الزلزالية"؟ وأين جرى تخزينها؟


لا شك أن الزلزال الذي ضرب تركيا وتأثرت به سوريا في 6 شباط/ فبراير من الزلازل المُدمّرة، والسبب الرئيس في هذه النوعية من الزلازل هو سبب "تكتوني" مُتمثلا في حركة الصفائح التكتونية -مثلما أشرت آنفا- فكما هو معلوم بأن سطح الكرة الأرضية منقسم إلى قطع تسمى صفائح تكتونية تتحرك بين بعضها البعض، ونتيجة هذه الحركة تتولّد طاقة مثل أي جسمين يتعرضا للاحتكاك أو التصادم، وتختزن هذه الطاقة في باطن الأرض في الصخور، في منطقة التقاء الصفائح التي على الصدوع، كما حدث بين الصفيحة العربية والصفيحة الأناضولية مكان حدوث الزلزال.

وكما هو معلوم بأن تركيا الموجودة على الصفيحة الأناضولية مُحاطة بالتقاء مجموعة من الصفائح؛ فمن الشمال الصفيحة الأورو-أسيوية، ومن الجنوب الصفيحة العربية التي تضغط باتجاه الشمال، والصفيحة الإفريقية، وبالتالي هذا التقارب بينهم يحدث حركة احتكاكية تولّد طاقة، وإذا لم تجد هذه الطاقة مخرجا لها فإنها تُختزن، وتُشكّل حالة على الصخور في باطن الأرض، ومع طول الزمن تنتج عن هذه الطاقة حالة من الإجهاد تؤدي إلى إحداث كسر على فوالق الحدود الفاصلة بين الصفائح التكتونية أو الصدوع الموجودة داخل الصفيحة التكتونية، وتسمى تحرير هذه الطاقة بـ "الموجات الزلزالية".

هل الدمار الكبير الذي خلّفه زلزال تركيا وسوريا يعتبر منطقيا وعلميا؟


يجب أن نفرق بين قوة الزلزال وشدته؛ فقوة الزلزال هي التي تُقاس بمقياس ريختر، ولها علاقة بعمق الزلزال، أما الشدة فتعني ردة فعل البنية المحيطة ببؤرة الزلزال، وكيف تتعامل البيئة المحيطة مع هذا الزلزال، وبالتالي تأثير الطاقة المنبعثة من الزلزال تعني تأثيرها على البنية التحتية، ومدى تحملها لحدوث الزلزال.

وهناك عوامل أخرى لقياس فداحة الدمار الكبير، منها قوة تحمل البيئة المحيطة من أبنية، ومساكن، ومنشآت، وطرق، وما إلى ذلك، ومنها أيضا الكثافة السكانية في المنطقة، وهل الأبنية المُقامة بنيت وفق «أكواد الزلازل» بمعنى قدرتها على تحمل قوة الزلزال، وهناك أيضا دور توقيت حدوث الزلزال؛ ففي هذه الحادثة التي وقعت فجرا، وكان أغلب الناس في بيوتهم في حالة نوم، وبالتالي وقت حدوث الزلزال له علاقة بحجم الدمار.

وآخر تلك العوامل هو سرعة الاستجابة الأولية، وحالة الإسعاف والإنقاذ، ومدى سرعتها، وهل كانت الطرق مهيأة لوصول فرق الإسعاف والإنقاذ؟، وهل تم التعاطي بشكل مؤسسي؟، وهل كان هناك تدريبات سابقة لفرق الإسعاف والإنقاذ؟

وقد لمسنا في زلزال تركيا وجود الاستعداد؛ لأن المنطقة تاريخيا تعرضت للزلازل، وقد مرت تركيا في عام 1999 بزلزال مشابه، وبالتالي عملت الدولة التركية على التحضير حتى تكون جاهزة مؤسسيا، ودائما عندهم حالة تأهب، فضلا عن المناطق التي تُصنّف بأنها أشد زلزالية، وقابلة لإنتاج زلازل مُدمّرة.

ما مدى إمكانية وقوع هزات ارتدادية أقوى من الزلزال نفسه؟ أم إن هذا مستحيل؟


الإمكانية ضعيفة جدا؛ لأن الطاقة الرئيسية تتفرغ من الزلزال الأول، وقد تابعنا الهزات الارتدادية -التي تجاوز عددها 4800 هزة حتى الآن- كانت أقل من الزلزال الرئيسي وبدأت بالتناقص شدة، وعددا في عملية شبه منتظمة في التراجع حتى تحقق القشرة الأرضية التوازن في هذه المنطقة، وستستمر الهزات الارتدادية ولكن بحدة وشدة أخف من الزلزال الرئيسي.

هل انهيار ودمار العديد من الأبنية سببه أخطاء في التصميم أم ماذا تحديدا؟


تصميم الأبنية يعتبر عملا هندسيا، ولست صاحب اختصاص فيه، ولكن هناك أكواد بناء تؤخذ بعين الاعتبار عند إقامة المنشآت والمباني، وخاصة في المناطق المعرضة لحدوث زلازل كبيرة، مع متابعة عملية البناء أو التنفيذ؛ فمن السهل وضع التعليمات لكن مدى الالتزام والتطبيق هو ما يحتاج إلى تشديد الرقابة، والابتعاد قدر الإمكان عن أماكن الفوالق أو الصدوع النشطة القابلة للتعرض للزلازل، وبالتالي يجب أن يكون لدينا خارطة زلزالية تبين هذه الصدوع عند إعداد المخطط الشمولي للمد، والابتعاد عن البؤر الساخنة المعرضة للزلازل المُدمّرة.

بعد مرور نحو أسبوعين على كارثة الزلزال، ما تقييمكم لطريقة تعاطي تركيا وسوريا مع تلك الفاجعة؟


هناك اختلاف واضح؛ ففي تركيا هناك معدات وأجهزة ومؤسسات وفرق إنقاذ، أما سوريا ونتيجة الظروف التي تمر بها فكانت عمليات الإنقاذ بطيئة، وشبه بدائية، والمعدات غير متوفرة بشكل كاف.

أيضا تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد دولة تستطيع بمفردها أن تقوم بهذا الجهد، ولا بد من وجود جهد دولي وإقليمي بالدرجة الأولى للتعامل مع هذه الكوارث، ثم جهد دولي لعمليات الإسعاف والإنقاذ والإغاثة، لأن هذه الكوارث عابرة للحدود، ووضع الخلافات السياسية جانبا عند الحديث عن حماية الإنسان وإنقاذ الروح البشرية.

الدولة وحدها لا تستطيع مواجهة الكارثة؛ فهي يقع عليها العبء الأكبر في عمليات الإنقاذ والإسعاف، وهذا له علاقة وارتباط بمدى جاهزيتها قبل حدوث الأزمة، وهل هنالك مؤسسات معنية؟، وهل المعدات كافية؟، وهل هنالك تدريب تعبوي مستمر للكوادر؟، ومدى توافر الأدوات المساعدة في عمليات الإنقاذ، هذا كله من العوامل التي يجب أن تكون ضمن عمل مؤسسي مُعد سلفا، وليس وقت وقوع الحادث، ومع كل ذلك لا بد من جهد إقليمي ودولي؛ لأن الدمار أكبر من أن تحتمله دولة واحدة لتقوم بمعالجته.

هل المنطقة مُهدّدة بتسونامي فعلا في ظل ما قيل حول تراجع مياه البحر المتوسط؟


لا أعتقد بحدوث تسونامي، ومعظم الدول المشاطئة للمحيطات والبحار خفضت كثيرا من حالة التأهب باتجاه تسونامي؛ لأن الزلزال وقع على القشرة الأرضية (على اليابسة)، وبالتالي يستبعد الآن حدوث تسونامي، خاصة أنه لم تحدث هزات في البحر المتوسط خلال الأيام الماضية، وظاهرة انحسار البحر لا علاقة لها بزلزال تركيا ولا بالهزات الأرضية، لأنها في الأغلب مرتبطة بظاهرة المد والجزر.

والمنطقة العربية تاريخيا أقل زلزالية من المنطقة التركية، وتُصنّف بأنها منطقة متوسطة وضعيفة زلزاليا، ومن غير المتوقع أن نتحدث عن توقعات أو "تنبؤات"، وبالمناسبة لا أحد يستطيع أن يتنبأ بحدوث زلزال، كما أن طبيعة الصفائح الموجودة في المنطقة العربية والحركة التكتونية وطريقة تصادمها لا تتشابه مع الصفائح الموجودة في تركيا أو في إيران أو في مناطق مثل اليابان التي تعتبر مناطق ساخنة وأحزمة زلزالية.

والزلازل التي حدث حتى أمس الإثنين لا تُسبّب تسونامي، لكن مستقبلا إذا انتقلت حركة الزلازل والضغوطات إلى صدوع أخرى قريبة من البحر فربما يحدث تسونامي بالفعل، خاصة أن هناك صدع عمودي في البحر الأبيض المتوسط، إلا أن هذا الأمر محتمل بدرجة ضعيفة.

وعلميا، هناك 3 شروط علمية لحدوث تسونامي، وهي أن يكون مركز الزلزال في البحر، وأن يكون قويا ومؤثرا، وأن تكون حركة الفالق الزلزالي عمودية حتى تُحرّك قيعان البحار، وهذه الشروط لا تزال غير متوفرة.

بعد حدوث الزلزال رأينا فتح بعض السدود الكبيرة التي كانت تخزن الماء من نهري الفرات ودجلة.. فهل توجد علاقة بين السدود والزلازل بشكل عام؟


لا علاقة للزلازل بإقامة السدود، وشرحنا أن الزلزال ناتج عن حركة تكتونية في باطن الأرض على أعماق 20 و30 و40 كيلومتر داخل باطن الأرض، وبالتالي إقامة السدود ليس لها علاقة في إحداث أو التأثير على حدوث زلزال.

قد تتأثر السدود بحدوث زلزال إذا وصلها الضرر، وبالتالي يجوز من باب الاحتياط ولا أدري تقدير السلطات المحلية لفتح السدود هل للتخفيف من المياه إذا كان خلف السد كميات كبيرة منه أو لغير ذلك.

هل هناك "مخاطر زلزالية ما" ربما تؤثر على سد النهضة في إثيوبيا؟


واحدة من أبجديات وأدبيات إقامة السدود أن تكون بعيدة عن الفوالق، وبعيدة عن مناطق النشاط الزلزالي، لأنه منشأة كبيرة وضخمة، كما هو الحال عند بناء المفاعلات النووية يجب أن تكون بعيدة كل البعد، لأنه في حال تضررها بالزلزال ستُسبّب دمارا جديدا غير دمار الزلزال، وبالتالي إقامة السدود يجب أن تكون في مناطق غير نشطة زلزاليا، وبعيدة عن الفوالق، وعن الصدوع، وبعيدة عن الحركات التصادمية حتى تكون آمنة.

لماذا تحدث الزلازل في أماكن محددة دون الأخرى؟


الزلازل تحدث في مناطق الحركة التكتونية، مثلما تشهد بعض المناطق الأعاصير، ومناطق تشهد فيضانات، وثالثة تشهد حرائق في الغابات، ورابعة تشهد انزلاقات تربة طينية، ومناطق فيها زلازل، ومناطق لا توجد بها زلازل، أو زلزاليتها أقل، وذلك بحسب مكان الحركة التكتونية التي فيها هذه المنطقة.

وفي ختام حديثي معكم، أنا أدعو إلى تأسيس مركز إقليمي لبحث والحد من مخاطر الزلازل والكوارث الطبيعية العابرة للحدود؛ فلا بد من تكاتف وتضامن الجميع في هذا الصدد لمحاولة تقليل الخسائر المحتملة إلى أقصى درجة، ولأن نتائج العمل المشترك أفضل مئة مرة من العمل الفردي.