ملفات وتقارير

بلدة حوارة.. نموذج حي على انفلات المستوطنين في الضفة الغربية

تبعد البلدة تسعة كيلومترات عن مدينة نابلس- الأناضول
يعيش أهالي بلدة حوارة جنوب مدينة نابلس بالضفة الغربية حياة غير مستقرة بسبب اعتداءات المستوطنين المتكررة، فهي تعتبر واحدة من البلدات الفلسطينية التي تتعرض لهجمات متعمدة في وضح النهار وأمام أعين جنود الاحتلال.

تبعد البلدة تسعة كيلومترات عن مدينة نابلس إحدى أكبر المدن الفلسطينية في الضفة، ويبلغ عدد سكانها قرابة السبعة آلاف نسمة، ويُعرف أهلها بين الفلسطينيين بتجارتهم بالذهب، كما اعتمد جزء كبير من سكانها على الزراعة.

ولكن توسع المستوطنات على حساب أراضيها واستمرار اعتداءات المستوطنين على المحاصيل الزراعية، أدى إلى تراجع القطاع الزراعي فيها، حيث يتعمدون حرق المحاصيل وسرقة ثمار الزيتون من الحقول الممتدة حول البلدة والتابعة لها، فيما يعتبر التوسع الاستيطاني واحدا من أكبر التهديدات التي يعيشها أهالي حوارة، الذين فقدوا مئات الدونمات من أراضيهم لصالح المستوطنات.

وخلال الموجة الأخيرة من التصعيد في الضفة، كانت البلدة على خط النار بسبب مرور المستوطنين عبر شارعها الرئيسي للوصول إلى المستوطنات المقامة على أراضي شمال الضفة، وشملت الاعتداءات تحطيم مركبات أهالي البلدة وحرق محالهم التجارية، وإصابة عدد من الشبان وحرق محاصيل زراعية ومهاجمة المدارس.


ووفقا لرئيس بلدية حوارة معن ضميدي، فقد تصاعدت اعتداءات المستوطنين على الشوارع والمنازل والمدنيين الذين يحاولون حماية أنفسهم بشتى الطرق مما وصفها بالعصابات، ولكنهم يمنحون الصلاحية الكاملة من قوات الاحتلال التي توجد بشكل مستمر خلال اعتداءاتهم وتوفر لهم الحماية.

ويقول لـ"عربي٢١"؛ إن المستوطنين يقومون بهذه الممارسات تحت حماية قوات الاحتلال التي توجد بشكل دائم في شوارع البلدة، وتنصب كاميرات المراقبة بكثافة فيها كي تلاحق الفلسطينيين، ولكنها لا تستخدمها أبدا في تتبع المستوطنين الذين ينفذون الاعتداءات.

الأمر اللافت، هو أن المستوطنين وجنود الاحتلال باتوا يمنعون الفلسطينيين في البلدة من رفع العلم الفلسطيني، حيث يتم تمزيق أي علم يرفع على المركبات الفلسطينية أو الأعمدة أو حتى المنازل والمحلات التجارية، ما أدى لإنشاء حالة تحد بين المستوطنين وجنود الاحتلال من جهة والأهالي من جهة أخرى.

ويوضح ضميدي بأن الاحتلال اعتقل عدة شبان تحت هذه التهمة، وهي رفع العلم الفلسطيني في بلدتهم، في الوقت الذي يتجول فيه المستوطنون بمركباتهم حاملين علم الاحتلال دون أي منع من الجنود.

غالبية المستوطنين الذين ينفذون الاعتداءات على البلدة يأتون من مستوطنة "يتسهار" المقامة على أراضي جنوب مدينة نابلس، ويستمر التضييق على طول الشارع الرئيسي الذي يسلكونه من وسط البلدة، والذي يمتد لقرابة الكيلومترين، وكانوا أقاموا بؤرتين استيطانيتين جديدتين على التلال المرتفعة المطلة على البلدة.

صادر الاحتلال قرابة 1500 دونم من أراضي حوارة وأراضي البلدات المجاورة لها لإقامة مستوطنة "يتسهار"، ولإنشاء طرق استيطانية تربط بين المستوطنات المختلفة جنوب نابلس، كما صادر مساحات مختلفة أخرى من أراضيها لإنشاء شوارع استيطانية تربط بين المستوطنات.

إعدام في وضح النهار
ما زالت صورة الشاب عمار بني مفلح عالقة في أذهان أهالي حوارة، عندما أعدمه أحد جنود الاحتلال بدم بارد في الشارع الرئيسي لها قبل عدة أشهر بعد حادث سير بين مركبته ومركبة مستوطن، فهاجمه الجندي بالضرب دون أي مبرر، وانتهى الأمر باستشهاد الشاب بعدة رصاصات.


وهذه الحادثة كانت دليلا قاطعا على ما يرتكبه الاحتلال والمستوطنون في البلدة، ورغم محاولة أهاليها استخدام المقطع المصور لعملية القتل المباشر للشاب من أجل إظهار ما يتعرضون له من مأساة مستمرة؛ إلا أنه حتى الآن لم يُسمع أي صوت دولي يدين الاحتلال الذي قام بمنح الجندي القاتل وساما تقديرا "لشجاعته".

ويرى الضميدي أن الحياة التي يعيشها أهالي حوارة محفوفة بالمخاطر، في ظل مئات الاعتداءات التي تسجل فيها شهريا وتأثيرها على أرزاق الناس وأعمالهم وحتى مسيرة أبنائهم التعليمية، فكثير من الاعتداءات تطال طلبة المدارس في أثناء توجههم إليها صباحا.

أما الشاب علي شحادة الذي يعمل في محل تجاري وسط البلدة، فشهد الكثير من اعتداءات المستوطنين.

ويبين لـ"عربي٢١" أن المحال التجارية هي الأكثر عرضة لاعتداء المستوطنين في وضح النهار أو ساعات الليل، حيث بات أصحابها يغلقون أبوابها كلما رأوا تلك الجماعات قادمة لتنفيذ اعتداءات جديدة.

وتتعرض المحال لتحطيم واجهاتها ومحتوياتها بالحجارة، وفي بعض الأحيان يشهر المستوطنون أسلحتهم صوب العاملين فيها ويجبرونهم على مغادرتها تحت التهديد، بينما يقومون بسرقة بعض المحتويات ونقلها لمركباتهم.

وفي كل هذه الانتهاكات، يتم اعتقال أي فلسطيني يتصدى للمستوطنين حتى لو بالكلمات، بينما يُترك المستوطن المعتدي دون أي محاسبة.

ولا تقتصر الاعتداءات على أهالي البلدة فقط بل تطال المارين منها، مثل سائقي المركبات الذين أصيب عدد كبير منهم مؤخرا جراء رشق مركباتهم بالحجارة.


وفوق كل ما يعانيه أهالي البلدة، يقوم الاحتلال بين الحين والآخر بإخطار بعض منازلها ومنشآتها بالهدم بحجة عدم الترخيص، حيث تقع 62 بالمئة من أراضيها ضمن المناطق المصنفة "ج"، وفقا لاتفاقية أوسلو الموقعة بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية، ومن ثم يمنع الاحتلال البناء على هذه الأراضي ويقوم بهدم المنشآت التي تبنى عليها.

أهداف استيطانية
الناشط ضد الاستيطان بشار القريوتي يقول لـ "عربي٢١"؛ إن هناك مسرحية تتم حين يشن المستوطنون اعتداءاتهم على المنازل والممتلكات، حيث تباشر قوات الاحتلال بإجراءات تحقيق بذلك، ولكن لا يتم الخروج بأي نتائج.

ويوضح أن جنود الاحتلال يوفرون الحماية للمستوطنين خلال اعتداءاتهم، ثم يحاولون إقناع الفلسطينيين أنهم يلاحقون المعتدين، ولكن لا وجود لأي نوع من العقاب أو حتى الملاحقة للمستوطنين، بل تتم حمايتهم في أثناء تنفيذ الاعتداء.

وبحسب الناشط، فإن تقليص هذه الاعتداءات ممكن، ولكن عن طريق تكاتف الفلسطينيين وتعاونهم وتعزيز لجان الحماية في القرى والبلدات التي تقع بالقرب من البؤر الاستيطانية، للتصدي لما وصفها بالعربدة من قبل المستوطنين، خاصة أنهم يمنحون الدعم والمساندة من جمعيات متنوعة لشن اعتداءات، ومنح بعض الجمعيات اليهودية تمويلات ضخمة لهم للسيطرة على التلال الفلسطينية وإقامة بؤر متوزعة على الأراضي.

أكثر من عشر بؤر استيطانية تم إنشاؤها جنوب مدينة نابلس خلال أشهر قليلة، كما سُجلت عدة حالات تجريف وخلع أشجار وتوسعة مخططات بدون إيداعات استيطانية من قبل الإدارة المدنية الإسرائيلية، التي تحاول الإسراع بالمخططات في ظل عدم وجود حماية دولية للفلسطينيين، أو ضغط دولي على الحكومة الإسرائيلية.

ويقيم الاحتلال حاجزين عسكريين رئيسيين جنوب وشمال بلدة حوارة، فيما يقيم معسكرا له في الجزء الشمالي الغربي منها، إضافة إلى عدد من المستوطنات على أراضيها وأراضي البلدات الملاصقة لها، مثل مستوطنتي "يتسهار" و"إيتمار" التي يسكن فيهما المستوطنون الأكثر تطرفا.

في عام 2019 أعلنت قوات الاحتلال مصادرة 406 دونمات لصالح مخطط جديد بشق طريق استيطاني ضخم على أراضي عدة بلدات جنوب نابلس بينها حوارة، وتقوم خلال تنفيذه باقتلاع أكثر من ثلاثة آلاف شجرة يعتاش من إنتاجها أهالي تلك البلدات، كما سيؤثر هذا الطريق على الاقتصاد في البلدة بتراجع نسبته 30%.