نشرت صحيفة الغارديان
مقالا لمحررها
الاقتصادي، لاري إليوت، قال فيه إن أشياء عظيمة كانت متوقعة في
عشرينيات القرن الحادي والعشرين. بعد خيبات الأمل في العقد الماضي، ومن المتوقع أن
ينتعش الاقتصاد العالمي مرة أخرى، وستكون هذه الفترة صاخبة من جديد.
وأوضح في مقال ترجمته
"عربي21" أنه لم تسر الأمور على هذا النحو. وبدلا من ذلك، يواجه العالم
احتمالية كئيبة بحدوث ركود ثانٍ خلال ثلاث سنوات. تتباطأ الاقتصادات الثلاثة
الأكبر -الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، والتي تمثل فيما بينها ما
يقرب من نصف إجمالي الناتج العالمي- في الوقت ذاته. هذا غير عادي، ومثير للقلق.
وقالت كريستالينا
جورجيفا، المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي، إن ثلث الاقتصاد العالمي سيكون في
حالة ركود في عام 2023، وحتى بالنسبة للبلدان التي تنجح في الاستمرار في النمو
سيبدو أن هناك ركودا.
وقال: لقد أخطأ صندوق
النقد الدولي -وأحيانا كان خطأ خطيرا- في الماضي، ولكن رغم ذلك، فإن تشاؤم
جورجيفا له ما يبرره.
وأضاف أن كل مؤشر من
مؤشرات الركود الوشيك يومض باللون الأحمر، والأسعار ترتفع بشكل أسرع من الأجور،
ما يقلل من القدرة الشرائية للمستهلكين. وتتقلص ربحية الشركات بسبب ارتفاع
التكاليف وضعف الطلب. والبلدان النامية التي اقترضت بكثافة عندما كانت أسعار
الفائدة منخفضة، تجد الآن أن أعباء ديونها لا يمكن السيطرة عليها. وانهارت فقاعتا
الأصول الكبيرتان في حقبة ما بعد الوباء -العملات المشفرة وأسهم التكنولوجيا- في
عام 2022.
وأشار إلى أن البنوك المركزية
ترفع أسعار الفائدة، ما يفضح ضعف الشركات الضعيفة التي نجت فقط بفضل فترة طويلة
من أسعار الفائدة المنخفضة. واقتراض المال لمدة 10 سنوات أرخص بكثير في
الولايات المتحدة من اقتراض المال لمدة عام واحد. في الماضي، كانت هذه الظاهرة غير
العادية، المعروفة باسم منحنى العائد المقلوب، علامة واضحة على حدوث ركود وشيك.
وأخرجت الصين الاقتصاد
العالمي من آخر ركود خطير تعرض له، لكنها ليست في وضع يمكنها من القيام بذلك هذه
المرة، وكانت أسعار المساكن ترتفع بمعدلات من خانتين على مدى العقود الثلاثة
الماضية، لكنها تنخفض الآن في العديد من المدن؛ لأن الطفرة أدت إلى المزيد والمزيد
من المنازل التي يتم بناؤها. من الناحية السياسية، لا يستطيع الرئيس شي جين بينغ
تحمل انهيار أسعار المنازل حتى يتمكن من إعادة التوازن بين العرض والطلب فقط من
خلال كبح بناء العقارات.
وأضاف: "هذا، إلى
جانب الزيادة في حالات الإصابة بفيروس كورونا منذ نهاية نهج (صفر كوفيد)، ما يعني
أن الصين هي الدولة التي يجب مراقبتها في عام 2023. يقول صندوق النقد الدولي إنه
للمرة الأولى منذ أوائل التسعينيات، سيكون نمو الصين بسرعة أقل من الاقتصاد
العالمي كله. ويمكن أن يكون الوضع أسوأ مما يتصوره صندوق النقد الدولي".
لذا، فإن السؤال المهم
ليس ما إذا كان الاقتصاد العالمي يمر بعام صعب في الاثني عشر شهرا القادمة، لأن
هذا هو الحال بوضوح. قد تكون هناك دولة أو دولتان تخالفان هذا الاتجاه، لكن
المملكة المتحدة لن تكون واحدة منهما. عام آخر من ضعف الأداء سيبقي النقاش حول
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على قيد الحياة، على الرغم من أن التكيف مع
الحياة خارج الاتحاد الأوروبي ليس السبب الوحيد -ناهيك عن السبب الرئيسي- للمأزق
الحالي للمملكة المتحدة. هذه مشكلة عالمية وليست مشكلة خاصة بالمملكة المتحدة، وقد
سبقت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
كما أن السؤال، بحسب
محرر الاقتصاد، هو ليس عن سبب توقف التعافي من جائحة كورونا، لأن ذلك واضح أيضا. وتم
بناء
الانتعاش بعد الإغلاق على أكثر الأسس اهتزازا. أدى النقص إلى موجة من التضخم،
تفاقمت بسبب غزو روسيا لأوكرانيا. وجدت البنوك المركزية في الغرب نفسها عاجزة عن
مواجهة أزمة تكلفة المعيشة بخلاف رفع أسعار الفائدة. وإن فترات الركود أو الركود
القريب التي ستشهدها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة هذا
العام ليست من قبيل الصدفة. إنها فعل متعمد للسياسة، يبررها محافظو البنوك المركزية
بالقول إنها خيار بين الألم الآن أو المزيد من الألم لاحقا.
وتابع: "لا.. القضية الحقيقية هي ما إذا كان قد تأخر هدير العشرينيات أو أنه لن يحصل أبدا، وبعبارة
أخرى: هل يواجه الاقتصاد العالمي فترة مؤقتة، وإن كانت سيئة، من الركود التضخمي
(مزيج من النمو الضعيف والتضخم المرتفع) أم شيء أعمق: أزمة الرأسمالية؟ وإذا كان
هذا هو الأخير، فما الذي يمكن عمله حيال ذلك؟".
وقال إن التاريخ قد
يعيد نفسه، فقد بدأت العشرينيات من القرن الماضي بجائحة وانتشار تضخمي وركود عميق.
استغرق الأمر بعض الوقت للوصول إلى أزمنة أفضل، وعندما فعلوا ذلك، كانت القوة الدافعة
هي موجة من الاختراعات الجديدة، التي تطورت لأول مرة في أواخر القرن التاسع عشر
وأوائل القرن العشرين، لكنها استغرقت وقتا للكشف عن إمكاناتها الكاملة.
ويقول المتفائلون
بالتكنولوجيا إن الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية سيكونان في عشرينيات القرن
الحالي ما كان عليه الراديو والسيارة في عشرينيات القرن الماضي: حافزا لفترة نمو
أسرع بشكل ملحوظ. وهم يعتقدون أن فترة من معدلات الفائدة المنخفضة بشكل غير طبيعي
قد أعاقت ثورة صناعية رابعة من خلال السماح للشركات غير الواعية بالتأرجح. ستشهد
فترة التدمير الإبداعي هذا التخصيص الخاطئ لنهاية رأس المال، ما يؤدي إلى زيادة
الاستثمار في صناعات المستقبل.
لكن الاقتصاد العالمي
يعيش الآن في حالة ركود منذ 15 عاما. كانت الأموال رخيصة ووفيرة منذ أن كادت
البنوك تنهار أثناء الأزمة المالية العالمية. لا توجد أدلة كثيرة تشير إلى أن
الثورة الصناعية الرابعة تتراجع بسبب نقص رأس المال.
وبدلا من ذلك، كان
هناك إحجام من قبل كل من الحكومات والقطاع الخاص عن الاستثمار. كان يمكن للحكومات
أن تستفيد من تكاليف الاقتراض المنخفضة تاريخيا لإعادة بناء البنية التحتية، لكنها
فشلت في القيام بذلك. وفضل القطاع الخاص استخدام الأرباح لإعادة شراء الأسهم بدلا
من شراء المنتجات الجديدة. أثبتت الهندسة المالية أنها مربحة للنخب، الذين افترضوا
-بشكل خاطئ تماما- أنه نظرا لأن النظام كان يعمل لصالحهم، فقد كان يعمل لصالح
الجميع. فمن ناحية، عادت العشرينيات الصاخبة، ففي حين أن مستويات المعيشة تتعرض
للضغط بالنسبة للكثيرين، فإنه بالنسبة للأثرياء يعدّ عصرا مذهبا جديدا.
ورأى أنه كانت هناك 3
عوامل وراء القفزة الهائلة في الإنتاجية في العقود الوسطى من القرن العشرين:
الأفكار والاستثمار والنضال ضد عدم المساواة. بدأت الاقتصادات في التحرك حقا فقط
عندما كانت المنتجات الجديدة متاحة للجماهير من خلال السياسات التي شجعت توفير فرص
العمل للجميع والتفاوض الجماعي والأجور المتزايدة. يوجد حاليا الكثير من الأفكار، ولكن العاملين الآخرين مفقودان. وإلى أن يتغير ذلك، سيظل الاقتصاد العالمي عالقا
في أخدود النمو المنخفض.