كشف تقرير لوكالة "رويترز"، أن دمشق زادت هذا العام وبشكل كبير من استيراد
القمح من شبه جزيرة
القرم التي احتلتها
روسيا من أوكرانيا، باستخدام أسطول من سفن البلدين لتجنب العقوبات الأمريكية.
وأوضح التقرير، أن كميات القمح المرسلة إلى سوريا من ميناء سيفاستوبول المطل على البحر الأسود في القرم زادت 17 ضعفا العام الجاري، مسجلة ما يزيد قليلا على الـ500 ألف طن وفقا لبيانات للشحن من رفينيتيف لم يتم الكشف عنها من قبل، ليشكل ذلك ما يقارب ثلث واردات البلاد الإجمالية من القمح.
وتظهر البيانات أن الدولتين اعتمدتا بشكل متزايد على سفنهما الخاصة لنقل القمح، من بينها ثلاث سفن سورية مشمولة في العقوبات التي فرضتها واشنطن، وذلك في ظل عقوبات مفروضة على البلدين صعبت التجارة عبر طرق النقل البحرية المعتادة والحصول على تأمين ملاحي.
وضمت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في 2014. وبدأت القوات الروسية غزو أوكرانيا في 24 شباط/ فبراير، ورغم أنها مُنيت بانتكاسات عسكرية فإنها ما زالت تسيطر على مساحات شاسعة من خيرسون وزابوريجيا اللتين تعتبران من أهم مراكز البلاد الزراعية.
وتتفق سلطات أوكرانية وأخرى عينتها روسيا على أن بعض الحبوب تم تصديرها من منطقة زابوريجيا الأوكرانية المحتلة عبر القرم. وتقول أوكرانيا إن تلك الحبوب تعرضت للسرقة من المحتلين وهو اتهام تنفيه روسيا.
وتقول أوكرانيا إن جزءا من كميات الحبوب على الأقل التي مرت عبر سيفاستوبول سلب من مناطق أوكرانية بعد الغزو الروسي.
وتقدر السفارة الأوكرانية في بيروت، والتي تقوم بتتبع ورصد الشحنات القادمة إلى سوريا، أن 500 ألف طن مما تصفه بالقمح الأوكراني المنهوب وصلت إلى سوريا منذ الغزو انطلاقا من عدة موانئ.
وقالت السفارة إن تلك الحسابات وما تقوله السلطات الأوكرانية عن سرقة الحبوب تعتمد على معلومات من ملاك لحقول وصوامع في المناطق المحتلة وعلى بيانات من أقمار صناعية تظهر تنقلات شاحنات للموانئ وأيضا بيانات تتبع السفن.
وفي أيار/ مايو، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن ما يتردد عن سرقة روسيا للقمح والحبوب مزاعم زائفة.
حصاد القرم
في حزيران/ يونيو الماضي، قال يفجيني باليتسكي، الحاكم الذي عينته روسيا للمنطقة المحتلة من زابوريجيا، إن موانئ القرم استخدمت لتصدير حبوب من المنطقة. لكنه قال إن المزارعين سيحصلون على مستحقاتهم عبر شركة أسستها إدارته وفقا لما نقلته وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء.
إضافة إلى ذلك، قالت الإدارة التي عينتها روسيا في شبه جزيرة القرم في تعليقات على وسائل للتواصل الاجتماعي في أب/ أغسطس إن 1.4 مليون طن من القمح تم حصادها من حقول القرم نفسها.
وتعارض أوكرانيا تلك الأرقام وتقول إن القرم لا تنتج تلك الكميات.
وقالت وزارة الزراعة الأوكرانية في بيان ردا على أسئلة وكالة "رويترز" إن "ما يسمى "حصاد القرم" يشمل الحبوب المُصدرة من أراضي البر الرئيسي لأوكرانيا".
وقبل الحرب الحالية استوردت سوريا الحبوب من القرم عدة مرات منذ سيطرة روسيا على شبه الجزيرة حسبما أشارت تقارير لوكالة رويترز.
وبحسب بيانات رفينيتيف، فقد استوردت سوريا نحو 501 ألف و800 طن من القمح من سيفاستوبول هذا العام حتى نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر ارتفاعا من نحو 28 ألفا و200 طن في عام 2021 بأكمله.
وتم استلام الشحنات اعتبارا من أيار/ مايو فصاعدا وكانت أكبر شحنة شهرية تبلغ 78 ألفا و600 طن طن في تشرين الأول/ أكتوبر وفقا للبيانات التي تم تجميعها من تقارير فحص الموانئ المقدمة من مشغلي الموانئ.
الأسطول المستتر
تعتمد سوريا بشكل متزايد على أسطول من سفنها الخاصة للشحن أو سفن ترفع العلم الروسي لاستيراد الغذاء عبر اتفاقات بين الحكومات تتحاشى عملية المناقصة المعتادة لنقل السلع الأساسية بحرا.
وأظهرت تحليلات من شيبفيكس، وهي منصة لبيانات الملاحة والسلع الأساسية، أن عدد طلبيات الشحن، وهي الطلبات العالمية للسفن المتاحة لنقل الحبوب، إلى سوريا تراجع بمقدار الثلثين إلى 54 في عام ينتهي في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر مقابل 2021 بالكامل.
ووفقا لمصدرين في قطاع تجارة الحبوب مطلعين على الأمر والسفارة الأوكرانية في بيروت ودبلوماسيين أوكرانيين آخرين وتحليلات من شيبفيكس تصل شحنات القمح إلى مينائي اللاذقية وطرطوس السوريين على متن ثلاث سفن سورية بدلا من طريقة الطلبيات العالمية.
وتمتلك المؤسسة العامة السورية للنقل البحري ثلاث سفن وهي لاوديسيا وفينيقيا وسورية. ووفقا لوزارة الخزانة الأمريكية، تفرض الولايات المتحدة عقوبات على السفن الثلاث منذ 2015 لدورها المفترض في الصراع الدائر في سوريا على مدى عقد.
والسفن المدرجة في قوائم العقوبات أقل صيانة في العادة وأقدم بسبب منعها من الحصول على تأمين من أعلى فئة وخدمات التوثيق. لكن يمكن لتلك السفن العمل بسهولة أكبر بين الدول التي تخضع أيضا لعقوبات وهو ما يعتبر تفسيرا محتملا لتزايد التجارة بين روسيا وسوريا.
وشكت روسيا مرارا من أن العقوبات المفروضة عليها هذا العام حدت من قدرتها على شحن وتصدير الحبوب لدول في أفريقيا والعالم العربي تعتمد على إنتاج روسيا لتطعم شعوبها.
ولا تستهدف أغلب العقوبات الغربية على سوريا وروسيا رسميا الأغذية، لكنها قد تعقد عمليا تجارتها لأسباب منها أنها تصعب العمل معهم على بعض شركات التجارة في الحبوب خاصة بسبب القيود المالية.
وتصل بعض الشحنات أيضا على متن سفن ترفع العلم الروسي منها ميخائيل نيناشيف وماتروس موزينيتش وماتروس كوشكا. وتقول إكواسيس، وهي قاعدة بيانات للشحن، إن تلك السفن مملوكة لشركة تابعة لشركة حكومية روسية تسمى يونايتد شيببيلدينغ كوربوريشن.
وفرضت واشنطن والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عقوبات على تلك الشركة في نيسان/ أبريل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
أقرب لموسكو
بدأ
النظام السوري بالاعتماد على واردات الحبوب عندما تسببت الحرب الأهلية في توجيه ضربة قاصمة لعمليات الحصاد في سوريا التي كانت تنتج في وقت من الأوقات ما يكفي للوفاء بإنتاج الخبز الأساسي المدعوم، إضافة لتحقيق فوائض للتصدير. والآونة الأخيرة تسببت موجات من الجفاف في تقليص المحصول أكثر.
وقال وزير الاقتصاد السوري خلال زيارة لشبه جزيرة القرم في كانون الثاني/ يناير إن بلاده تحتاج إلى 1.5 مليون طن من واردات القمح وروسيا هي التي توفر أغلبها.
ويرى مصدر تجاري مُطلع على عمليات شراء الحبوب في سوريا أن الواردات الفعلية ستكون قريبة من هذا الحجم وقال إن حصاد هذا العام جاء الأسوأ في تاريخ سوريا.
وتظهر بيانات رفينيتيف أن كل الواردات عدا كمية صغيرة جاءت من روسيا ومناطق تسيطر عليها على خلاف السنوات السابقة عندما أمّنت سوريا الإمدادات عن طريق عمليات شراء من دول أخرى بينها رومانيا.
وقال المصدر الأول في قطاع تجارة الحبوب إن مليون طن على الأقل من واردات الحبوب من روسيا خلال 2021 و2022 تم الدفع مقابلها عبر خط ائتمان قدمته موسكو لدمشق.
وفي العام الماضي قال نائب رئيس الوزراء الروسي إن موسكو قدمت قرضا لسوريا لاستخدامه في أغراض منها الغذاء.