اقتصاد عربي

فقراء مصر يواجهون المزيد من المعاناة مع انخفاض قيمة الجنيه

انخفاض الجنيه جاء بعد إجراءات اتخذها البنك المركزي بهدف الحصول على قرض وفق شروط صندوق النقد الدولي- جيتي

سلط تقرير لصحيفة "ميدل إيست آي" الضوء على انعكاسات الانخفاض الحاد في قيمة الجنيه المصري على الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد، إذ إن ملايين المواطنين الفقراء يتساءلون كيف يلبون احتياجاتهم مع استمرار ارتفاع أسعار السلع الرئيسية.


وبينما تستعد مصر لاستضافة مؤتمر الأمم المتحدة "كوب27" لتغير المناخ في شرم الشيخ، وتنفق الملايين على الإعدادات اللوجيستية، يحسب محمد بلال -41 عامًا، عامل في السكة الحديد يعيش في منزل فقير بجزيرة الوراق في الجيزة- كيف أن راتبه لن يكفي لتغطية نفقات أسرته حتى نهاية العام، وفق تقرير الصحيفة الذي ترجمته "عربي21".


يقول بلال، الذي يجني 2500 جنيه (103 دولارات) في الشهر: "أصبح الوضع صعبًا، كيف أطعم طفلين وأمهما وأنا بهذا الراتب؟"، يعمل بلال أيضًا في إجازات نهاية الأسبوع كمزارع مع ملاك الأراضي، كوسيلة إضافية لجني المزيد من المال، كما أنه يفكر في إخراج طفليه من المدرسة ليشاركا في العمل.

 

بحث في حاويات القمامة


يضيف بلال: "عندما أعود من العمل مساءً، أجد الناس رجالًا ونساءً وأطفالًا يقفون بجوار حاويات القمامة؛ بحثًا عن طعام، لم أعد أطلق الأحكام على أحد؛ لأن الأمر قد ينتهي بي مثلهم، حتى إنني طلبت من زوجتي أن تضع بقايا الطعام في أكياس نظيفة في حال أكلها أحد".


ويعيش بلال في غرفة صغيرة مبنية عشوائيًا، بعد أن هدمت الحكومة منزله الأصلي في 2017، خلال مداهمات حكومية ادعت أن أي منازل مبنية على الجزيرة يجب هدمها، يضع نظام عبد الفتاح السيسي عينيه على جزيرة الوراق -تلك الجزيرة الزراعية التي تقع في منتصف النيل بين القاهرة والجيزة- كقطعة أرض يمكن تحويلها إلى مجتمع حديث ووجهة لأثرياء البلاد.


ويسكن الجزيرة الفقيرة الآن سكانها الذين لم يتحملوا كلفة الانتقال إلى المنازل الباهظة وزحام القاهرة والجيزة. أما السكان الميسورون الذين حصلوا على تعويض مناسب من الحكومة، فقد تمكنوا من شراء منازل في مناطق أخرى.

 

اقرأ أيضا: MEE: أزمة المناخ ومقاومة ديكتاتورية السيسي أمران مترابطان

وتنوي الحكومة أن تغير اسم الجزيرة إلى "جزيرة حورس" أو "مانهاتن على النيل"، وأن تبني وحدات سكنية شاهقة ومراكز تجارية، في 2017 قتلت شرطة مكافحة الشغب رجلًا، واعتقلت العشرات، واتهمتهم بالإرهاب؛ لمقاومتهم محاولات قوات الأمن فحص الممتلكات قبل عمليات الهدم المخطط لها.


ويقول بلال في يأس: "ما بين عدم الحصول على تعويض الحكومة منذ 5 سنوات والدخل المنخفض، فرصتي الوحيدة أن أصبح محتالًا".

 

لدغات التقشف


بغض النظر عن مأساة وقلق النزوح من منازلهم، يعاني سكان جزيرة الوراق -مثل ملايين المصريين- من السياسات المالية التي تفرضها الحكومة منذ 2016. في الأسبوع الماضي، انخفضت قيمة الجنيه بنسبة 15% قبل التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتسهيل تمويل قرض قيمته 3 مليارات دولار لمدة 46 شهرًا.


عقب هذا الإعلان، قال البنك المركزي إنه ينوي تكثيف الإصلاحات الاقتصادية، والانتقال إلى نظام صرف مرن بشكل دائم، تاركًا قوى العرض والطلب تحدد قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية الأخرى.


وقال المحللون إن الاتفاق التمهيدي لمصر مع صندوق النقد الدولي قد يساعد في استعادة ثقة المستثمرين في الدولة، لكن التقدم الحقيقي يتعلق برغبة القاهرة في الإصلاح.


وفقًا لمؤسسة "موديز"، فإن مصر واحدة من 5 دول في العالم معرضة لخطر الفشل في سداد أقساط ديونها الخارجية التي تتجاوز 150 مليار دولار. وفي أغسطس/ آب، قالت مؤسسة "جولدمان ساشس" إن مصر تحتاج إلى 15 مليار دولار من التمويل الخارجي لتتمكن من سداد ديونها.


وتضررت البلاد التي تعاني بالفعل من اقتصاد مديون من الحرب في أوكرانيا وارتفاع سعر الدولار، فقد شهدت مصر هروب المستثمرين الأجانب هذا العام مع أموال بقيمة 20 مليار دولار، أثرت الحرب أيضًا على واردات القمح وتدفق السائحين الروس والأوكرانيين الذين تعتمد عليهم مصر (حيث تعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم).


تعد الصفقة الأخيرة ثالث مرة تلجأ فيها مصر إلى صندوق النقد الدولي، فقد قامت بذلك مرتين من قبل في السنوات الست الماضية؛ كانت المرة الأولى في 2016 عندما حصلت مصر على تسهيل ائتماني قيمته 12 مليار دولار لدعم برنامجها الطموح للإصلاحات الاقتصادية، والمرة الثانية عندما تلقت قرضًا قيمته 5.2 مليار دولار لتخفيف الأثر الاقتصادي لجائحة كورونا.


اقترنت صفقة صندوق النقد الدولي بإجراءات التقشف الشديدة التي تسببت في ارتفاع أسعار الكهرباء والسلع الأساسية، لتزداد معاناة عشرات الملايين، بينما يعتمد نحو 70% من السكان -الذين يتجاوز عددهم أكثر من 100 مليون نسمة- على التموين الغذائي.


ونتيجة للتعويم الأخير، ازدادت أسعار السلع الغذائية مرة أخرى زيادة تتراوح بين 5 إلى 7% في منتجات الألبان والجبن التي تعتمد على الألبان المستوردة والزيوت النباتية، ومن المرجح أن تزداد النسبة مع توقع ارتفاع أسعار جميع السلع الرئيسية مثل اللحوم والأسماك والدواجن والبيض والأرز والعدس والفول والحبوب والسكر والقهوة والشاي.


تعاني سميرة -ربة منزل وممرضة- من جزيرة الوراق من مشكلات مماثلة، ورغم أنها لم تملك دولارًا في حياتها أو تره حتى، فإن حياتها تأثرت بشدة بالعملة العالمية، تقول سميرة: "مع استمرار ارتفاع الأسعار، يتناقص دعم الحكومة"، مضيفة أن كل أفراد أسرتها حُذفوا من بطاقة التموين، كما ارتفعت رسوم المدارس وتكلفة وسائل المواصلات.


جزيرة الوراق


لكي تذهب سميرة إلى عملها، فهي تحتاج إلى ركوب 4 وسائل مواصلات مختلفة، إضافة إلى العبّارة التي تركبها لتعبر من الجزيرة إلى ضفة النيل الأخرى، تقول سميرة: "ترغب الحكومة في طرد بقية سكان الجزيرة، لذا في بعض الأحيان تغلق العبّارة أو تحدد ساعات عملها عقابًا لنا".

 

اقرأ أيضا: من المستفيد والمتضرر في مصر بعد تعويم الجنيه؟

وأضافت أن المدارس والمستشفيات المملوكة للدولة هُدمت أيضًا مع تخصيص الأرض لخطط التنمية الحكومية، تقول: "إنهم يحاولون خنقنا، وحرماننا من جميع الخدمات الأساسية، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة الطعام والانتقالات على الجزيرة".


احتجاجات مُخطط لها


يعمل إسماعيل -أحد سكان جزيرة الوراق- كسائق توك توك نهارًا، بينما يبيع الشطائر ليلًا، وقال إنه مرتبط بخطيبته منذ 7 سنوات، لكن الظروف المالية لا تسمح بتأسيس غرفة في أي مكان بالقاهرة، يضيف إسماعيل: "كلانا نعمل، لكن الأسعار ترتفع وتتجاوز مقدرتنا على الادخار، وما ندخره ليس مُؤمنًا ضد الطوارئ الطبية والأزمات".


اعتُقل شقيق إسماعيل في مداهمة للشرطة بداية هذا العام، عندما حاول مع مجموعة من السكان الشباب الدفاع عن منازلهم من الهدم، وما زال محتجزًا ومن كانوا معه، ويواجهون اتهامات بالإرهاب، ما كلف عائلة إسماعيل أكثر من نصف مدخراتها لتوكيل محامٍ ودفع رشاو.


يقول إسماعيل، الذي يشكو من عدم قدرته أن يحيا حياة طبيعية وهو يعمل في وظيفتين: "نحن مهددون الآن بالطرد من أرضنا التي نمتلكها منذ الثمانينيات، ولا يمكننا أن نعيش مثل البشر الطبيعيين".


ينوي إسماعيل وآخرون المشاركة في احتجاجات 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، التي تتزامن مع حدث "كوب27"، للتعبير عن غضبهم وإحباطهم من سياسات السيسي الاقتصادية.

 

نسب الانتحار 

 

وارتفعت نسبة الانتحار في مصر مؤخرًا كوسيلة للاحتجاج على سوء الأحوال الاقتصادية، فكل شهر تقريبًا تنشر وسائل الإعلام خبرًا عن انتحار أحدهم بسبب الأوضاع الاقتصادية.


يعمل أبو بكر -34 عامًا، من جزيرة الوراق- عامل بناء في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، ومثل الآلاف غيره، فهو يعمل دون عقد وغير مُؤمن عليه، حسب طلب المقاولين، وقال أبو بكر إنه سيتوقف عن تناول الإفطار من عربة الفول قرب موقع البناء الذي يكلفه 20 جنيهًا (83 سنتًا)، وسيأكل الخبز الجاف والجبن القديم في منزله لتوفير النفقات.


شُخص ابن أبو بكر بمرض السرطان، ويحتاج إلى أدوية مهمة تزداد أسعارها كل شهرين؛ لأن الحكومة تضع قيودًا على استيراد البضائع، وفي الوقت نفسه تسمح للقطاع الخاص بإدارة المؤسسات الصحية المملوكة للدولة.


يقول أبو بكر: "سينام الكثير من الناس جوعى أو يذهبون للعمل جوعى؛ لأنهم سيضحون لأجل إطعام أطفالهم، لا أحد يستطيع أن يشعر بمعاناة الفقير، نحن مجرد حشرات تُسحق ولا يهتم أحد".


يضيف أبو بكر أن أحد زملائه لم يتمكن من إطعام أفراد أسرته، فأنهى حياته بإلقاء نفسه تحت عجلات المترو، ويضيف: "أعلم أن ما فعله حرام، لكنني في بعض الأحيان أشعر أنني أريد إنهاء حياتي لأتخلص من تلك المعاناة".


ارتفعت نسبة الانتحار في مصر مؤخرًا كوسيلة للاحتجاج على سوء الأحوال الاقتصادية، فكل شهر تقريبًا تنشر وسائل الإعلام خبرًا عن انتحار أحدهم بسبب الأوضاع الاقتصادية.


تربي أم فاروق -50 عامًا- 3 بنات وحدها، وتعمل عاملة نظافة، تشعر أم فاروق بالقلق المستمر بشأن تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرتها لأن الدخل لا يكفي.


تقول أم فاروق: "أعلم بعض الأسر التي تسمح لبناتها بالعمل في الدعارة لتوفير المال للطعام، وترك الجزيرة، لكنني لا أفعل ذلك"، تشتري أم فاروق مؤخرًا عظام الدجاج والبقايا لتطبخها وتصنع المرق، وتضيف: "أصبحت منتجات اللحوم والخضراوات باهظة للغاية، أستطيع توفير الفول والأرز فقط، بالإضافة إلى شوربة العظم".