قضايا وآراء

مدى جدية العالم في الضغط على الزر النووي

1300x600
لا يُستخدم كل تقدم علمي يصل إليه الإنسان لمصلحة البشر، وأبرز مثال على ذلك هو السلاح النووي أو السلاح ذو القدرة التدميرية الهائلة. ففي عام 1957 أنشأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية لغرض وحيد هو تسخير الذرّة من أجل السلام أو كبح جماح جنون البشر في التعامل مع هذه السلاح. وخلال العقود الماضية كان السباق الدولي في المجال النووي يتخلص في امتلاك التكنولوجيا من أجل الردع، لا الاستخدام أو حتى التهديد بالاستخدام.

اليوم وبعد أن أصبح الاتفاق الإيراني الغربي وشيكا وهدأت نبرة الخطر العالمي النووي، برز الرعب النووي من أرض أخرى تقع في شرق أوروبا خلال الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والاتهامات المتبادلة بإمكانية استخدام السلاح النووي في الصراع الدائرة هناك. والرعب النووي هنا ليس وليد تصريحات رعناء هنا أو هناك، بل هناك تصاعد منهجي على مدى الأشهر الماضية يتحدث بالتلميح حينا والتصريح أحيانا عن أن السلاح النووي بات على طاولة الخيارات. ولأن الحرب أولها كلام، فلا يمكن أن يؤخذ الحديث المتصاعد عن استخدام السلاح النووي على محمل المجاز أو التهديدات الجوفاء، فحين يستعر أوار المعارك بين القوى الكبرى تسلب العقول، والتاريخ خير شاهد.
كلما كان الخيار النووي فرديا ومعزولا وفي بيئة معادية كان شره أبعد واحتماله أضعف، لكن إذا كان في إطار استقطاب دولي وإعادة تنظيم المحاور في العالم فإن خطره يكبر ويعظم

والأمر ليس مقتصرا على الحرب الروسية الأوكرانية، بل يمتد إلى آسيا وتحديدا إلى كوريا الشمالية. فقد أعلن الجيش الكوري الجنوبي أن الجارة كوريا الشمالية قد أطلقت صاروخين بالستيين قصيري المدى في البحر، في إطار تدريبات منذ أسبوعين. وهو الأمر الذي دعا المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إلى القول إن العالم يحبس أنفاسه قبل تجربة نووية متوقعة من كوريا الشمالية.

التحالفات والجوار الجغرافي يلعب دورا كبيرا في هذه المسألة، فكلما كان الخيار النووي فرديا ومعزولا وفي بيئة معادية كان شره أبعد واحتماله أضعف، لكن إذا كان في إطار استقطاب دولي وإعادة تنظيم المحاور في العالم فإن خطره يكبر ويعظم. وفي هذا الإطار يأتي التأييد المعلن من قبل الصين لروسيا ومعارضتها للعقوبات الغربية عليها، وعدم إدانة غزوها لأوكرانيا.

إذا وضعنا هذا بجانب العلاقات المتينة التي تربط بيجين ببيونغ يانغ، نعرف بأن الجبهتين النوويتين تحظيان بعلاقات وثيقة مع الصين. بعبارة أخرى، فإن هناك ثلث القوى النووية في العالم، أي ثلاث دول من إجمالي تسع دول، لديها تحالف سياسي، في مقابل ست دول أخرى ليست على قبل رجل واحد. بل إن بعضها يعادي بعضه جهارا نهارا، وهما الهند وباكستان.
ارتباط الصراعات العالمية هو ارتباط وثيق، وفتيل التوترات والحروب في مناطق كثيرة ينتظر الإشعال. وليس أدل على ذلك من مشكلة تايوان مع الصين، فما أن حزمت روسيا أمرها وغزت أوكرانيا؛ حتى كانت أعين الجميع شاخصة نحو ما ستفعله الصين مع تايوان، وهي تتوق إلى تكرار السيناريو نفسه مع جارتها

إن ارتباط الصراعات العالمية هو ارتباط وثيق، وفتيل التوترات والحروب في مناطق كثيرة ينتظر الإشعال. وليس أدل على ذلك من مشكلة تايوان مع الصين، فما أن حزمت روسيا أمرها وغزت أوكرانيا؛ حتى كانت أعين الجميع شاخصة نحو ما ستفعله الصين مع تايوان، وهي تتوق إلى تكرار السيناريو نفسه مع جارتها التي تعتبرها فضاء استراتيجيا هاما لها. ومنذ يومين أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تايوان هي جزء لا يتجزأ من الصين، فيما أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن الصين باتت تتهيأ للاستيلاء الفعلي على تايوان بعد أن بدأ الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ ولايته الثالثة.

اللافت في الأمر أن القضية انتقلت من الإطار الرسمي إلى الإطار الشعبي، من دول تخوض صراعات سياسية وعسكرية إلى دول ليست طرفا في أي من هذه الصراعات. وليس سرا أن كثيرا من المواطنين الأوروبيين باتوا يخزنون أقراص اليود المخصصة لتخفيف آثار الإشعاعات النووية، استعدادا لأي طارئ في المستقبل.

twitter.com/hanybeshr