في الوقت
الذي تواجه فيه العملية السياسية الفلسطينية الإسرائيلية حالة من الانسداد بسبب رفض
الاحتلال إبداء أي موافقة على الانسحاب من الأراضي المحتلة، فقد ظهرت أصوات إسرائيلية
جديدة تزعم أن استمرار سيطرتها على مرتفعات الضفة الغربية، من شأنه دفع مصالح الولايات
المتحدة إلى الأمام، وهي فرضية جديدة يطرحها الإسرائيليون لاستجلاب الدعم الأمريكي
لموقفهم المتعنت.
مع العلم
أنه منذ حرب يونيو 1967، حين احتلت قوات الاحتلال تلال مرتفعات الجولان والضفة الغربية،
فقد زعمت أنها رفعت بشكل كبير من قوتها الرادعة، وتحولت من مستهلك للأمن، إلى منتج
له، وفق تقديراتها، وصولا إلى الاعتقاد بأن استمرار هذه السيطرة يعزز المصالح الأمريكية
في المنطقة ولا يقوضها، ولم يتردد الإسرائيليون في ترويج ادعاء في الأوساط الأمريكية
مفاده أن إقامة دولة فلسطينية يعمل على الانتقاص من مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
يورام
إيتنغر الكاتب في موقع "نيوز ون"، ذكر أنه "عند التوقيع على اتفاق السلام
الإسرائيلي الأردني في تشرين الأول/ أكتوبر 1994، تزعم المحافل الإسرائيلية أن إقامة
دولة فلسطينية غربي نهر الأردن سيشكل خطرا على هذا الاتفاق، لأنه قد يهدد الدول المجاورة،
في ظل تحول هذه الدولة الفلسطينية في المستقبل إلى كيان غير خاضع للحكم، وجنّة للعمليات
المسلحة، وسيحدث صدامات تهدد وجود الأنظمة الموالية لأمريكا في الدول النفطية العربية".
وأضاف
في مقال ترجمته "عربي21" أن "مرتفعات الضفة الغربية التي ترتفع
1000 متر فوق وادي الأردن، و600 متر فوق السهل الساحلي، لها دور مركزي في الأمن القومي
الإسرائيلي، والدول المجاورة، وبالتالي فإن استمرار السيطرة الإسرائيلية عليها تعمل
على تحييد تهديد المقاومة الفلسطينية، وتردع العناصر المعادية".
يستند
الكاتب بتبرير مزاعمه هذه لما "حصل في 2022، حين اشتدت توترات الحدود السورية
الأردنية التي تبعد 362 كم من مرتفعات الجولان بسبب سلوك الميليشيات الإيرانية المنتشرة
في سوريا، وتشمل تشغيل الطائرات بدون طيار، والهجمات السيبرانية، والفرق المسلحة، وتهريب
أسلحة ومخدرات، بهدف إيراني لإسقاط الأنظمة العربية المجاورة، وصولا لإحكام الحزام
حول السعودية وإسرائيل، والاقتراب من البحر المتوسط، وتقويض مكانة الولايات المتحدة
في الشرق الأوسط".
بصورة
لافتة، يبدي الإسرائيليون ثقة بالمزاعم التي يروجونها حول حاجة الدول العربية المجاورة
لدولة الاحتلال للتعزيزات الأمنية في مواجهة ما يعتبرونه "التهديدات المشتركة"،
مع شكوك هذه الدول العربية في الالتزام العسكري للولايات المتحدة، مما قد يجعلها تتجه
لدولة الاحتلال باعتبارها "وكيل التأمين على الحياة الأكثر موثوقية"، مما
دفع الدول المطبّعة للاتفاق معها، بعد اكتشافها لما أسمته "خيانة" الحليف
الأمريكي.
ما يعتبره
الإسرائيليون قوتهم الرادعة توفر فسحة أمام استعداد الدول العربية المجاورة لها، لا
سيما الأردن، لاتخاذ إجراءات عسكرية ضد التهديد القادم من الحدود السورية، تذكيرا بما
حصل في الماضي ليس البعيد إبان اندلاع أحداث أيلول 1970، حين قامت سوريا الموالية للسوفيات
بغزو الأردن الموالي للغرب، بهدف الإطاحة بالنظام المشتبك في حرب ضد منظمة التحرير
الفلسطينية، مما دفع القوات الإسرائيلية للتدخل، والضغط على الجيش السوري للانسحاب،
وقد حصلت هذه القوات على هذا الردع الفعال بسبب سيطرتها على مرتفعات الجولان والضفة
الغربية.
انطلاقا
من هذه الفرضيات الإسرائيلية، يزعم الاحتلال أن أي انسحاب له من تلال الضفة الغربية
والجولان المهيمنة على قطاع 14-24 كم على طول البحر المتوسط سيسحق قوة الردع الإسرائيلية،
ويحرم الولايات المتحدة من دولة فريدة، ويعطي رياحًا قوية إلى الخلف لصالح أعداء إسرائيل
والولايات المتحدة، وسيحول الحدود الغربية للأردن مع الدولة الفلسطينية إلى "قشة
ستكسر ظهره".
الخلاصة
الإسرائيلية أن إقامة الدولة الفلسطينية سيترك تأثيره "السلبي" على المصالح
الأمريكية في المنطقة، بزعم أنها ستضيف الوقود لنيران الشرق الأوسط، وتكون تمثيلا مناهضا
لأمريكا في الأمم المتحدة، وترفع مكانة إيران وروسيا والصين في منطقة حرجة بين أوروبا
وآسيا وأفريقيا وبين البحرين المتوسط والأحمر والمحيط الهندي والخليج العربي.