مثيرة للدهماء وللعامة وقد توصلها شعوبيتها إلى السلطة وإلى قصر كيجي مقر رئيس الوزراء في روما.
تصعد درجات السلم السياسي بعناية فائقة نحو قيادة اليمين الإيطالي، وربما اليمين الأوروبي، وتبدو مسيرتها صاعدة بشكل من الصعب إيقافه بقرب حصولها على منصب رئيسة وزراء إيطاليا، فالأرقام التي يحققها حزبها الصغير دفعتها للتصريح أكثر من مرة بأنها باتت مستعدة لقيادة إيطاليا، وأن حزبها يوشك أن يصبح قوة ضاربة في السياسة الإيطالية.
جيورجيا ميلوني، المولودة عام 1977 في العاصمة الإيطالية روما، لأب من أصول تعود إلى جزيرة سردينيا ووالدتها من صقلية، حاصلة على دبلوم الصحافة عام 1996.
مارست ميلوني النشاط السياسي عندما كانت تبلغ من العمر 15 عاما بعد أن انضمت لفرع الشباب من "الحركة الاجتماعية الإيطالية"، كما أنشأت حركة طلابية باسم "الأجداد" في عام 1992.
ورغم أنها مارست العمل الصحافي إلا أنها كنت شغوفة بالسياسة التي ولجت إليها في عام 1995 بانضمامها إلى حزب "التحالف الوطني" ذي التوجه الفاشي. ولم تكد تمضي سنوات قليلة حتى انتخبت عضوا في مجلس مدينة روما.
ولم يأت عام 2006 حتى أصبحت أصغر نائب لرئيس مجلس النواب الإيطالي.
ثم جاءت الخطوة الأخرى الكبرى في عام 2008 بانضمامها إلى حكومة سيلفيو برلسكوني كوزيرة لسياسة الشباب، وكانت وقتها أصغر وزيرة في تاريخ إيطاليا، وبقيت في المنصب الوزاري حتى عام 2011.
شهد عام 2009 حدثا سياسيا مهما بالنسبة لها فقد اندمج حزبها مع حزب "فورزا إيطاليا" في حزب موحد سمي حزب "شعب الحرية" فيما تولت هي رئاسة قسم الشباب التابع للحزب تحت اسم "إيطاليا الشابة".
اقرأ أيضا: الغارديان: زعيمة "إخوان إيطاليا" رفضت جذور الفاشية لحزبها
ولم تمض سوى ثلاث سنوات حتى أعلنت عن عزمها الطعن في قائد حزب "شعب الحرية" أنجلينو ألفانو، بعد أن دعم الحزب حكومة ماريو مونتي. ووقفت في البرلمان الإيطالي كمناهضة لسياسة مونتي، وطالبت بالتجديد داخل الحزب، ولم ينج حتى حليفها برلسكوني من انتقاداتها.
وكان من الطبيعي بعد كل ما جرى أن تنسحب في عام 2012 رفقة زميلين لها من حزبها لتأسيس حركة سياسية جديدة أطلقت عليها اسم "أخوة إيطاليا" أو كما يترجم في الإعلام العربي "إخوان إيطاليا"، والاسم مقتبس من النشيد الوطني الإيطالي، ولم يحدث الحزب الجديد الكثير من الصدى بعد أن فاز في الانتخابات عام 2013 بمجموع 9 مقاعد في البرلمان. وما لبثت في العام التالي أن فازت برئاسة حزبها وأصبحت القائد لـ"إخوان إيطاليا".
وحاولت أن تقيس ثقل حزبها الانتخابي فترشحت لانتخابات رئاسة بلدية روما عام 2016 التي خسرتها.
ومنذ تلك التجربة بدأت في صياغة لغة خطابية شعوبية، تأثرت في بعض جوانبها بتجربة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وترشحها وسائل الإعلام الغربية لمنصب رئيسة الوزراء الإيطالية، بمساندة حليفها النائب في البرلمان الأوروبي، سيلفيو برلسكوني، صديق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما يعني أن برلسكوني سيلعب دورا مركزيا في مثل هذه الحكومة.
وفي وقت سابق، قال سيلفيو برلسكوني، رئيس حزب "إلى الأمام إيطاليا"، إنه يعتبر بوتين "صديقا جيدا".
وكان الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، قد قبل استقالة رئيس الوزراء ماريو دراغي، وبعد ذلك حل ماتاريلا برلمان البلاد، ومن المقرر إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في إيطاليا في 25 أيلول/ سبتمبر المقبل التي تتصدرها ميلوني في استطلاعات الرأي في الساحة السياسية الإيطالية.
"الإخوان" يحلون في صدارة الاستطلاعات بهامش ضيق أمام الحزب "الديمقراطي" اليساري الوسطي، لكنهم يراهنون على دعم حزب "النجوم الخمس" الشعبوي اليميني بزعامة نائب رئيس الوزراء السابق ماتيو سالفيني، وحزب "فورزا إيطاليا" اليميني برئاسة برلسكوني.
بقي "الإخوان" بقيادة ميلوني في صفوف المعارضة خلال السنوات القليلة الماضية، وبحسب "واشنطن بوست" فقد استثمروا امتعاضا شعبيا كبيرا إزاء المشاكل التي تشوب إيطاليا منذ زمن طويل، بما في ذلك البطالة والهجرة، وعلى غرار القادة اليمينيين المتطرفين الآخرين في أوروبا، تبدي ميلوني غضبها إزاء التدهور المستمر للبلاد في رأيها، مرددة شعارات مثل "نعم لحضارتنا، ولا لأولئك الذين يريدون تدميرها".
وهوية الحزب هي في الأساس مرتبطة بالتقاليد ما بعد الفاشية، لكن مواقفه عبارة عن خليط بين هذا التقليد وبعض الأفكار المحافظة السائدة والعناصر النيوليبرالية مثل اقتصاد السوق.
ولو وصلت ميلوني إلى زعامة اليمين الإيطالي، سيمثل ذلك إحدى أهم الرحلات لسياسي يميني متطرف إلى التيار الأوروبي السائد، متفوقة على الفرنسية مارين لوبن، بحسب ما يكتب إيشان ذارور في "واشنطن بوست".
اقرأ أيضا: حضور لحفيدة "الدوتشي".. هل يعود "موسوليني" لحكم إيطاليا؟
اليمين الأوروبي القومي ستكون له قيادة إقليمية جديدة مفاجئة، فحكومة بقيادة ميلوني قد تكون أقل حماسة بكثير لدعم الجهد الحربي الأوكراني في مواجهة روسيا رغم إصرار ميلوني في الأسابيع الأخيرة على تأييدها لحلف شمال الأطلسي.
حزب "إخوان إيطاليا" يسيطر حاليا على 20% من القاعدة الانتخابية في البلاد. ويتقدم بوتيرة متصاعدة ستجعله ثاني أكبر أحزاب إيطاليا. وبعيدا عن الحزب نفسه فإن الناخبين والمشاركين في استطلاعات الرأي دائما ما يشيرون إلى ميلوني باعتبارها زعيمة، وأنها تحظى بثقتهم ودعمهم حتى لو لم يكونوا يثقون في الحزب ذاته.
وعملت ميلوني على استقطاب الطليان عبر تأليف كتاب شخصي بعنوان "أنا جورجيا" يحكي قصصا مؤثرة من حياتها الشخصية، ويقدمها كإيطالية تهتم بالمصلحة العليا لبلادها قبل أي شيء. وقد باع كتابها قرابة 100 ألف نسخة، وشغل قائمة أكثر الكتب مبيعا على موقع أمازون الإيطالي.
لا توافق على وصف "إخوان إيطاليا" بالتطرف أو الفاشية أو اليميني، فحزبها عضو في حزب الإصلاحيين والمحافظين الأوروبيين، وهو مظلة ينضوي تحتها أكثر من 40 حزبا في مختلف دول العالم، مثل "الليكود" الإسرائيلي، و"الحزب الجمهوري" في الولايات المتحدة، و"حزب المحافظين" في بريطانيا. معتبرة أن الناخبين "قد سئموا" من مثل هذه المناقشات، وأصدرت مقطع فيديو تتبنى فيه التكامل الأوروبي وتنأى بنفسها عن أصول حركتها الفاشية الجديدة.
ويا للمصادفة، وصول ميلوني إلى السلطة سيتزامن مع مرور 100 عام من وصول بينيتو موسوليني، الديكتاتور الفاشي الإيطالي، إلى السلطة في إيطاليا عام 1922.