يعتبر القائد الأعلى لحركة طالبان الملا هبة الله أخوند زاده، الحاكم الفعلي لأفغانستان منذ عودتها إلى حكم البلاد قبل عام، لكن ظهوره العلني النادر يزيد من هالة الغموض حوله، فيما يستمر في التواري عن الأنظار خشية من تصفيته.
وللقائد الأعلى لحركة طالبان الملا هبة الله أخوند زاده، صورة واحدة فقط، نشرت سنة 2016، في مؤشر على السرية التي تحيط بالرجل الذي يمسك بخيوط السلطة في أفغانستان منذ عام.
ويعود تاريخ التقاط الصورة إلى حوالي 20 عاما وفق طالبان، وتظهره بلحية بدأ يغطيها الشيب وأنف عريض ونظرة قاتمة.
وبحسب وكالة فرانس برس، فإن من المحتمل أن يبلغ أخوند زاده ما بين 60 و70 عاما، وفق شهادات متطابقة.
ويتحدث أخوند زاده أربع لغات وطوله 1.75 متر، ويرتدي السلوار وهو القميص التقليدي وصدرية، وغالبا ما يضع شالا.
وما زال الملا هبة الله أخوند زاده متواريا في معقله جنوب البلاد، حيث يوقره أنصاره رغم أنه متحفظ لدرجة أن بعض الخبراء يشكون في أنه ما زال حيا.
وفي 30 تشرين الأول/ أكتوبر، العام الماضي سرت شائعات في قندهار "عاصمة الظل" للنظام الجديد في جنوب أفغانستان، بأن "القائد الأعلى" سيلقي كلمة في مدرسة لتحفيظ القرآن بالمدينة، في أول ظهور علني رسمي له منذ تعيينه عام 2016.
أما في العاصمة كابل، فأكد عناصر طالبان أخيرا الخبر في الساعة الـ11:30 مساء اليوم ذاته، حينما نشروا تسجيلا صوتيا له مدته 10 دقائق و30 ثانية.
وبرز في التسجيل صوت رجل مسن وسط صدى التهاليل قائلا: "بارك الله في أهل أفغانستان الذين قاتلوا الكفار والطغيان طيلة عشرين عاما".
"مركز ثقل"
وقال مسؤول في حركة طالبان يعيش في باكستان لوكالة الأنباء الفرنسية، إنه منذ وفاة الملا عمر ثم الملا منصور خليفته عام 2016، صار أخوند زاده "مركز ثقل حركة طالبان، وقد تمكن من صون الجماعة".
ويقال إن الملا هبة الله لعب في السنوات الأخيرة دورا دبلوماسيا حاسما، كما أنه دعا عام 2017 كل أفغاني إلى "زراعة الأشجار" من أجل "حماية البيئة والتنمية الاقتصادية".
وإلى غاية استيلاء الحركة على السلطة في منتصف آب/ أغسطس 2021، لم يعرف أحد من خارج دوائر طالبان المقربة مكان وجوده.
والصيف الماضي، أفادت تقارير بأنه أعطى الضوء الأخضر للهجوم الأخير وتابع العمليات من قندهار حيث كان متخفيا منذ عدة أشهر، وفق ما أفاد به المسؤول في طالبان.
ولقد صار أي تعيين رسمي في الحكومة الجديدة يحمل توقيعه الآن، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
توارى خشية من التصفية
وأكدت العديد من المصادر في طالبان أن تواريه عن الأنظار يعود في المقام الأول إلى حمايته وخشية من تصفيته، فرغم مغادرة الأمريكيين أفغانستان في نهاية آب/ أغسطس 2021، إلا أن طالبان ما زالت تخشى ضربات الطائرات المسيرة وهجمات تنظيم "الدولة" المتزايدة.
ومن جهتها، أبدت الباحثة كيت كلارك من شبكة المحللين الأفغان استغرابها من قلة ظهور أخوند زاده.
وقالت كلارك: "حتى الملا عمر الذي لم يسمح بتصويره، أدلى بتصريحات ومقابلات عبر الإذاعة والتقى مسؤولين أجانب".
لكن على عكس الأعوام 2013- 2015، عندما أقر العديد من عناصر طالبان سرا بأنهم لا يعرفون مكان الملا عمر وإذا كان ما زال على قيد الحياة، فإنهم يؤكدون جميعهم الآن أن هبة الله حي وبصحة جيدة.
اقرأ أيضا: طالبان تحتفل بالذكرى السنوية الأولى لعودتها للسلطة وسط تحديات
ظهور علني
وبخصوص موعد ظهور القائد الأعلى على مرأى من العالم، أجاب نائب المتحدث باسم الحكومة أحمد الله وثيق: "ليس من الضروري أن يظهر الشيخ صاحب (وهو لقب آخر لأخوند زاده)، لأنه حتى بهذه الطريقة (التواري) قادر على القيادة بطريقة منظمة وفعالة"، وإن وعد بأنه سوف يظهر "عندما يكون ذلك ممكنا".
وظهر القائد الأعلى لأفغانستان هبة الله الأحد، علنا للمرة الثانية خلال ست سنوات، وقال للمصلين الذين يحتفلون بعيد الفطر، مشيدا بـ طالبان، إن الحركة "حققت الحرية والأمن" منذ استيلائها على السلطة.
وألقى أخوند زاده خطابه المختصر من أحد الصفوف الأمامية للمصلين في قندهار من دون أن يستدير ليقابل الحشد، بحسب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وذكر مراسل وكالة الأنباء الفرنسية أن مسؤولي طالبان منعوا الصحافيين من الاقتراب منه، وقد حلقت مروحيتان فوق المسجد طوال الحدث الذي استمر ساعتين.
النشأة.. تكوين ديني
في منطقة بانجواي القاحلة والشاسعة خارج قندهار، يعرف الجميع قرية أخوند زاده التي خرجت منها مجموعة علماء دين يحظون بالتقدير.
ويقول مقاتل شاب من المنطقة: "وقت الغزو السوفياتي (أواخر عام 1979)، اندلع القتال في القرية وغادر هبة الله إلى باكستان".
ثم أصبح أخوند زاده عالما جليلا وحصل على لقب "شيخ حديث"، وهو مخصص لأبرز المتخصصين في الأحاديث المنقولة عن النبي محمد.
وعاد أخوند زاده إلى بلدته وهو في الثلاثينيات من عمره في مطلع التسعينيات، عندما برز التمرد الإسلامي من تحت أنقاض الاحتلال السوفياتي.
وفي مسجد سبروان حيث استقر "بين خمس وست سنوات" بحسب شهادات، "جاء العلماء من المدينة ومن باكستان لمقابلته واستشارته"، وفق عبد القيوم (65 عاما).
وبحسب مقتطفات من سيرته الذاتية الرسمية، عندما وصلت طالبان إلى السلطة لأول مرة عام 1996، صار الشاب اللامع ضليعا في علوم الشريعة، وصار في عام 2001 رئيس المحكمة العسكرية في كابول.
خلال الغزو الأمريكي نهاية عام 2001، فر أخوند زاده إلى كويتا وأصبح مسؤول قضاء طالبان ومدرسا أشاد به الجيل الجديد من "المجاهدين".
ووفق القيادي في طالبان المقيم في باكستان والذي يقول إنه التقى أخوند زاده ثلاث مرات آخرها عام 2020، فإن القائد الأعلى معروف برفضه استخدام التكنولوجيا الحديثة، ويفضل المكالمات الهاتفية أو "مراسلة" أعضاء حكومة طالبان الذين تربطه بهم علاقة أخوية وطيدة.