تراجعت
حدة الذعر على الأقل حاليًّا؛ بعد أن أثار نزاع حدودي الأسبوع الماضي مخاوف من أن
كوسوفو وصربيا ربما تتجهان نحو حرب أخرى على الأراضي الأوروبية.
وبينت
مجلة "بوليتيكو" الأمريكية في تقرير ترجمته "عربي21"، سبب الخوف من
بعض النزاعات المسلحة التي تستمر لفترة وجيزة وما يمكن توقعه في الأسابيع المقبلة.
وقالت
المجلة إنه بالنسبة للسكان المحليين؛ تعتبر هذه الاضطرابات المتقطعة حدثًا منتظمًا
وليست بالضرورة مقدمة لعودة القتال وإراقة الدماء التي سادت منطقة البلقان في
التسعينيات. ومع ذلك، مع اندلاع حرب روسيا واسعة النطاق في أوكرانيا، فإن أوروبا
في حالة تأهب، كما أن حلف الناتو والاتحاد الأوروبي كلاهما متداخل بشدة في جهود
حفظ السلام المحلية، مما يمنح المؤسسات بؤرة توتر أخرى محتملة عندما يكافحون
بالفعل للحفاظ على موقفهم الموحد تجاه أوكرانيا.
ونقلت
المجلة عن دونيكا إميني، الخبيرة في شؤون كوسوفو وصربيا التي قالت: "هناك
حديث في جميع أنحاء العالم حول اندلاع الحرب المقبلة في كوسوفو. لم يحدث هذا من
قبل - لقد شهدنا أزمات أسوأ بكثير من تلك التي حدثت وبالكاد انتبه إليها العالم،
لكن بسبب الحرب في أوكرانيا، الجميع في حالة تأهب قصوى".
ما الذي أدى إلى الخلاف الأخير؟
وأوضحت
المجلة أن الخلاف، الذي استمر منذ أيلول/سبتمبر من العام الماضي؛ يتلخص في رغبة
كوسوفو في ممارسة نفوذ متزايد على الأغلبية العرقية الصربية المتركزة في شمال
البلاد، بينما تعارض صربيا، جارة كوسوفو التي لا تعترف باستقلال هذه الأخيرة، هذه
الخطوات.
وأشارت
إلى أنه في نهاية الأسبوع الماضي؛ كان صرب كوسوفو يتفاعلون مع إجراء جديد يتطلب
منهم استخدام لوحات ترخيص سيارات صادرة من كوسوفو، وعلى الأشخاص الذين يدخلون
البلاد عبر صربيا تلقي وثائق دخول خاصة؛ حيث قطع المتظاهرون الطرق قرب الحدود
وأقاموا الحواجز، وانتشرت التكهنات حول قيام مثيري الشغب بإطلاق النار على شرطة
كوسوفو؛ لكن تأكد لاحقًا أنه لم تقع إصابات.
وبعد
أسبوع تقريبا، أطلقت يوم السبت أعيرة نارية في اتجاه زورق يقل ضباط شرطة كوسوفو
أثناء محاولته نشر دورية على الحدود تم تشكيلها على طول ما يسميه الصرب غازيفود أو
بحيرة أوجمان، وفقا لسلطات كوسوفو.
وأضافت
المجلة أن الوضع كان متوتراً لدرجة أن بعثة حفظ السلام المحلية بقيادة الناتو
أصدرت بيانًا قالت فيه إنها "مستعدة للتدخل إذا تعرض الاستقرار للخطر".
وذكرت
المجلة أنه يُعتقد أن السبب الرئيسي للحوادث هو التدهور المستمر للحوار الذي يرعاه
الاتحاد الأوروبي بين كوسوفو وصربيا، والذي تم إطلاقه في عام 2011، لمعالجة
المشكلات الفنية التي لم يتم حلها؛ مثل لوحات ترخيص السيارات أو الاعتراف المتبادل
بالشهادات الجامعية.
اقرأ أيضا: "فورين بوليسي": صربيا تلعب بالنار مجددا
ما هو التاريخ الواسع للخلافات؟
ولفتت
المجلة إلى أن منطقة غرب البلقان شهدت قتالًا واسعًا وسفك دماء خلال التسعينيات مع
تفكك يوغوسلافيا، مما أدى إلى اندلاع حروب متتالية بين جمهورياتها السابقة.
ويتسبب
السياسيون القوميون والتوترات بين الأعراق في اندلاع اشتباكات حتى اليوم، خاصة في
البوسنة والهرسك وكوسوفو؛ ولكن منذ عام 1999، لم يصل شيء إلى مستوى الغزو المستمر
لأوكرانيا.
وفي
عام 2008، أعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا. وعلى مدى العقدين الماضيين، شهدت
البلاد مشاركة أكبر من الناتو والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أكثر من أي دولة
أوروبية أخرى من أجل تجنب إراقة الدماء المحتملة.
من المسؤول الآن في كوسوفو وصربيا؟
وأوردت
المجلة أن ألبين كورتي تولى منصب رئاسة الوزراء في كوسوفو عام 2021، وفاز في
الانتخابات بأغلبية ساحقة كزعيم لحزب فيتيفيندوسجي، المعروف بانتقاده الجماعات
الدولية ذات التأثير الضخم على الشؤون الداخلية للبلاد، ومنذ توليه منصبه، اتخذ
نهجًا أكثر تصادمًا مع كل من الاتحاد الأوروبي وصربيا من أسلافه.
وذكرت
المجلة ما قاله رمضان إيلازي، رئيس الأبحاث في مركز كوسوفو للدراسات الأمنية:
"شنت الحكومة الحالية حملتها على فكرة أن الحوار كان بطبيعته غير متكافئ،
وأنه متوقع من كوسوفو أن تفعل أكثر مما تفعله صربيا".
وأفادت
المجلة بأن كورتي يعتبر أكثر حزمًا تجاه الأقلية الصربية العرقية في البلاد، والتي
تتركز في المناطق الشمالية؛ حيث توقف الزمن بشكل أو بآخر منذ عام 1999، ولا يزال
الدينار الصربي يستخدم على نطاق واسع في هذه المناطق وتواصل بلغراد تمويل أنظمتها
الصحية والتعليمية، كما أن كثيرا من السكان هناك يحملون الجنسية الصربية فقط، حتى
أثناء إقامتهم في إقليم كوسوفو.
وأوضحت
المجلة أن حكومات كوسوفو اختارت لسنوات التعامل مع هذه المناطق الشمالية بحذر،
على الرغم من أن دستور البلاد يمنحها الحق في ممارسة السيادة على المنطقة، لكن
كورتي اتخذ اتجاها مختلفا؛ حيث أرسل وحدات شرطة خاصة إلى الشمال للتعامل مع قضايا
تتراوح بين التهريب غير المشروع والاحتجاجات.
وأضافت
المجلة أنه على الجانب الصربي، لم يتخلف الرئيس ألكسندر فوتشيتش عن المواجهة،
واتهم كوسوفو باستفزاز وترحيل صرب كوسوفو بإجراءاتها الأخيرة، وحذر قائلاً:
"إذا تجرأوا على البدء في اضطهاد الصرب؛ فلن يكون هناك استسلام وستنتصر
صربيا"، فسر الكثيرون هذه التصريحات على أنها تعني أن صربيا سوف ترد
عسكريًّا.
ما هو الدور الذي يلعبه الناتو والاتحاد الأوروبي؟
وحسب
ما أوردت المجلة؛ فإنه في حالة اندلاع القتال بالفعل، تلتزم كوسوفو وصربيا
باتفاقية يكون للناتو الكلمة الأخيرة فيها، كما يمنح الاتفاق كوسوفو شيئًا يشبه
تدابير الحماية المنصوص عليها في المادة 5 لحلف الناتو - والتي تعتبر الهجوم على
أحد أعضاء التحالف العسكري هجومًا على جميع الأعضاء؛ على الرغم من أن كوسوفو ليست
عضوًا في الناتو، وبالإضافة إلى القوات التي يقودها الناتو على الأرض، يمكن لحلف
الناتو نشر قوة عبر الأفق أو قوة احتياطية في البلاد فورًا إذا لزم الأمر.
وكشفت
المجلة أيضًا أن الاتحاد الأوروبي يلعب دورًا في إدارة الأزمات؛ ففي حين أن شرطة
كوسوفو هي أول المستجيبين لأي حادث في البلاد - كما كانت يوم الأحد الماضي - فإن
البعثة المحلية للاتحاد الأوروبي تشكل الخطوط الخلفية، حيث مُنحت قوة شرطة دولية
ممولة من الاتحاد الأوروبي قدرات خاصة، لا سيما في الشمال، للمساعدة في
"السيطرة على الحشود وأعمال الشغب". وأضافت المجلة ما قاله إيلازي:
"يمكنهم السيطرة الكاملة على الوضع إذا كانوا يعتقدون أن التطورات تعرض للخطر
أو تضر بالسلامة والأمن".
ماذا يحدث بعد ذلك؟
وبينت
المجلة أنه في الوقت الحالي؛ تمت إزالة المتارس، لكن الإجراءات التي تسببت في
رفعها تم تأجيلها فقط حتى الأول من سبتمبر/أيلول على أمل إيجاد حل، كما أكد مسؤول
الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن الجانبين سيجتمعان في بروكسل
في 18 أغسطس/آب، وأشارت المجلة إلى ما قاله الرئيس الصربي فوتشيتش يوم الثلاثاء،
إنه مستعد للذهاب إلى بروكسل للقاء كورتي بحثًا عن اتفاق، لكنه أضاف أنه "لا
يتوقع أي شيء من الاجتماع"، كما قال فوتشيتش لقناة آر تي سي الصربية:
"أي شخص يعتقد أنه من الممكن الحفاظ على السلام مع ألبين كورتي هو
مخطئ".
ووفقًا
لما نقلته المجلة على لسان إيلازي، فإن أفضل طريقة لإحراز كوسوفو تقدمًا هي دفع
الحوار الذي يقوده الاتحاد الأوروبي وجعله أكثر جاذبية للصرب المحليين لتحويل
ولاءاتهم، من بلغراد إلى بريشتينا؛ حيث يقول إيلازي: "النتيجتان المحتملتان
للحوادث الأخيرة هما إما دفعة جديدة لحل القضايا المعلقة بشكل نهائي أو تراجع في
الوضع وإلغاء التقدم الذي تم إحرازه حتى الآن بالكامل".