في كل
مناسبة سياسية ووطنية ينظمها فلسطينيو 48 في الداخل المحتل، ويرفعون فيها علم فلسطين،
تصاب دولة الاحتلال بحالة من الهوس، بزعم أن هذا العلم الوطني الفلسطيني يهدد وجود
الدولة اليهودية التوراتية.
وتحظر
دولة الاحتلال رفع العلم الفلسطيني منذ عام 1967، وتعتبره جريمة يعاقب عليها بالسجن،
ولكن في عام 1993، عندما حصل الاعتراف المتبادل بين دولة الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية،
سُمح بالتلويح بالعلم، وكذلك رفع العلم الضخم بشكل مهيب فوق مقر المنظمة في بيت الشرق
بالقدس، حتى أغلقه أريئيل شارون بأمر حكومي في 2001.
عيران
تصدقياهو، الباحث بمنتدى التفكير الإقليمي، ذكر أنه "قبل سنوات، بدأت شرطة الاحتلال
بالرد بعنف غير متناسب كلما تم رفع العلم الفلسطيني في مظاهرة، وتهاجم متظاهرين سلميين
وغير عنيفين؛ من أجل تمزيق العلم الفلسطيني من أيديهم بالقوة، والذريعة عادة هي انتهاك
النظام العام، ومع مرور الوقت تحول العلم الفلسطيني إلى تهديد موجود للفضاء العام الإسرائيلي،
وباتت إسرائيل بكل مؤسساتها تنظر حاليًا للتلويح به على أنه تقويض لسيادتها، وربما
للفكرة الصهيونية برمتها".
وأضاف
في مقال نشره أن
"وجود العلم الفلسطيني في المسيرات السلمية بات أمرا لا يطاق لدى الإسرائيليين،
ووزع المستوطنون مقاطع "تيك توك" لأنفسهم وهم يمزقونه بالقوة قرب نابلس،
وبدأت تخرج المبادرات الإسرائيلية الهادفة لحظر رفع العلم الفلسطيني في الجامعات والمؤسسات
الإسرائيلية بموجب القانون، ما يطرح تساؤلات مشروعة: من أين يأتي الخوف الإسرائيلي
من العلم الفلسطيني إلى درجة العجز التام عن احتواء وجوده في الفضاء العام؟ وما هو
سبب الهستيريا الإسرائيلية من وجوده في الواقع اليومي والإعلامي، ما يستدعيها لارتكاب
مجزرة دموية وهستيرية ردّا عليه؟".
من الواضح
أن السلوك الإسرائيلي الهستيري ضد العلم الفلسطيني تعبير عن محاولة فاشلة لتناسي أن
هناك أمة أخرى على هذه الأرض، وأن الملايين من شعبها يخضعون لنظام عسكري إسرائيلي صارم
بقوة السلاح، ولأن العلم الفلسطيني ذاته يتناقض مع الرواية الإسرائيلية المزورة التي
تزعم عدم وجود شعب فلسطيني من الأساس، وأن القومية الفلسطينية هي اختراع ولد فقط بسبب
حاجة الفلسطينيين لمعارضة الصهيونية.
مع أن
رد الفعل المبالغ به من قبل الاحتلال تجاه سلوك رفع العلم الفلسطيني يعيد إلى الأذهان
ما شهدته دولة الاحتلال بعد انطلاق عملية التسوية في 1991، من تشكل مجموعة مستشرقين
إسرائيليين متطرفين حددت لنفسها هدف محاربة وجود القومية الفلسطينية، وتضم ديفيد بوكاي
ونيسيم دانا ومردخاي كيدار ورافي إسرائيلي، وتبنوا فرضية إعلان حرب شاملة على القومية
الفلسطينية، ودحض قدسية القدس للمسلمين، وإنكار الوجود الوطني للشعب الفلسطيني.
الغريب
أن هذه الآراء العنصرية الإسرائيلية، التي لا تلبي المعايير الأكاديمية العلمية الأساسية، تحظى بشعبية كبيرة بين الإسرائيليين، وقد اعتاد رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت
على مشاركة مقاطع فيديو لبعض هؤلاء على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، عندما
كان وزيراً للتعليم، ورئيساً لحزب "البيت اليهودي".
بل إن
الاستعداء اللافت من قبل الاحتلال للعلم الفلسطيني ينطلق من فرضية استعلائية مفادها
أنه لا يحق للفلسطينيين دولة، بزعم أنهم ليسوا شعبًا حقًا، وحتى لو تم اعتبارهم شعباً،
بنظر هؤلاء المستشرقين، فلا يزالون غير مؤهلين لتقرير مصير دولتهم، لأنهم لا يستوفون
بعض المعايير السياسية والأخلاقية الضرورية، وفي المقابل يعتبرون أن القومية اليهودية
الصهيونية هي استمرار مباشر للهوية اليهودية التوراتية، فيما يُنظر للهوية الفلسطينية
على أنها مخترعة ومزيفة تفتقر للعمق التاريخي والديني.