يدور جدل واسع في الأردن حول مشروع قانون يتعلق بحقوق الطفل، بين من يرى أنه يحمي الأطفال من الانتهاكات، ويوفر لهم حياة كريمة، وبين من يقول إنه مستورد غربي يهدف إلى تدمير الأسرة الأردنية، ويتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، والقيم المجتمعية، ويمنح الطفل الحرية على حساب رعاية الوالدين والأسرة.
وأحال مجلس النواب الأردني، الأربعاء الفائت، مشروع قانون حقوق الطفل لسنة 2022 إلى لجنة نيابية مشتركة (القانونية، والمرأة وشؤون الأسرة) للنظر فيه وإبداء الملاحظات اللازمة، وذلك بعد جلسة شهدت مناقشات واسعة حول القانون، توجه أكثرها إلى نقده والتوجس من الهدف الكامن وراء تشريعه، وأنه يبيح تبني الأطفال وحرية اختيارهم الدين.
وأثناء المناقشة؛ تقدمت وزيرة الدولة للشؤون القانونية، وفاء بني مصطفى، بمداخلة طمأنت فيها النواب بأن مشروع القانون "يراعي الخصوصية الأردنية"، مشيرة إلى أن "الأردن متحفظ على المواد 14 و20 و21 من الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل، وهذه المواد تتعلق بالتبني وحرية اختيار الدين".
مستورد غربي
وقال عضو مجلس النواب الأردني ينال فريحات، إن "مشروع قانون حقوق الطفل هو أحد القوانين القادمة من الخارج، والتي تُملى علينا كجزء من الاستحقاقات التي تتبناها منظمات دولية حول ما تدعي أنها حقوق للمرأة والطفل".
وأضاف لـ"عربي21" أن "مشروع القانون يأتي في سياق اتفاقية سيداو، والقوانين التي يجري تعديلها لتنسجم معها، رغم أنها منزوعة عن المرجعية الإسلامية، وعن منظومة القيم داخل المجتمع الأردني".
ورأى فريحات أن الغرب يستهدف الأسر الأردنية والعربية والإسلامية بهذه القوانين، مشيراً إلى أن "كيان الأسرة لم يعد موجودا في الدول الغربية، فهي مجتمعات تقوم على أساس الفرد، في حين أن الأسرة تشكل الوحدة الرئيسية للمجتمعات العربية والإسلامية، والفرد جزء منها".
وأوضح أن مشروع القانون ينقل رعاية ومسؤولية الطفل من الأسرة والأبوين إلى الدولة، كما هو الحال في الغرب، مشيرا إلى أن تيار اليسار الديمقراطي في الولايات المتحدة وكندا وغيرهما، والذي ينتمي إليه الرئيس الأمريكي جو بايدن، يسعى إلى نزع منظومة القيم، والسماح بالشذوذ الجنسي، والإجهاض، وتغيير جنس الطفل تحت مفهوم الجندر، وغير ذلك من المفاهيم التي يعمل على تصديرها للأردن.
وعدّد فريحات - عضو كتلة الإصلاح النيابية المحسوبة على الإسلاميين - سلبيات مشروع القانون بالقول إنه يقرر حرية الطفل في التعبير عن الرأي دون أي قيود، بما فيها قيود الأسرة والوالدين، ويتحدث عن حماية حياة الطفل الخاصة، وخصوصية مراسلاته، وفي ذلك تقييد لدور الأب والأم في الرقابة والمتابعة والتربية.
وقال إن هناك مواد تنص على حق الطفل في اللجوء إلى المساعدة القانونية "دون أي قيد"، من "غير بيان للمقصود بعبارة (دون أي قيد)، وهل تعني دون موافقة ولي الأمر"، مشيرا إلى أن "عامة نصوص مشروع القانون لا تبرز أي دور للأب والأم في رعاية الطفل، ولا تتطرق إلى واجبات الطفل تجاه والديه".
وينص البند (أ) من المادة (7) على أن للطفل الحق في "التعبير عن آرائه، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة أو الفن أو بأي وسيلة أخرى يختارها، وتُولى آراء الطفل الاعتبار وفقاً لسنّه ودرجة نضجه".
فيما ينص البند (أ) من المادة (8) على أن "للطفل الحق في احترام حياته الخاصة، ويُحظر تعريضه لأي تدخل تعسفي أو إجراء غير قانوني في حياته أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، كما يُحظر المساس بشرفه أو سمعته، مع مراعاة حقوق وواجبات والديه أو من يقوم مقامهما وفقا للتشريعات ذات العلاقة".
بينما يقرر البند (ج) من المادة (24) أنه "يُتاح للطفل الاتصال مع مقدمي خدمات المساعدة القانونية دون أي قيد".
اقرأ أيضا: تقرير: الأردنيون أكثر الشعوب العربية تفكيرا بالهجرة
لا إملاءات أجنبية
من جهتها؛ أكدت المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية، هديل عبد العزيز، أن المؤسسات الوطنية الأردنية طالبت منذ سنوات عديدة بتشريع قانون يحفظ حقوق الطفل، بعيدا عن أي إملاءات أجنبية يزعمها البعض.
وقالت لـ"عربي21" إن "القانون لا يحمي الأطفال بالشكل المطلوب، ولكنه على الأقل يدل على إرادة سياسية، وتحمّل مسؤولية تجاه بعض الملفات الهامة للطفل، ليس فقط فيما يتعلق بحق التعليم، وإنما في الصحة أيضاً".
وأضافت هديل أن "كل الحديث عن أن هذا القانون يدمر الأسرة غير صحيح، بل العكس من ذلك تماما؛ فهو يضع المسؤولية على حماية الأسرة وقيمها، ويحمي هذه القيم، وينص على ذلك".
واستهجنت انتقاد المادة التي تحدثت عن خصوصية الطفل وحظر التدخل التعسفي في مراسلاته، مشيرة إلى أن نص المادة يؤكد على مراعاة حقوق وواجبات الوالدين تجاه أبنائهم، "ولا بأس من إعادة صياغة المادة بما يتضمن التأكيد على حق الأهل في تربية أبنائهم".
وتابعت هديل: "نحن نتحدث عن أطفال يجري استخدامهم واستغلالهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وصبايا بعمر 14 عاما يتم تصويرهم بطرق غير لائقة وبأساليب مهينة.. أليس هؤلاء بحاجة إلى رعاية وحماية؟".
ورأت أن هناك من يستخدم نصوص القانون خارج سياقها بطريقة غريبة وغير مفهومة، سوى أن يكون ذلك للتصيد ومحاولة إجهاض القانون، أو تسجيل موقف سياسي، ممثلة بالمادة (24) التي أتاحت للطفل الاتصال مع مقدمي خدمات المساعدة القانونية دون قيد.
وأوضحت أن الطفل يُحرم من طلب المساعدة القانونية في أقسام الشرطة وعند التحقيق معه في دائرة المخابرات العامة، وفي القضايا المتعلقة بالمخدرات بحجة أن فيها نوعا من الحساسية، مضيفة أن التحفظ على منح الطفل هذا الحق تخاذل وتماهٍ مع خطاب السلطة التي لا شك أنها مسرورة وراضية عن هذا التحفظ.
تدمير الأسرة والطفل معاً
وفي المقابل؛ رأى المختص في علم الاجتماع، حسين الخزاعي، أن "جميع المواد الواردة في مشروع القانون لا تخدم الطفل، بل إنها تؤول إلى تدمير الأسرة والطفل معا".
وقال لـ"عربي21" إن مشروع القانون يمنح الأطفال الفرصة والدافع لترك المنزل، وعدم الاحترام والطاعة للوالدين، والاستقلالية والانعزال، وحرية التصرف في أي شيء دون استشارة الوالدين.
وأضاف الخزاعي أن القانون "يسحب دور الأب والأم والأسرة من رعاية الطفل، بمعنى أن يرعى شؤونه بنفسه، مع كونه غير قادر على ذلك، ولا يستطيع الاعتماد على نفسه حتى في تأمين الطعام والمسكن والملبس"، لافتا إلى أن أكثر ما يحتاج إليه الطفل في هذه المرحلة الزمنية من عمره، هو أن يعيش بأمن وأمان في بيئة حاضنة، ألا وهي الأسرة.
وأوضح أن "هذا القانون يمنح الطفل حرية التنقل والانتساب للنوادي الترفيهية، وهي مصطلحات غير معرّفة، وهنا تكمن الخطورة"، مؤكدا أن ما ورد في القانون "يدمر الأسرة بشكل كبير، ويمنح الأطفال حق التنمر على أُسرهم، ويشجعهم على الخروج من بيوتهم، وبالتالي تفكك هذه الأسر".
وشدد على أن "حقوق الطفل تعني تأمين العيش الكريم للأطفال، والأمن النفسي والاجتماعي والاقتصادي والحياة الصحية السليمة"، متابعا: "يهمني أن أؤمن المستلزمات الأساسية للطفل قبل الحديث عن حرية التنقل والترفيه".
ونص البند (أ) من المادة (18) على أن "للطفل الحق في المشاركة بالتجمعات والنوادي التي يمارس من خلالها نشاطاته الاجتماعية والثقافية والترفيهية، ومزاولة الألعاب والرياضة والفنون بما يتناسب وسنه ودرجة نضجه وفقا للتشريعات النافذة".
فيما نصت المادة (19) على أن "للطفل الحق في التنقل والعيش في بيئة مرورية آمنة".
لماذا يستهدف الأردن إحدى أكبر جمعيات القرآن بالوطن العربي؟
تحول في موقف الأردن تجاه قضايا الإقليم.. إيران نموذجا
حادثة العقبة تضع الحكومة الأردنية في مرمى الاتهام