قضايا وآراء

إعادة بناء الدولة ما بين المعوقات والتحديات

1300x600
تفرض مرحلة إعادة بناء الدولة أو مرحلة بناء الدولة حالتين متقاربتين، لكن تختلف تجربة كل منهما عن الأخرى، ففي الحالة الأولى نعني بها أن دولة ما متكاملة المقومات سواء القانونية أو السياسية أو الاقتصادية، وتمتلك هذه الدولة الشرعية القانونية والاعتراف الدولي، لكن تتعرض هذه الدولة للأزمة (ثورة أو انقلاب أو احتلال). تتعرض هذه الدولة إلى السقوط ونهاية نظامها السياسي القانوني، ومن ثم إعادة بناء الدولة ومنظومتها السياسية.. وهذا يقع على عاتق دولة الاحتلال (كحالة العراق)، أو نتيجة ثورة شعبية تطيح بنظام الحكم (كحالة تونس- مصر- ليبيا- اليمن)، أو انقلاب عسكري (كحالة السودان أو مصر).

تمثل هذه المرحلة حالة انعطاف لتصحيح المسار، لكن في الواقع مآلات الفشل لازمتها في أغلب الحالات أعلاه لأسباب داخلية أو خارجية أو الاثنتين معا.

لو أخذنا حالة العراق، لوجدنا مرحلة انهيار الدولة بعد تعرضها للاحتلال، أو بعد الحرب الأهلية كراوندا مثلا، فقد شكلت النزاعات المسلحة والاضطرابات الداخلية للدول، إحدى أخطر التهديدات على المجتمع الدولي، فيواجه تلك التحديات لبناء السلام. وهناك معوقات تقف في وجه إعادة بناء الدولة، لتتصف فيما بعد بأنها دولة فاشلة.

تمثل حالة نزاع مسلح في دولة ما وجود حالات العنف وتفشي الفوضى وانتشار المليشيات والجماعات الإرهابية، وهو ما يشكل تحديا كبيرا أمام إعادة بناء الدولة. قوة الدولة تبرز من خلال بناء المؤسسة العسكرية بتشكيل جيش وطني يحمي سيادة الدولة، ويقف أمام كل التهديدات والمخاطر الداخلية والخارجية.
تمثل هذه المرحلة حالة انعطاف لتصحيح المسار، لكن في الواقع مآلات الفشل لازمتها في أغلب الحالات أعلاه لأسباب داخلية أو خارجية أو الاثنتين معا

يبرز ضعف مؤسسات الدولة في العراق على إدارة البلاد في مختلف المجالات وتراجع قدرتها على فرض هيبة الدولة واحتكار ممارسة العنف، فضلا عن الفشل الكبير في تقديم الخدمات وتحقيق الاستقرار المطلوب، ما تسبب في هشاشة الدولة العراقية وحصولها على موقع متأخر في مؤشر الدول الهشة، حيث حصل العراق على درجة (96.2) من بين 178 دولة، وفق دراسة الدكتور باسم خريسان المنشورة في مركز البيان سنة 2021.

فبين مفهوم بناء الدولة ومفهوم الدولة الفاشلة، تبرز مؤشرات مختلفة وضعت كمعايير. فمؤشرات الدولة الفاشلة: تتمثل في:

- مؤشرات الحكم (Indicator World Wide Governanc).

- مؤشر الدول الفاشلة (CAST Failed States Index).

- مؤشر هشاشة الدول (State Fragility Index - SF)

- مؤشر السلام العالمي (Global Peace Index - GPI).

- مؤشر ضعف الدولة في العالم النامي (Index of State Weakness in the Developing World - ISWDW).

وقد حددت منظمة "صندوق السلام" (Fund For Peace – FFP) بالاشتراك مع مجلة فورين بوليسي Foreign Policy))، خصائص رئيسية للدول الفاشلة، وأصدرت تقارير سنوية حول الدول الفاشلة تمثلت بـ:

- تعتبر الدول الفاشلة في حقل العلاقات الدولية وفي النظام الدولي؛ تلك التي تحولت من فاعل منظم ومسير للعلاقات الدولية إلى خطر يهدد استقرار وأمن وسلامة المجتمع الدولي.

- تفقد الدولة القدرة على أداء الوظائف الأساسية للحكومة وتفقد شرعيتها.. عدم قدرة المؤسسات السياسية لتلبية المهام الأساسية للحكومة الشرعية يرافقه الانهيار الاقتصادي.. هذا الانهيار الاقتصادي حاضر تقريبا في كل حالات الدولة الفاشلة.
تعرف الدولة الفاشلة بأنها الدولة غير القادرة على الحفاظ على أمنها السيادي، وتفتقر إلى تطبيق القانون وفرضه، مع عجز حكوماتها على حماية الناس من التهديدات الداخلية والخارجية، وتوفير الخدمات الأساسية الصحة والتعليم وحاجات السكان الأخرى

تعرف الدولة الفاشلة بأنها الدولة غير القادرة على الحفاظ على أمنها السيادي وتفتقر إلى تطبيق القانون وفرضه، مع عجز حكوماتها على حماية الناس من التهديدات الداخلية والخارجية، وتوفير الخدمات الأساسية الصحة والتعليم وحاجات السكان الأخرى.. أي إنها الدولة العاجزة عن القيام بدورها كمعبر عن إرادة شعبها وراعية لمصالحه الوطنية.

وظهر مفهوم الدولة الفاشلة، في دراسة لجيرالد هيلمان (Gerald B. Helman) وستيفن راتنر (Steven R. Ratner) ونُشرت في مجلة فورين بوليسي الأمريكية عام 1993.

أما تعريف بناء الدولة وفقا لفوكاياما، فهو تقوية المؤسسات القائمة وبناء مؤسسات جديدة فاعلة وقادرة على البقاء والاكتفاء الذاتي، ويضيف أن قوة الدولة هي قوة قدراتها المؤسساتية والإدارية في تصميم السياسات، وسن الأنظمة والقوانين ووضعها موضع التنفيذ.

وفي مواجهة تحديات بناء الدولة، وجب تقوية وظائف الدولة الدنيا (توفير الخدمات..) والمتوسطة (مواجهة التهديدات الخارجية والتربية والتعليم..) والعليا (ترسيم السياسات الكبرى وتوزيع الثروة)، كما وصفها فوكاياما.
في مواجهة تحديات بناء الدولة، وجب تقوية وظائف الدولة الدنيا (توفير الخدمات..) والمتوسطة (مواجهة التهديدات الخارجية والتربية والتعليم..) والعليا (ترسيم السياسات الكبرى وتوزيع الثروة)   

وعليه، تبرز من التعريف أعلاه عناصر بناء الدولة وأهمها: إعادة الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي للدولة، والانتعاش الاقتصادي، وحماية الحقوق والحريات وتحقيق الانتقال الديمقراطي، بالإضافة إلى الوعي القانوني والمجتمعي، من أجل فرض وتحقيق العدالة القانونية والمجتمعية للدولة.

أما مقومات نجاح بناء الدولة، فترتبط بما يلي:

- ارتفاع معدل مؤشرات التنمية من خلال السياسات التنموية والإصلاح الاقتصادي.

- زيادة فرص العمل والقضاء على البطالة.

- التنويع الاقتصادي وجذب مشاريع الاستثمار.

- تعزيز مصادر دخل الفرد.

- توفير الخدمات بجميع مجالاتها لخدمة المواطنين.

- تحقيق المصالحة الوطنية.

- إصدار دستور ضامن لحقوق الأفراد وقوة الدولة.

- طبيعة النظام السياسي والقيادة السياسية الاستراتيجية للدولة.

- دور المعارضة الوطنية.

- المجتمع المدني.

- تثبيت أركان دولة القانون؛ أي دولة المؤسسات.

- بناء استراتيجيات قصيرة ومتوسطة وطويلة، تهدف إلى بناء قوة الدولة اقتصاديا وسياسيا وقانونيا ومجتمعيا.

ولا يمكن اكتمال بناء الدولة ما لم تتوفر الأسس التي من أجلها صاغها المجتمع وقادته، التي تتمثل في:

- تحقيق العدالة القانونية والاجتماعية التي هي أساس الحل الناجح بعد نزاع مسلح.

- محاربة الفساد، وخاصة المقنن الذي تمارسه الأحزاب السياسية.

- هشاشة الدولة إحدى نتائج النزاعات المسلحة والحروب الأهلية.

- إضعاف التعليم والرعاية الصحية أحد أسباب ضعف وهشاشة الدولة.

- تؤدي القيادة السياسية دورا كبيرا في ضعف أو قوة الدولة.

فمرحلة إعادة بناء الدولة لا تكون ميسرة كما في بناء الدولة الوليدة من انسلاخها من الدولة الأم أو نتيجة تغير نظام الحكم فيها، فربما شخص حاكم قوي يستطيع بناء الدولة كما حصل في توحيد ألمانيا من قبل بسمارك عام (1871)، أو نيلسون مانديلا وتجربة بناء الدولة في جنوب أفريقيا، أو زعيم رواندا بول كاغامي بعد الحرب الأهلية عام 1994. أما على الصعيد العربي، فتبرز تجربة الملك محمد الخامس في بناء الدولة المغربية بعد الاستقلال من الاحتلال الفرنسي عام 1956، وتجربة الحبيب بورقيبة في تونس عام 1956، وتجربة السلطان قابوس في سلطنة عمان عام 1970، وغيرها سيتم تناولها في الجزء الثاني من الدراسة.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع