مع انسداد
الأفق السياسي داخل دولة الاحتلال، والانزياح المتجه نحو اليمين، واليمين المتطرف،
ورفض أي انسحابات من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وزيادة تأثير المستوطنين على دوائر
القرار، يبدي بعض الإسرائيليين تخوفا متزايدا من الاتجاهات الدينية التي بدأت تصبغ
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لأنه سيبدو في هذه الحالة أكثر مسيحانية وخطورة، مما
يستدعي من وجهة نظرهم المسارعة إلى حلّه في أسرع وقت ممكن.
في الوقت
ذاته، يحذر هؤلاء الإسرائيليون من أن استمرار الصراع مع الفلسطينيين دون حل، سينقله
من الجانب الوطني السياسي بين الحركة الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية، إلى جوانب
دينية وأيديولوجية، مما سيسبب أضراراً قاتلة لدولة الاحتلال، ويخلق شروخاً آخذة في
الاتساع داخلها، وحينها ستكون نهايتها، لأن دفن الرؤوس في الرمال، وترك المجال العام
للأقلية المتطرفة من اليهود سيضع حدا لرؤية الدولة اليهودية.
المحامي
الإسرائيلي يورام رافيد كتب في "معاريف" مقالا ترجمته "عربي21" جاء فيه أن
"وصول أتباع الحاخام مائير كاهانا لأن يصبحوا أعضاء شرعيين في الكنيست، ومستقبلا
في المناصب الوزارية، يمنح الشرعية لتصريحاتهم العنصرية ضد الفلسطينيين والعرب، ورفضهم
لإقامة دولة فلسطينية لأسباب قومية وأمنية زائفة، وهم في ذات الوقت يمتنعون عن تقديم
بديل آخر، بل يصرون على وجود دولة واحدة بين البحر والنهر، لكنها بالطبع لن تكون يهودية،
إلا إذا طبقنا مشروع الترحيل".
وأضاف
أن "الدولة المرغوبة بنظر أولئك الأعضاء اليمينيين هي نظام فصل عنصري، أي أن الفلسطينيين
سيكونون أدنى منزلة، وقد تحقق ذلك بسبب الرفض الإسرائيلي المتكرر للاتفاقيات والمشاريع
السياسية التي عرضت لإنهاء الصراع مع الفلسطينيين، مع مصر في كامب ديفيد، والأردن في
وادي عربة، وأوسلو مع الفلسطينيين، والنتيجة اليوم أن الجماعات الدينية اليهودية باتت
تقدم المعتقدات الدينية في نظرتها للصراع مع الفلسطينيين على الجوانب السياسية، وهنا
مكمن الخطر".
تنبع
هذه المخاوف الإسرائيلية مما تشهده الحلبة السياسية في السنوات الأخيرة من قيادة الأقلية
المتطرفة للجمهور الإسرائيلي، بما فيه العلماني والديني في الآن نفسه، بحيث باتت المفردات
الواردة في "التوراة" المزيفة بحوزتهم تتقدم الأجندات السياسية والبرامج
الانتخابية للأحزاب الدينية اليهودية، حتى خطابات الساسة والقادة السياسيين أصبحت متخمة
بهذه المفردات والعبارات الدينية اليهودية الصرفة.
يتهم
قطاع واسع من الإسرائيليين القيادة السياسية التي يصفونها بـ"المستهترة"
بأنها أحدثت فراغا قياديا أفسح المجال لهؤلاء المتطرفين باستغلاله، والعمل على تعبئته،
ومع مرور الوقت أصبحت اتفاقيات التسوية بين إسرائيل وبعض الدول العربية كأنها من الماضي،
وأي اتفاق تسوية للصراع مع الفلسطينيين سيبدو كما لو كان حلما في الأفق ليس له رصيد
من الواقع، والنتيجة أن الصراع بين الجانبين سيأخذ أبعادا دينية لن تقتنع إلا بالحلول
الصفرية بينهما، إما نحن أو هم، وهذا مكمن القلق الإسرائيلي.