نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا أشارت فيه إلى فوز حسن شيخ محمود بالانتخابات الرئاسية في الصومال، ليصبح الرئيس العاشر في تاريخ البلاد الحديث.
وقالت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، إن المئات من المشرعين الذين اجتمعوا في خيمة محصنة تحرسها قوات حفظ السلام، قاموا بانتخاب رئيس جديد في الصومال الأحد، في ختام موسم انتخابات عنيف هدد بدفع الدولة الواقعة في القرن الأفريقي نحو الانهيار.
أدى اختيار حسن شيخ محمود، الرئيس السابق، إلى إنهاء فترة انتخابات مريرة شابها الفساد ومحاولة الرئيس التشبث بالسلطة والقتال العنيف في الشوارع.
وهزم محمود ثلاثين مرشحا بعد ثلاث جولات من التصويت، بمن فيهم الرئيس محمد عبد الله محمد، الذي تعرض للانتقاد بعد تمديد فترة ولايته العام الماضي.
وجاءت الانتخابات، التي تأجلت لما يقرب من عامين، وسط ارتفاع معدلات التضخم والجفاف المميت الذي ترك ما يقرب من 40% من سكان البلاد يعانون من الجوع. وأغلقت الشوارع في العاصمة مقديشو يوم الأحد وأعلنت الشرطة حظر تجول حتى صباح الاثنين.
قال محمود بعد أن أدى اليمين في وقت مبكر من يوم الاثنين: "بلدنا بحاجة إلى التقدم، وليس العودة للوراء.. أتعهد ببناء صومال في وئام مع نفسه ومنسجم مع العالم".
سيواجه محمود، 66 عاما، مجموعة من التحديات في فترة ولايته التي تستمر أربع سنوات، لا سيما قوة حركة الشباب، وهي جماعة تسيطر بقوة على معظم أنحاء البلاد.
اقرأ أيضا: من هو حسن شيخ محمود الفائز برئاسة الصومال؟ (إنفوغراف)
وأوضحت الصحيفة أن "سكان الصومال عانوا على مدى عقود من الحروب الأهلية وضعف الحكم والإرهاب، وقد تم تعزيز الحكومة المركزية من قبل قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي والمساعدات الغربية، بما في ذلك مليارات الدولارات في شكل دعم إنساني ومساعدة أمنية من الولايات المتحدة، التي سعت إلى منع الصومال من أن يصبح ملاذا للإرهابيين".
تم اختيار الرئيس من قبل 328 مشرعا، تم اختيارهم من قبل ممثلي العشائر. حصل محمود على 214 صوتا مقابل 110 أصوات لمحمد. واعتبر عدد قليل من الأصوات باطلة وتم إعفاء نائب مريض عن المشاركة في الاقتراع.
محمود الذي كان رئيسا من 2012 إلى 2017، من مواليد منطقة حيران الصومالية الوسطى. هو ناشط سلام ومعلم، شارك في تأسيس كلية أصبحت واحدة من أكبر الكليات في الصومال.
واتهم الرئيس الصومالي السابق محمد بقمع المعارضة والصحفيين، وإثارة الخلاف مع كينيا المجاورة وتقويض نموذج تقاسم السلطة الذي دعم النظام الفيدرالي في البلاد.
وقال خبراء إن حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة استغلت عدم الاستقرار السياسي والانقسامات المريرة بين القوات الأمنية للتوسع واكتساب القوة. وبعد أكثر من 16 عاما، أصبح للتنظيم الآن صلاحيات واسعة: ابتزاز الضرائب، والحكم في قضايا المحاكم، وإجبار القُصر على الانضمام إلى صفوفه، وتنفيذ تفجيرات انتحارية.
في الأسابيع التي سبقت التصويت، قتلت الحركة مدنيين بما في ذلك في مطاعم على شاطئ البحر، وشنت هجوما كبيرا على قاعدة للاتحاد الأفريقي - ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 10 أفراد من قوات حفظ السلام من بوروندي - وأرسلت مفجرين انتحاريين للقفز على سيارات المسؤولين الحكوميين.
في مقابلات مع أكثر من عشرين مواطنا صوماليا ومشرعا ومحللا ودبلوماسيا وعامل إغاثة قبل تصويت يوم الأحد، أعرب الكثيرون عن قلقهم بشأن كيف أدت الأوضاع السياسية والأمنية والإنسانية المتدهورة إلى عكس سنوات قليلة من الاستقرار الذي تحقق بعد طرد حركة الشباب من العاصمة في عام 2011.
وقال حسين شيخ علي، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس محمد ورئيس معهد هيرال، وهو مركز أبحاث في مقديشو، عن رئاسة محمد: "كانت هذه خمس سنوات ضائعة، فقدنا فيها تماسك البلاد".
ويقول المراقبون إن المعارك السياسية التي طال أمدها، وخاصة بشأن الانتخابات، قوضت قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الرئيسية، حتى مع تخفيف الديون ودفعها للانضمام إلى النظام المالي العالمي. ويتهم النقاد وشخصيات المعارضة الرئيس محمد بمحاولة الاحتفاظ بالسلطة بأي ثمن، وممارسة الضغط على مفوضية الانتخابات، وتنصيب قادة الدولة الذين سيساعدون في التأثير على الانتخابات ومحاولة ملء البرلمان بمؤيدين باستخدام وكالة المخابرات.
في العام الماضي، عندما وقع قانونا يمدد فترة ولايته لمدة عامين، اندلع القتال في شوارع العاصمة، ما أجبره على تغيير مساره. وقال مراقبون إن الفساد كان متفشيا في انتخابات النواب العام الماضي.
عبدي إسماعيل سمتار، عضو مجلس الشيوخ الصومالي لأول مرة والأستاذ بجامعة مينيسوتا الذي يبحث في الديمقراطية في أفريقيا، قال إن هذه الدورة الانتخابية يمكن تصنيفها على أنها "الأسوأ" في تاريخ الصومال.
وقال سمتار: "لا أعتقد أنه كان بإمكاني تخيل مدى الفساد والأنانية.. لقد رأيت أشخاصا يتلقون المال في الانتخابات لمنصب المتحدث أمامي مباشرة في الردهة".
وقال لاري أندريه جونيور، سفير الولايات المتحدة في الصومال، إن غالبية المقاعد البرلمانية قد تم اختيارها من قبل قادة المنطقة، "بيعت" أو "بيعت بالمزاد العلني".
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على التأشيرات في شباط/ فبراير وآذار/ مارس على مسؤولين صوماليين وآخرين متهمين بتقويض الانتخابات البرلمانية، التي اختتمت في نهاية المطاف في أواخر نيسان/ أبريل.
وبسبب الطبيعة غير المباشرة للانتخاب الرئاسي، لم يخرج المرشحون في حملاتهم الانتخابية في الشوارع. وبدلا من ذلك، التقوا بالمشرعين وشيوخ العشائر في الفنادق والمجمعات الفخمة التي يحرسها الجنود والجدران الواقية. ووضع بعض الطامحين لوحات إعلانية انتخابية، واعدة بالحكم الرشيد والعدالة والسلام.
لكن قلة من سكان هذه المدينة الساحلية يعتقدون أن السياسيين سيفون بتعهداتهم.
وقالت جميلة عدن، طالبة العلوم السياسية بجامعة سيتي: "يرتدي كل واحد منهم بذلة ويحمل حقيبة ويتعهد بأن يكون حلوا مثل العسل لكننا لا نصدقهم". ووافقت صديقتها أنيسة عبد الله، رائدة الأعمال، على ذلك قائلة إن "أولئك الذين يترشحون لمنصب لا يمكنهم التماهي مع المحن اليومية التي يمر بها الصوماليون العاديون"، وقالت: "إنهم لا يجعلون الناس يشعرون أبدا بأن الحكومة تأتي من الشعب ومن المفترض أن تخدم الناس".
ونظرا للاقتتال الداخلي والشلل الذي تعاني منه الحكومة، يتساءل العديد من الصوماليين عن ما إذا كانت الإدارة الجديدة ستحدث فرقا.
وقد لجأ بعض الصوماليين إلى حركة الشباب للحصول على خدمات كان من المفروض أن تقدمها دولة فاعلة. ويسافر الكثيرون في مقديشو بانتظام إلى مناطق تبعد عشرات الأميال شمالي المدينة لسماع قضاياهم في المحاكم المتنقلة التي تديرها حركة الشباب.
أحدهم هو علي أحمد، وهو رجل أعمال من قبيلة أقلية احتل أفراد قبيلة قوية منزل عائلته في مقديشو لسنوات. قال أحمد إن المحكمة التي يديرها الشباب قضت بضرورة إخلاء المحتلين لمنزله - وقد فعلوا ذلك، وأضاف: "إنه لأمر محزن، لكن لا أحد يذهب إلى الحكومة لتحقيق العدالة.. حتى قضاة الحكومة سوف ينصحونك سرا بالذهاب إلى الشباب".
اقرأ أيضا: حسن شيخ محمود رئيسا جديدا للصومال.. أطاح بفرماجو
يدفع التجار ضرائب لحركة الشباب خوفا من التهديدات لأعمالهم وحياتهم. وقال عبده عمر، الذي يدير شركة لاستيراد الدقيق والسكر في العاصمة، ويدفع للمسلحين حوالي 4000 دولار في السنة: "في الوقت الذي تنشغل فيه الحكومة بنفسها، فإننا نعاني.. الشباب مثل جماعة مافيا. عليك إما أن تطيعهم أو تغلق عملك. لا توجد حرية".
يعترف بعض المسؤولين بنواقص الحكومة. وتمكنت حركة الشباب من توسيع قاعدتها الضريبية لأن "المسؤولين المنتخبين كانوا مشغولين للغاية في السياسة بدلا من تطبيق السياسات"، على حد قول مسؤول حكومي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته.
جاءت انتخابات الأحد في وقت واجهت فيه أجزاء من الصومال أسوأ موجة جفاف منذ أربعة عقود. ويعاني حوالي ستة ملايين شخص من نقص شديد في الغذاء، وفقا لبرنامج الغذاء العالمي، مع نزوح ما يقرب من 760 ألف شخص.
وتقول الأمم المتحدة إن ما يقرب من 900 ألف من المتضررين يعيشون في مناطق تديرها حركة الشباب.. منظمات الإغاثة غير قادرة على الوصول إليهم هناك، والمحاصيل تتدهور، والشباب يطالبون بضرائب على الماشية، وفقا لمقابلات مع مسؤولين ونازحين.
للعثور على الطعام والماء، تسافر العائلات مئات الأميال، أحيانا سيرا على الأقدام، إلى مدن وبلدات مثل مقديشو ودولو في منطقة جيدو الجنوبية. وقال بعض الآباء إنهم دفنوا أطفالهم في الطريق، بينما ترك آخرون أطفالا ضعفاء وراءهم لإنقاذ الآخرين الذين كانوا أكثر صلابة.
قال أفياري عبدي علمي، المدير التنفيذي لمعهد التراث لدراسات السياسة في مقديشو، إن التعامل مع حركة الشباب سيكون من بين التحديات الأولى التي تواجه الحكومة الصومالية المقبلة.
لكن الزعيم الجديد، كما قال، يحتاج أيضا إلى إصدار دستور جديد، وإصلاح الاقتصاد، والتعامل مع تغير المناخ، وفتح حوار مع منطقة أرض الصومال الانفصالية، وتوحيد أمة مستقطبة.
وقال علمي: "لقد أصبح الحكم في الصومال شديد المواجهة خلال السنوات القليلة الماضية.. إنه مثل قلع الأسنان. الناس الآن مستعدون لفجر جديد".
WP: جونسون يحيي الأوكرانيين والناخب البريطاني يستعد لمعاقبته