تبدي أوساط إسرائيلية قلقها من التبعات بعيدة
المدى لتصاعد التوتر في الأراضي الفلسطينية، وليس الآنية فقط، لا سيما على
صعيد مستقبل الصراع مع الفلسطينيين، وإمكانية انهيار السلطة الفلسطينية، وموت حل
الدولتين، ونشوء سيناريو الدولة الواحدة، مما يشكل وصفة سحرية لـ"تبخر الحلم
الصهيوني بإيجاد دولة يهودية صرفة".
في الوقت ذاته، تظهر دولة الاحتلال في حالة من
الحيرة إزاء السياسة المفضلة تجاه الفلسطينيين، بين من يطالب باستمرار أساليب
القمع والاضطهاد مما سيسفر عنه انتفاضة فلسطينية ثالثة عارمة، ومن يفضل السلام
الاقتصادي وإنعاش الأوضاع المعيشية، التي لا تشكل حلا نهائيا للصراع الفلسطيني
الإسرائيلي.
الجنرال مايكل ميلشتاين، الرئيس السابق للشعبة
الفلسطينية في جهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، لأكثر من 25 عامًا، ومستشار
الشؤون الفلسطينية لمنسق العمليات الحكومية في الأراضي المحتلة، ذكر أن
"هناك سيناريو واحدا يزعج إسرائيل، ويستحق إصدار التحذيرات الإستراتيجية،
ويتمثل بانهيار السلطة الفلسطينية، واندلاع انتفاضة ثالثة، رغم أن أنشطة الجيش
الإسرائيلي والتنسيق الوثيق مع السلطة تعمل على استبعاد هذا السيناريو.
ولكن رغم
عدم وجود رغبة لدينا، ولا نخطط لذلك، لكنني أخشى بشدة أن نصل لهذا السيناريو الذي
يمثل تهديدا مجنونا للحلم الصهيوني، في ضوء أن فكرة الدولتين آخذة في
الانهيار".
وأضاف في حوار مطول مع صحيفة معاريف، ترجمته
"عربي21" أن "هناك تيارا سائدا يؤمن به الفلسطينيون يتمثل بالإيمان
بفكرة الدولة الواحدة، وهناك عدد غير قليل منهم يتوقون إليها، ويمكن ملاحظة ذلك في
استطلاعات الرأي العام، لأن الشباب الفلسطيني يفهم مدى فساد السلطة الفلسطينية
اليوم، ويتمنى حياة كريمة، يريد التعليم والرفاه الاقتصادي والحقوق الاجتماعية، ومهتم
بالسفر للخارج، ورغم كل ذلك فإن الهوية الوطنية الفلسطينية لا تُنسى".
على صعيد النظرة الإسرائيلية إلى الوضع في قطاع
غزة، يقول ميليشتاين، إن "غزة فيها مشاكل دراماتيكية وإلحاحية أكثر، لكننا
اليوم نشتري هدوءًا أمنياً بثمن استراتيجي طويل الأجل، لأنني أنظر إلى غزة عام
2030، وأرى حماس تكتسب قدرات عسكرية كما يفعل حزب الله اليوم، صحيح أن الحركة تقوم
بتحسين الوضع الاقتصادي هناك، لكنها في نفس الوقت تعد خططها للحرب القادمة، وتحسن
مواقعها في طريق قيادة الساحة الفلسطينية برمتها.
ويكمن القلق الإسرائيلي من فكرة الدولة الواحدة،
وغياب حل الدولتين في الجانب الديمغرافي الذي يحوز على أهمية كبيرة، وستكون أهميته
في النهاية حاسمة، حتى لو استغرق الأمر عدة سنوات، والخشية أن تزايد اعتماد
الفلسطينيين على الاقتصاد الإسرائيلي اليوم أصبح كبيرًا بالفعل من خلال المياه
والبنية التحتية والطاقة والوصول للموانئ البحرية والبنية التحتية الخلوية، وهذا
الاندماج، من شأنه أن يؤدي إلى نظرة العالم لإسرائيل بأنها تدير نظام فصل عنصري
وتمييزا.
في هذه الحالة ستجد دولة الاحتلال صعوبة في
تحمل الضغط الدولي، مما قد يضطرها لمنح الجنسية لأعداد كبيرة من الفلسطينيين، ورغم
أن هذا السيناريو يبدو خياليا اليوم، لكن الفلسطينيين الذين يعتقدون أن فكرة
الدولة الواحدة بدأت تتبلور يعملون على ذلك السيناريو لعقود مقبلة، ويرونه معقولا.
ومنطلق أساسي في التخوف الإسرائيلي من حل
الدولة الواحدة يتركز في أن الحل السياسي مع الفلسطينيين بات غير مرئي، لأن فكرة
"إدارة" الصراع، وليس "حله"، لا يمكن أن تستمر طويلاً،
والنتيجة أن خطاب حل الدولتين الذي بات غير قابل للتطبيق بات يستبدل اليوم بخطاب
فصل وترسيم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، دون أن يكون واضحا أين يبدأ ومتى سينتهي،
خاصة أن التعاون الاقتصادي لا يضمن إنهاء الصراع، وهو ما تعلمه الإسرائيليون بعد
ربع قرن من اتفاق أوسلو، مما يدفعهم لمطالبة قادتهم بتقليل الاحتكاك مع
الفلسطينيين.