تعيش القبائل في اليمن، في أخطر مرحلة مرت بها، بفعل الحرب الجارية منذ 7 سنوات، والتي كانت فيها لاعبا مهما، وأسهمت في تغيّر ميزان القوى السياسي والعسكري في البلاد.
ويتفق كثير من الباحثين والمعلقين السياسيين في اليمن على أن القبائل اليمنية دفعت ثمنا فادحا في النزاع الحالي، حيث استنفدتها سنوات الحرب، وجعلتها في حال أسوأ من أي وقت مضى، بعدما نجحت جماعة "أنصار الله" ( الحوثي) في سحقها سياسيا واجتماعيا في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ومما لاشك فيه، أن خارطة التحالفات القبلية قد ساهمت في تغيّر ميزان القوى السياسي والعسكري، ففي المناطق الزيدية الشمالية تعاطف بعض أفراد القبائل إلى حد ما مع جماعة الحوثيين، بينما واجه الحوثيون معارضة شرسة من القبائل الشافعية في محافظات البيضاء والجوف ومأرب وتعز وإب وشبوة وأبين ولحج وحجة (شمال ووسط وشرق اليمن).
وتبدو قبائل مأرب حاليًّا، أبرز القبائل الفاعلة على الساحة السياسية والعسكرية، حيث تشكل خط الدفاع الأخير مع قوات الجيش التابعة للحكومة المعترف بها ضد جماعة الحوثيين، وفق مراقبين.
"الكل منخرط بالصراع"
وفي هذا السياق، يقول الكاتب والباحث اليمني، ثابت الأحمدي إنه يجب التوقف أولا عند مصطلح "القبيلة اليمنية" لوضع إطار إجرائي للمفهوم، حتى لا يتبادر إلى الذهن ذلك المفهوم الكلاسيكي الفولكلوري؛ لأن القبيلة اليمنية هي المجتمع اليمني قاطبة.
وأضاف في حديث لـ"عربي21" أن "كل يمني في الغالب الأعم ينتمي إلى قبيلة ما، بما في ذلك الشخصيات المدنية أو العلمانية أو غيرها".
اقرأ أيضا: NI: هل سينجح المجلس الرئاسي الجديد في اليمن؟
وقال الأحمدي: "نستطيع القول إن اليمن كله، منخرط في الصراع السياسي الحاصل؛ لأن ابن القبيلة هو السياسي والعسكري والحزبي والمثقف والمدني، إلى آخر هذه التوصيفات".
وتابع: "وما من قبيلة يمنية إلا وهي مشاركة في الصراع على درجات متفاوتة، وبمقدار ما فرض عليها الصراع".
وبحسب الكاتب اليمني فإن ما يجب الإشارة إليه، أن الصراع الحاصل اليوم ليس صراعا قبليا قبليا، إنما صراع يمني من جهة، وحوثي خميني (إيراني) من جهة أخرى، على حد قوله.
وأردف قائلا: "الصراع صراع وجود ضد جماعة تريد أن تتسيّد على الناس على غرار: أنا سيدك وأنت عبدي، أحكمك أو أقتلك.. مستدعية أفكارا كهنوتية من التاريخ القديم، ومتجاوزة لمفاهيم المدنية المعاصرة وللمبدأ الجمهوري والدستور اليمني".
وأكد الباحث الأحمدي أن الصراع جار على امتداد المناطق التي تسيطر أو تكاد تسيطر عليها هذه الجماعة الكهنوتية، مع الإشارة هنا إلى أن "السيطرة بالإكراه لا بالتعاقد الاجتماعي الدستوري المتعارف عليه سياسيا".
أما عن تعامل القبيلة اليمنية مع الإمارات أو السعودية، فيلفت الكاتب والباحث السياسي اليمني إلى أن التعامل ليس مباشرًا بين رجال القبائل مع المملكة أو الإمارات إذا ما استثنينا شخصيات محدودة، لأن التعامل يتم من خلال مؤسسات الدولة، باعتبار أن رجالات الدولة، هم في نفسِ الوقت رجالُ قبائل أيضا.
وقال: "ومن ثم فالتواصل الفردي محدود خارج مؤسسات الدولة".
من جهة أخرى، ووفقا للأحمدي، فإن من يتتبع فصول التاريخ سابقا يجد أن ما يحصل اليوم من صراع هو امتداد للصراع الماضي نفسه، بين اليمنيين وهذه الجماعة التي لم "تتيمنن" بعد، موضحا أنها "لا تزال تنتمي وجدانيا للعرق الفارسي في قم وأصفهان وشيراز وطهران"، وفق تعبيره.
"عبيدة ومراد"
من جانبها، تقول الباحثة ندوى الدوسري المختصة في الشؤون القبلية اليمنية إنه بالنظر إلى الخارطة العسكرية تعد قبيلتي "عبيدة ومراد" في مدينة مأرب، من أهم القبائل المؤثرة في المشهد السياسي والعسكري في مواجهة الحوثيين.
وتابعت حديثها لـ"عربي21": تلعب قبيلة عبيدة ـ التي تقطن في مديرية الوادي بمأرب ـ دورا كبيرا، في المحافظة الغنية بالنفط، حيث إن محافظها المنتمي للقبيلة ذاتها، والذي اختير مؤخرا، عضو في مجلس القيادة الرئاسي، إلى جانب تأثيرها القوي في السلطة المحلية، وتحكمها بمنابع النفط في المحافظة.
وأضافت أن قبيلة مراد، هي الأخرى، لها دور بارز حتى وإن كان أقل من عبيدة، بعدما خسرت مناطقها جنوب وغرب مأرب، لصالح الحوثيين، مؤكدة أنها وبالرغم من ذلك، تقف مع الشرعية والدولة ضد الجماعة الحوثية.
وترى الدوسري أن القبيلة في النهاية هي "فكرة الدولة"، ولذلك فهي تتمسك بالدولة وفكرتها، وترفض المليشيات، التي ستكون هي البديل عن الدولة، ومنها المليشيات الحوثية.
وأشارت إلى أن هناك علاقة تكاملية بين القبيلة والدولة، حتى وإن حصلت صدامات نادرا بينهما، لكنها تحل سريعا وبطريقة ودية.
وقالت إن قبائل مأرب مع الدولة، وتتمسك بها، ولهذا السبب، وقفت معها ومع مؤسساتها، بالتوازي مع دفاعها عن أراضيها بغض النظر عن الرموز السياسية والعسكرية للدولة.
وذكرت الباحثة اليمنية أن القبائل اليمنية الممتدة من محافظات الجوف (شمالا) ومأرب وشبوة وحضرموت والمهرة (شرقا)، علاقتها قوية بالسعودية، ولا يمكن أن تحارب ضدها.
وأردفت: "فتلك القبائل ترى في المملكة حليفا استراتيجيا مع وجود الحوثي وإيران وخطرهما على اليمن".
فيما لفتت إلى أن القبائل في الشمال مغلوبة على أمرها، وتم سحقها من قبل الحوثيين تماما، وهناك خشية في حال استمرت الجماعة في سيطرتها على شمال اليمن، من انهيار المجتمع القبلي تماما، وهو لا شك، في طريقه للانهيار.
اقرأ أيضا: ما هي فرص نجاح مجلس الرئاسة اليمني المشكل حديثا؟
أما في الجنوب، فتوضح الباحثة اليمنية في الشؤون القبلية، أن قبيلة يافع ـ في محافظة لحج، جنوبا ـ باتت مؤثرة بشكل كبير هناك، فهي تمتلك تشكيلات الحزام الأمني ولها تأثير كبير في القوة الأمنية والعسكرية بشكل كبير، جنوب البلاد.
وقالت إن يافع، تتمتع بعلاقة جيدة مع الإمارات وكذلك السعودية، غير أن القبائل براغماتية وتحاول أن تحافظ على بناء علاقات جيدة مع المملكة لحماية مصالحها، بالقدر الذي تحافظ فيه على بقاء علاقتها بالإمارات جيدة، نظرا لتأثيرها الكبير على الواقع العسكري والسياسي في اليمن، كحليف ضد الحوثيين.
"تدوير الولاء"
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي إنه لحسن الحظ أن ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير (2011) أطلقت الفعل المدني وجاء التغيير متحررا من أثقال الدور القبلي، الذي بدا في أواخر عهد علي عبد الله صالح منقسماً بين عدة مشاريع، أحدها تلك التي تدور حول مساعي صالح لتأبيد السلطة في عائلته وحزبه المؤتمر الشعبي العام، فيما انحاز قسم من قبائل الجنوب إلى جانب المشروع الانفصالي.
فيما استطاع الحوثيون، يضيف التميمي في حديثه لـ"عربي21"، أن يعيدوا تدوير الولاء لدى قسم من القبائل خصوصا تلك التي تتركز في صعدة (معقل الحوثي شمالا) وفي غيرها من المحافظات المجاورة، بعد جهد دؤوب لإعادة إحياء المذهب الزيدي.
وبحسب الكاتب التميمي فإن التجمع اليمني للإصلاح (وهو حزب ذو توجه إسلامي) ساهم من جهته في إحداث تغيير مهم في قطاع قبلي لا بأس به باتجاه الاندماج في العملية السياسية وفق المبادئ المدنية، وشكل أحد أهم المنافسين لرأس النظام آنذاك الذي عمل على ضمان توسيع النفوذ القبلي وتقوية المنظومة القبلية.
ومن اللافت، يشير التميمي إلى أن الاستثمار في زيادة النفوذ القبلي كان هدفا مشتركا لنظام صالح وللسعودية التي لعبت اللجنة الخاصة، وهي "شعبة استخبارية"، دورا مؤثرا في بناء شبكة ولاءات قبلية كان الهدف منها إضعاف نفوذ الدولة اليمنية وتقاسم الحكم.
وتابع: "ولهذا لم يكن مستغربا أن رؤساء القبائل البارزين في حاشد وبكيل و مذحج وغيرها وما يتفرع عنها من عشائر كانوا على علاقة مباشرة مع السعودية ويتلقون ميزانيات سنوية كبيرة".
ويؤكد المحلل السياسي اليمني: "تعمدت جماعة الحوثي إعادة إحياء الدور القبلي بطريقتها، والنتيجة هي أن الحوثيين ساهموا بسياساتهم القاسية تجاه زعماء القبائل، في تحييد النفوذ القبلي وجعله ملحقاً ذليلاً بمشروعها الذي ساق القبائل إلى مهمة غير مرغوبة تقليديا".
ومضى قائلا: "حيث أجبرت القبائل على التوجه إلى جبهات القتال وسكب الدم دون مغانم، الأمر الذي تسبب في إلحاق خسائر بشرية هائلة في صفوف أبناء القبائل في تاريخ اليمن".
ورأى أن الاصطفاف القبلي في مأرب إلى جانب الدولة والنظام الجمهوري يمثل أحد النماذج اللافتة، حيث تقدم القبائل هناك تضحيات كبيرة من قادتها وأبنائها مدفوعة بمخاوف نفوذ الحوثيين المذل، لافتا إلى أن "هناك عاملا آخر يتمثل في نفوذ الحركة الإسلامية في أوساط هذه القبائل بالإضافة إلى الدعم الذي يتلقاه بعض زعماء القبائل من المملكة على خلفية الحرب الدائرة في تلك المناطق".
والغالب الأعم ـ بحسب التميمي ـ أن القبيلة رغم استدعائها من جميع الأطراف إلا أنها شهدت تراجعاً كبيراً خلال العقد الماضي بسبب اختلال معادلة النفوذ التي كانت تقوم على التواجد المؤثر لزعماء القبائل في سلطة صنعاء، والدعم الذي تتلقاه من السعودية ومن بقية دول الجوار الخليجية.
وفي آذار/ مارس 2021، كشف تقرير لقناة بلقيس الفضائية ـ التي تبث من إسطنبول ـ أن أكثر من 40 شيخا من مشايخ القبائل الذين كانوا في فترة ما موالين للحوثيين اُغتيلوا في وقت لاحق على أيدي الجماعة.
ولعل أبرزهم، الشيخ راجح أبو نشطان، وهو شيخ من قبيلة أرحب في صنعاء، الذي قتل في شباط/ فبراير 2021، مع أفراد من عائلته، بأيدي الحوثيين، من بينهم امرأة وعدد من الأطفال.
هل استقال الرئيس اليمني من منصبه أم قدّم تفويضا مؤقتا؟
احتفاء بقدوم شهر رمضان في اليمن رغم مخلفات الحرب (شاهد)
7 سنوات على حرب اليمن.. تغيّر لافت بنهج السعودية الإعلامي