نحت المصريون، بالاستعانة باللغة الفرنسية، مصطلح “إفيه”، وهو جملة مسرحية أو سينمائية تُخلّد في الذاكرة الشعبية، وتُستحضر في المواقف المشابهة أو القريبة من الموقف الأصلي في المسرح أو السينما. لا مبالغة في القول إن بعض صنّاع السينما في مصر الآن، يكتبون السيناريو بناء على “الإفيهات”، التي تقتطع وتروّج على وسائل التواصل، لـ “تحمل” الفيلم في شبّاك التذاكر، رغم ذلك فإن أشهر “الإفيهات” اليوم مأخوذة من عدد محدود لمسرحيات سعيد صالح وعادل إمام.. عندما كان الضحك يؤلم الخاصرة.
في “مدرسة المشاغبين” التي فيها “احتياطي” من الإفيهات يكفي مصر لمائة سنة كئيبة، كان العرض المكتوب لعلي سالم لا يتجاوز ساعة واحدة، خالياً من الضحك الذي يؤلم الخاصرة، بينما امتدّ العرض على الخشبة لأربع ساعات بعشرات الإفيهات التي ابتُكرت قبل وأثناء العروض الجماهيرية. واصل سعيد صالح وعادل إمام صنع الإفيهات في أعمالهما المنفردة أو المشتركة، في الثمانينيات والتسعينيات، إلا أن “عادل” كان مهووساً أكثر في تأليفها مع الكُتّاب المطيعين، وامتدّ النحت اللغويّ حتى إلى عناوين الأفلام.. يكفي فقط التذكّر أن “السفارة في العمارة”!
لكنّ إفيهاً واحداً لعادل إمام صار الأكثر تداولاً عربياً، من دون حاجة لإجراء مسح، فـ “الإفيه” يتعلق بالرشوة، أو التنازل بعد عناد، كما أن له اتصالاً وثيقاً بالتبديل المفاجئ للمواقف من شديدة إلى ليّنة، وهذا ما جعل الإفيه لا يصلح إلا للاستعمال العربيّ. “تشرب شاي بالياسمين”، عبارة كان يقولها رجل الأعمال الفاسد “مرجان أحمد مرجان” لأيّ شخص يعانده أو يستعصي على نفوذه أو نزواته، وبدلاً من كوب الشاي، تكون حقيبة “دولاريّة”، سيارة، هاتفا، ساعة، حتى تبجّح بأنّ “مصر كلها قبضت”!
ليس معروفاً من ابتكر هذا الإفيه العابر للزمن العربي، مؤلّف الفيلم يوسف معاطي، أمْ عادل إمام الذي يحبُّ الشاي في الحقيقة، ويفضّله على كلّ المشروبات الساخنة. الأرجح أنه عادل إمام، وهذا ترجيح لا ينتقص من المؤلف الذي كتب أشهر أفلام كوميديا الألفية الجديدة، لكنّ الفيلم الذي تم إنتاجه في العام 2007، في ذروة المنافسة بين إمام قبل عامه السبعين، ومحمّد هنيدي ورفاقه المتفاوتين في الظرافة، يبدو أنه كتب على طريقة تركيب الإفيهات على القصة، وربّما لهذا جاء في المرتبة 25 في قائمة أسوأ الأفلام المصرية.. و”أفسدها”!
“إفيه” جعل الشاي بالياسمين أشهر منه بالنعناع، وأكثر بحثاً على غوغل، وذهب بمحرّري الصفحات الصحية إلى إضافة فوائد له تتفوق على تلك الموجودة في التفاح الأخضر والسلمون والبروكلي، و”إفيه” اضطرّ المحاكم إلى أن تضيفه إلى قائمة جرائم التشهير الإلكتروني، و”إفيه” صار تعليقاً سياسياً مختصراً على التصريحات التي تتناقض من قبل ومن بعد، و”أفيه” أعاد الوجع إلى الخاصرة، ليس فقط من شدة الضحك، بل أيضاً من شدة العجب، فحتى الدول تشرب شاياً بالياسمين!
(الغد الأردنية)