باتت روسيا في وضع محرج، بعد تعرضها لعقوبات اقتصادية شديدة من قبل القوى الغربية جراء غزوها لأوكرانيا، ما يثير تساؤلات عن الدور الذي ستلعبه الصين في خرق العقوبات عنها.
ومن المرجح أن يتسبب حظر بعض البنوك الروسية من نظام سويفت الدولي للمدفوعات، والذي يسمح بانتقال سلس وسريع للمال عبر الحدود، في مشاكل وصعوبات كبيرة في عملية الدفع لروسيا مقابل صادراتها.
وفي هذا السياق، قالت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" البريطانية، إن روسيا باتت في وضع محرج، متسائلة: "هل تستطيع الصين أن تقوم بدور المنقذ من خلال مساعدة روسيا اقتصاديا؟".
وأوضحت أن الصين أكدت مرارا وتكرارا أنها ستواصل "التعاون التجاري الطبيعي" مع روسيا، منوهة إلى أن بكين، اضطرت إلى خفض بعض مشترياتها من روسيا، بسبب الصعوبة التي وجدها التجار في التعاملات المالية، نتيجة الحظر الذي حصل مؤخرا.
ونوهت إلى أنه في السنوات الأخيرة، عملت كل من روسيا والصين، على تطوير أنظمة الدفع البديلة الخاصة بهما، بغية تقليل اعتمادهما على الأنظمة القائمة على الدولار مثل سويفت، مشيرة إلى أن روسيا تمتلك نظاما خاصا للدفع والحوالات المالية، في حين تمتلك الصين نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود، إلا أن هذه الأنظمة تعمل بالعملات الخاصة لكل من البلدين.
من جهته، قال مركز كارنيغي في موسكو؛ إن أنظمة الدفع المحلية لدى روسيا، ليست بديلا عن نظام سويفت، مشيرا إلى أنه في عام 2021، انضم بنك صيني واحد فقط إلى نظام الدفع والحوالات المالية الروسي، في حين ارتبطت العديد من البنوك الروسية والمؤسسات المالية العالمية بالنظام الصيني.
وأشار إلى أنه في الوقت الحالي، يعتمد 17 في المئة فقط من التجار بين روسيا والصين على العملة الصينية اليوان، في حين يعتمد تجار الطاقة الخاصة في الغالب على الدولار الأمريكي.
وأوضح أن التجارة بين روسيا والصين، نمت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، مضيفا: "خلال العام الماضي، وصل حجم التجارة بين البلدين إلى مستوى مرتفع جديد بنحو 147 مليار دولار أي ما يقرب من 36 في المئة مقارنة بالعام السابق - وشكل حوالي 18 في المئة من إجمالي التجارة الروسية في عام 2021".
وبين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أشار خلال زيارته الأخيرة إلى بكين، إلى أن البلدين يخططان لتعزيز تجارتهما ليبلغ حجمها 250 مليار دولار بحلول عام 2024، مؤكدا أن الصين تعد حاليا أكبر سوق منفرد للصادرات الروسية، مثل النفط والغاز والفحم والمنتجات الزراعية.
وقال: "من الواضح أن روسيا بدأت في تصدير المزيد إلى الصين في السنوات الأخيرة، بصورة أكبر مما كانت عليه في السابق، إلا أنه على الرغم من ذلك، يبقى الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأكبر مع روسيا، إذ بلغ إجمالي التجارة بين روسيا والاتحاد الأوروبي عام 2021 ضعف قيمة تجارتها مع الصين".
اقرأ أيضا: ستة سيناريوهات لانتهاء الحرب بأوكرانيا.. ما هي؟
من جانبها، قالت خبيرة الاقتصاد والتجارة، الدكتورة ريبيكا هاردينغ؛ إن الوضع التجاري بين أوروبا وروسيا من الممكن أن يتغير خلال الأيام القليلة الماضية، ومن المحتمل أن تتقلص التجارة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا في ضوء العقوبات، حيث إن الأزمة الحالية عززت التركيز داخل الاتحاد الأوروبي على الحاجة إلى تنويع الإمدادات ومصادرها.
وفي ما يتعلق باستطاعة الصين شراء المزيد من الغاز الروسي، أكدت الخبيرة أن الاقتصاد الروسي يعتمد بشكل كبير على تصدير النفط والغاز، إلا أن العقوبات الأخيرة لم تستهدف تلك القطاعات حتى الآن، مشيرة إلى أن بوتين كشف مؤخرا عن صفقات نفط وغاز روسية جديدة مع الصين تقدر قيمتها بنحو 117.5 مليار دولار.
وأوضحت أنه في العام الماضي، كانت روسيا ثاني أكبر مورد للنفط للصين وثالث أكبر مورد للغاز، حيث بلغت الصادرات 41.1 مليار دولار و 4.3 مليار دولار على التوالي، مؤكدة أن الاتحاد الأوروبي، لا يزال أكبر سوق للطاقة بالنسبة لروسيا، فموسكو تزود الاتحاد بنسبة 40 في المئة من غازه وحوالي 26 في المئة من نفطه.
وقالت: "صادرات الغاز والنفط الروسية إلى الصين، زادت بمعدل يزيد على 9 في المئة سنويا على مدى السنوات الخمس الماضية، وأضافت: " صحيح أن هذا نمو سريع، ولكن مع ذلك فإن الصين تبلغ نصف حجم سوق الاتحاد الأوروبي للنفط الروسي".
وبحسب إحدى التحليلات الأوروبية، فإن الإمدادات عبر خط الأنابيب الجديد المتفق عليه بين روسيا والصين (قوة سيبيريا 2) سيكون خُمس سعة خط أنابيب نورد ستريم 2، لكن وقت تشغيله ما زال مجهولا.
ويرى التحليل ذاته أن بكين، قد ترغب في زيادة وارداتها من الغاز الروسي على المدى الطويل، لمحاولة تقليل اعتمادها الشديد على الفحم، من أجل تلبية أهداف خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وكانت الصين قبيل الهجوم الروسي على أوكرانيا تتحفظ في الحصول على القمح والشعير من مناطق معينة من روسيا بسبب مخاوف من الأمراض، إلا أنها مع بدء الغزو رفعت جميع القيود المفروضة على القمح والشعير الروسي.
وتعد الصين المستهلك الأكبر للفحم الروسي، وقد اتفق البلدان قبل أيام، على صفقة جديدة تزيد قيمتها على الـ20 مليار دولار.