تناول تقرير لشبكة بي بي سي البريطانية، تأثير الحرب الروسية-الأوكرانية على سوق الشركات العالمية، إضافة إلى الخيارات المتاحة أمام اقتصادات العالم في حال استعملت روسيا ورقة الغاز الطبيعي خلال الحرب.
واستفادت شركة أرامكو السعودية من الأزمة في أوكرانيا، لتسجل ارتفاعاً قياسياً خلال التعاملات الأخيرة، حيث احتلت أرامكو المركز الثاني عقب شركة آبل العالمية من حيث القيمة السوقية، مستفيدة من بلوغ أسعار النفط العالمية أعلى مستوياتها منذ عام 2014، بسبب تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على إمدادات الطاقة في العالم.
ويرى خبراء أن هذا الارتفاع في أسعار النفط سينعكس إيجابا على دول مجلس التعاون الخليجي ليعوضهم عن الخسائر التي تسببت فيها تقلبات الأسعار ووباء كورونا، إلا أنهم يؤكدون أن الوضع مؤقّت وسيزول بانتهاء الحرب وانعكاساتها على المشهد النفطي، بحسب بي بي سي.
أرامكو بين مايكروسوفت وأبل
تواصل ارتفاع أسعار النفط العالمية مع الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تخطى سعر برميل برنت المئة دولار أمريكي، وذلك لأول مرة منذ أيلول/ سبتمبر من عام 2014.
وانعكس هذا الوضع على أكبر مصدّر للنفط في العالم، السعودية، التي ارتفع سهم أرامكو فيها إلى أعلى مستوياته منذ إدراجه في الأسواق العالمية، فقد احتلت شركة أرامكو السعودية المركز الثاني في القيمة السوقية بقيمة 2.23 تريليون دولار أمريكي.
وتحتكر شركة مايكروسوفت المركز الثاني حيث بلغت قيمتها السوقية 2.1 تريليون دولار، في حين ما زالت شركة أبل تحتل المركز الأول عالمياً اذ تقدر قيمتها السوقية بنحو 2.6 تريليون دولار أمريكي.
إلى ذلك، أشار خبير النفط العالمي، ممدوح سلامة، في مقابلة مع بي بي سي عربي، إلى أن ارتفاع أسعار النفط في العالم سينعكس إيجاباً على دول مجلس التعاون الخليجي ولا سيما السعودية، لكنه أكّد في المقابل أن هذه المنفعة ستنتفي مع انتفاء الحرب وستعود الأمور إلى سابق عهدها.
وأضاف سلامة لـ بي بي سي:"دول الخليج تصدّر ما يزيد على الـ19 مليون برميل نفط يومياً، وبالتالي فإن تأثيرها على المشهد النفطي العالمي كبير جداً، وهي ستستفيد حكماً من ارتفاع أسعار النفط خاصة إن استمرت العمليات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، لكن الأسعار ستهبط مجدداً مع انتهاء الحرب"، بحسب قوله.
أما الكاتب المتخصص في اقتصادات الطاقة عماد الرمّال، وفي حديث لـ بي بي سي، فقد اعتبر بدوره أن التجارب التاريخية أظهرت سابقاً أن الارتفاعات الكبيرة في أسعار النفط ستليها انخفاضات حادة في الأسعار في مرحلة لاحقة، وهو ما سيجعل دول مجلس التعاون الخليجي تعمل مع مجموعة "أوبك+" على إيجاد توازن في الأسواق النفطية وتلجأ إلى تدابير تطمئن من خلالها الأسواق العالمية.
اقرأ أيضا: "إنترسبت": تواطؤ سعودي روسي يدفع بأسعار النفط إلى أعلى
هل يمكن لمصر والجزائر أن تؤمنا البديل عن الغاز الروسي؟
وأضاف الرمّال أن السعودية تصدّر ما يقارب الـ20 إلى 25 بالمئة من إنتاجها النفطي إلى أوروبا، بمعدّل مليوني برميل يومياً، حيث إن هذا المعدّل ما زال في حدوده الطبيعية، كما أن قطر ما زالت تصدر نحو 15% من إنتاجها للغاز إلى أوروبا لتغطي ما بين 8 و10 بالمئة من احتياجات القارة الأوروبية، بينما تغطي روسيا 40 بالمائة من تلك الحاجة.
وفي الصدد ذاته، قال الرمّال: "احتياجات أوروبا من الغاز كبيرة جداً وهي تبلغ 550 مليار متر مكعب سنوياً، بينما تنتج قطر سنوياً نحو 70 مليار متر مكعب، وبالتالي فإن الفرق شاسع بين حجم الإنتاج القطري وحجم الحاجة الأوروبية، لذلك فإنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تتمكن قطر وحدها من تغطية الفراغ الروسي في حال قررت موسكو وقف إمداداتها من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أن قطر ملتزمة بعقود طويلة الأجل مع دول آسيوية في ما يخص تصدير الغاز القطري".
وفي السياق ذاته، قال خبير النفط العالمي الدكتور ممدوح سلامة لـ بي بي سي إن الخاسر الأكبر من وقف إمدادات روسيا من الغاز إلى أوروبا هو الاتحاد الأوروبي، لأن إنتاج قطر وأستراليا والولايات المتحدة مجتمعاً، لا يمكنه تعويض الفرق، كما أن لروسيا خيارات أخرى برأيه، تتمثل في الأسواق الصينية التي يمكن لروسيا أن تطرقها في أي لحظة.
وعن الحديث عن البدائل التي يمكن لمصر والجزائر أن تؤمناها في مجال الغاز لا سيما أن البلدين يقعان على سواحل البحر المتوسط القريبة من أوروبا، فقد أكد الكاتب المتخصص في اقتصادات الطاقة عماد الرمّال أنه بالرغم من أن الجزائر تأتي في المرتبة الثالثة في العالم لجهة مخزون الغاز فإن استثماراتها في هذا المجال لا تعكس هذا المخزون وذلك بسبب محدودية إنتاجها قياساً بالإنتاج الروسي، وبسبب افتقارها لتقنيات النقل المتطوّرة أيضاً.
أما مصر، فهي أيضاً لن تتمكن من سدّ الفراغ الروسي في مجال الغاز، حيث قال خبراء إن كميات الغاز المسال المصدّرة من محطتي دمياط وأدكو المصريتين على سواحل المتوسط لا يمكن زيادتها في الوقت الراهن، لا سيما أن مصر التزمت أخيراً بتحويل كميات من الغاز إلى لبنان عبر "خط الغاز العربي" الذي يمتد من مصر إلى الأردن ومن ثم سوريا فلبنان.
وبينما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية، فإن العالم يترقّب قرار موسكو بوقف إمداداتها من الغاز إلى القارة الأوروبية، وهو الأمر الذي لم يحصل بعد، ما يجعل الغاز ورقة رابحة بالنسبة لموسكو التي لا يعلم أحد متى ستقرّر أن تلعبها وكيف.