ثمة بيانات وأرقام بالغة الأهمية ومرعبة ويبدو أن العرب لا ينتبهون لها ولا يكترثون بها، أو أننا بالأحرى ننتبه إلى خطورتها ونفهم معناها في الأزمات فقط، والمؤسف أن بعض هذه البيانات المتعلقة بنا تأتي من مصادر أجنبية كتقارير الدول الكبرى أو المنظمات الدولية مثل البنك الدولي وغيره.
من هذه البيانات نكتشف أن أكثر عشرة دول مستوردة للقمح في العالم بينها دولتان عربيتان هما مصر والجزائر، واللافت هنا أن مصر دولة زراعية عملاقة تنعم بمياه نهر النيل ومن المفترض أنها قادرة على إنتاج قمحها بدلاً من استيراده وذلك بفضل أرضها الخصبة ومياهها العذبة المتدفقة، أما الجزائر فهي دولة نفطية من بين الأغنى عربياً، ومع ذلك فالقضية ليست هنا.
البيانات والأرقام الصادرة عن وزارة الزراعة الأمريكية تكشف أن مصر استوردت خلال العام 2020 ما نسبته 5.8% من القمح الذي تم تداوله بين دول العالم، أما الجزائر فاستوردت ما نسبته 4.3% من هذه الواردات، والمصيبة هنا أن نسبة كبيرة من واردات القمح العربي مصدرها روسيا وأوكرانيا، هذا فضلا عن صادرات أخرى تأتي لبلادنا العربية من تلك المنطقة، وهو ما يعني أن اندلاع حرب فيها سوف يؤدي الى تهديد مباشر للأمن الغذائي العربي.
تشير بعض التقديرات والتقارير الى أن أكثر من 60% من واردات القمح التي تتدفق على العالم العربي مصدرها روسيا، وهذا يعني أن رغيف الخبز العربي يُصبح مهدداً إذا اندلعت حرب بين روسيا وأوكرانيا، ويُصبح مهدداً أيضاً إذا فرض العالم عقوبات اقتصادية على موسكو، وفي أفضل الأحوال فإن التوترات الراهنة تهدد بارتفاع كبير في أسعار الخبز بالعالم العربي، خاصة أن أسعار القمح ارتفعت عالمياً بالفعل، وهو ما يعني أننا على موعد مع مزيد من الفقر والجوع والحاجة.
ثمة خلل اقتصادي بالغ في عالمنا العربي، وهذا الخلل هو التهديد الرئيس والمباشر للأمن الغذائي العربي، إذ إن العرب يشكلون 5% من سكان العالم لكنهم يستوردون أكثر من 20% من الحبوب (القمح وغيره) في هذا الكون، بينما ينتجون أقل من 2.5% من الحبوب التي ينتجها البشر في مختلف أنحاء الكرة الأرضية! وهذا الخلل يعني أن الدول العربية لا يُمكن أن تحقق الاستقلال الاقتصادي ولا أن توفر الأمن الغذائي لمواطنيها لأن رغيف الخبز يأتي ببساطة من الخارج.
ثمة غليان حقيقي اليوم على أطراف أوروبا، وثمة مخاطر لم يسبق أن شهدتها المنطقة منذ عقود تنذر بنشوب حرب طاحنة، وبينما يتداعى العالم من أجل منع اندلاع هكذا حرب ويراقب عن كثب المشهد الروسي الأوكراني فإن الواضح أن العرب لا زالوا خارج التغطية، رغم أن حربا كهذه ستكلف عالمنا العربي ثمناً غالياً.
إذا اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا فهذا سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار القمح والنفط والغاز وعشرات السلع الأخرى إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما يعني أن الأمن الغذائي والاقتصادي والمالي للعديد من الدول العربية سوف يُصبح مهدداً، كما أن العديد من بلادنا العربية ستدخل في دوامة جديدة من الأزمات.
هذه المعطيات تدفع إلى التساؤل من جديد عن مستقبل الأمن الغذائي العربي، ولماذا لا تتبنى الدول العربية استراتيجيات من أجل تأمين وحماية رغيف الخبز للمواطن العربي، ولماذا لا تستثمر الدول الغنية مثلاً في القطاع الزراعي بالدول الفقيرة، بما يُحقق الفائدة للطرفين، فالمشاريع الزراعية الكبرى في بلد مثل السودان يُمكن أن تؤدي لإنعاش اقتصاده وفي نفس الوقت تحقق الأمن الغذائي لدول عربية غنية، وهو ما يحمينا في نهاية المطاف من المخاطر والآثار للتوترات السياسية والنزاعات العسكرية في أماكن مختلفة من العالم.
ما الذي سيحدث لبلادنا العربية إذا غزت روسيا أوكرانيا، أو اذا اندلعت الحرب، أو إذا فرض العالم عقوبات اقتصادية على موسكو؟ وما هي نسب الفقر والجوع التي ننتظرها إذا ارتفعت أسعار النفط والقمح بما يؤدي حتماً الى صعود صاروخي في أسعار كافة السلع الأساسية؟ أين نحنُ العرب مما يجري في العالم؟ وما الذي سنخسره من هذا التدافع العالمي؟.. هذه أسئلة على الأنظمة العربية أن تبحث عن إجابات لها.
"القدس العربي اللندنية"