صحافة دولية

MEE: هكذا حسّنت أزمة روسيا وأوكرانيا علاقة تركيا بـ"الناتو"

وجدت أنقرة نفسها مؤخراً في وضع أكثر تماسكاً وانسجاماً مع شركائها في التحالف- جيتي

قال موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، إن تركيا باتت اليوم في أفضل وضع لها مع شركائها في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، بعد سنوات من التوتر.

 

وذكر الموقع في تقرير لشون ماثيوز ترجمته "عربي21"، أن موقف تركيا من التوتر الحاصل بين روسيا وأوكرانيا، ألقى بظلاله بشكل إيجابي على علاقة تركيا مع أعضاء "الناتو".

 

وتاليا الترجمة الكاملة للتقرير:

 

على مدى سنين، هيمن التوتر على العلاقات بين تركيا والدول الأعضاء في الناتو، ولكن مع التهديد الروسي بغزو أوكرانيا، وجدت أنقرة نفسها مؤخراً في وضع أكثر تماسكاً وانسجاماً مع شركائها في التحالف.
 
ويوم الأربعاء، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "لا يوجد أدنى شك" في التزام بلاده بتعهداتها كحليف للناتو.
 
ومثلها مثل البلدان الأخرى في المنطقة، تراقب تركيا بعناية فائقة الأزمة على امتداد حدودها مع جارتها الواقعة على سواحل البحر الأسود.
 
لقد حاول أردوغان في الأسبوع الماضي إقناع الروس بعدم القيام بالغزو قائلاً: "أوكرانيا ليست بلداً عادياً، بل أوكرانيا بلد قوي". ثم عرض التوسط بين كييف وموسكو، وقال إنه يخطط لزيارة أوكرانيا في الثالث من فبراير/ شباط.
 
وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال مسؤول أوروبي في الناتو، مشترطاً عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: "تقدم تركيا نفسها {أثناء هذه الأزمة} باعتبارها حليفا مهما ومحل ثقة".
 
وكان النقاد قد أشاروا إلى أن تركيا في عهد أردوغان، ورغم أنها تملك ثاني أكبر جيش في الناتو، ما فتئت تبتعد شيئاً فشيئاً عن التحالف، وربما بشكل لا يمكن التراجع عنه.
 
وكانت تركيا قد تعرضت للنقد الشديد في الغرب؛ بسبب قيامها بغزو سوريا، ناهيك عن اشتباكها بشكل علني في شرقي المتوسط مع حلفاء الناتو اليونان وفرنسا. ثم تعرضت للنقد ثانية؛ بسبب قمعها للمخالفين داخل البلاد.
 
ثم تفاقم الشقاق بسبب تقارب أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وشراء تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية إس-400، وهو التحرك الذي نجم عنه إخراج تركيا من برنامج تصنيع المقاتلات الأمريكية من طراز إف-35.
 
وكان أردوغان قد أعرب عن شعوره بالأسى بعد إعلان الولايات المتحدة عن ذلك الإجراء في العام الماضي قائلاً: "تفرض على بلدنا العقوبات، ونحن عضو في الناتو. أي نوع من التحالف هذا؟"
 
شغل في الصميم من الناتو
 
ما وراء الخلافات المتقدة برزت أنقرة، تحفزها على ذلك المخاوف المتعلقة بأمنها هي، كنصير مهم للحكومة الموالية للغرب في كييف.
 
لقد التقى أردوغان بنظيره الأوكراني فلودومير زلنسكي على الأقل خمس مرات منذ عام 2019، ولم يلتق زلنسكي خلال نفس الفترة بأي زعيم آخر مثل هذا العدد من المرات. كما تعهد أردوغان على الملأ بالحفاظ على سلامة أراضي أوكرانيا، وقاوم المناشدات الروسية بأن تعترف تركيا بشرعية ضم شبه جزيرة القرم.
 
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال ستيفن فلانغان، كبير الباحثين السياسيين في مؤسسة راند: "لم يتراجع الأتراك عن دعمهم الثابت لأوكرانيا، وذلك بالرغم من أن روسيا غير سعيدة بذلك. ولم تزل تركيا من بين أكثر الدول دعماً لأوكرانيا".
 
وفي عام 2019، وفي تحرك أسخط الروس، بدأت تركيا ببيع الطائرات المسيرة المسلحة لأوكرانيا. ثم ما لبث البلد أن استخدمها لشن هجمات موجهة بعناية فائقة ضد الانفصاليين المدعومين روسياً في شهر أكتوبر/ تشرين الأول. ويتم حالياً العمل على تنفيذ خطط لإنشاء مصنع لإنتاج الطائرات المسيرة من طراز بيراكتار تي بي 2 داخل أوكرانيا.
 
وبينما تستمر القوات الروسية، التي يقدر تعدادها بما يقرب من 120 ألف، بالتجمع قريباً من حدود أوكرانيا، رفع المزيد من أعضاء الناتو مستوى مساعداتهم العسكرية.
 
تقوم أستونيا بإرسال صواريخ مضادة للدبابات من طراز جافلين، بينما تعكف كل من لاتفيا وليثوانيا، من بين بلدان البلطيق الأخرى، على توفير صواريخ ستينغر المضادة للطائرات.
 
قررت إدارة بايدن صرف 200 مليون دولار إضافية على شكل مساعدات أمنية لأوكرانيا الأسبوع الماضي، كما تم زيادة مساعدات واشنطن العسكرية من خلال جسر جوي بريطاني لنقل ما يزيد على ألفي صاروخ مضاد للدبابات قصير المدى إلى البلد.
 
يقول جيمز جيفري، السفير الأمريكي السابق لدى تركيا، والذي يعمل حالياً مع مركز ويلسون للبحث والتفكير في واشنطن العاصمة، إن البيت الأبيض ما فتئ يعمل بهدوء مع تركيا على مستوى العلاقات الثنائية وعلى مستوى الناتو.
 
ويضيف: "واشنطن والناتو كلاهما يعترف بالدور الهام الذي تلعبه تركيا في الأزمة الأوكرانية، إلا أن الخوف من تقلب أردوغان المفاجئ يحول دون تتويج ذلك بإقرار علني".
 
يبدو أن أكبر تحد حتى الآن يواجه جهود الناتو لإظهار جبهة موحدة يأتي من الغرب وليس من الشرق.
 
فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي تشاجر مع أردوغان مراراً وتكراراً، كان من المفروض أن يتصل هاتفياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة. ولقد أرقت تصريحاته حول ضرورة أن تنتهج أوروبا سياسة منفصلة تجاه روسيا أعضاء الناتو الآخرين المقربين من أوكرانيا.
 
في نفس الوقت، تم انتقاد ألمانيا؛ لأنها لم تتخذ موقفاً واضحاً تجاه خط أنابيب نورد ستريم 2، والذي من المقرر أن ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا ويتفادى أوكرانيا. كما تخاصمت مع أعضاء أخرين في الناتو؛ لرفضها تصدير الأسلحة الفتاكة إلى كييف.
 
وعن ذلك قال المسؤول في الناتو: "بإمكانك أن ترى بعض عناصر التوتر بين البلدان في أوروبا (حول أوكرانيا)، إلا أن تركيا لم تكن واحدة منها."
 
وأضاف: "بينما لا تراها تتردد في الحديث علانية عن الخلافات التي قد تطرأ بينها وبين أعضاء التحالف الآخرين، عندما يتعلق الأمر بأعمال تتعلق بصميم الناتو، فإن تركيا لم تكن يوماً عقبة في طريق ذلك".

 

اقرأ أيضا: موقع هندي: 10 دول ستساند روسيا في حال نشوب حرب


البحيرة الروسية
 
تقف تركيا وروسيا على طرفي نقيض في الصراعات التي تدور رحاها في كل من سوريا وليبيا. ومع ذلك فقد شكلتا شراكة غير مريحة لإدارة الخلافات بينهما. يقول فلانغان، الباحث في راند: "تقوم تركيا بلعب دور بيضة القبان بين روسيا والغرب".
 
إحدى المناطق التي تراقب تركيا فيها روسيا بقلق خاص هي البحر الأسود. حيث برزت روسيا كقوة مهيمنة بعد قيامها بضم شبه جزيرة القرم.
 
وخاصة أن الأسطول البحري الروسي في البحر الأسود، والذي يتخذ من شبه الجزيرة مقراً له، تضخم خلال السنوات الأخيرة. ويشتمل على غواصات وسفن حربية تحمل صواريخ موجهة من طراز كاليبر لديها القدرة على ضرب أهداف على مسافة 2400 كيلومتر (ما يعادل 1500 ميل تقريباً)، بالإضافة إلى سفن مجهزة بأحدث معدات التجسس وجمع المعلومات.
 
كان لعسكرة شبه جزيرة القرم أعمق الأثر على تفكير أنقرة الاستراتيجي تجاه الناتو.
 
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال ماموكا تسريتلي، الباحث في مبادرة جبهة أوروبا لدى معهد الشرق الأوسط: "كانت تركيا قبل 2014 تقول: نحن لا نحتاج الناتو هنا. لكنهم باتوا الآن أكثر استعداداً للسماح بوجود للناتو في البحر الأسود أضخم من أي وقت خلال العقود الماضية".
 
في عام 2016، ألقى أردوغان خطاباً، أنذر فيه بأن البحر الأسود غدا "بحيرة روسية"، وحذر من أننا "إذا لم نتخذ إجراءً فإن التاريخ لن يغفر لنا".
 
اتخذت تركيا موقف المدافع بشدة عن حق كل من أوكرانيا وجورجيا في التقدم بطلب للانضمام إلى الناتو. كما أنها تشارك بفعالية في المناورات البحرية مع البلدان الأخرى الأعضاء في حلف الناتو في منطقة البحر الأسود، بما في ذلك رومانيا وبلغاريا.
 
ومع ذلك، ومع زيادة احتمال نشوب الحرب في الأسابيع الأخيرة، عمل أردوغان على موازنة خطابه، واختيار كلماته بعناية. ففي مقابلة أجريت معه الأربعاء، دعا إلى حوار "يتم من خلاله الاستماع إلى روسيا، وتبديد مخاوفها الأمنية المعقولة".
 
كما يفهم من اقتراح الزعيم التركي القيام بدور الوسيط أنه حريص على الحفاظ على العلاقة التي طورها مع بوتين، وربما التحدث بلغة أكثر حيادية.
 
وفي مقابلة مع موقع ميدل إيست آي، قال مسؤول تركي: "نعمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة داخل الناتو." إلا أن ضلوع البلد في مغامرات في النقاط الساخنة ما وراء البحار يعني أنها تحتك باستمرار مع روسيا، وتجد نفسها مضطرة لتوخي الحذر.
 
يقول مسؤول الناتو: "تخصص تركيا مكافأة للحديث مع روسيا".
 
هناك حدود لمدى ما وصل إليه التماسك بشأن أوكرانيا، وما زالت العقبات التي تنغص علاقة تركيا مع الغرب قائمة. وعلى الرغم من دعمها لكييف، لا يوجد إلا النزر اليسير من الأدلة على أن أنقرة لديها الاستعداد للتراجع عن واحدة من خطواتها الأكثر إثارة للنزاع، ألا وهي شراء منظومة إس-400.
 
يقول المسؤول التركي: "تفي تركيا بالتزاماتها كعضو في الناتو، ولكن ضمن الحدود الضيقة (لمعاهدة الناتو) بإمكانها أن تفعل الكثير حين يتعلق الأمر بالدفاع عن ذاتها وبسياساتها الوطنية. ترى تركيا دورها بشكل مختلف تماماً".

 

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)