أليس مثيرا أن كلّ صفقات التطبيع، أو
التحالف مع الكيان الصهيوني لا تخرج أخبارها إلا من الطرف الأخير، بينما يصرّ
الطرف العربي على التكتم حتى اللحظات الأخيرة؟!
ألا يدل ذلك على طبيعة تلك الاتفاقات
التي تصطدم مع الوعي الجمعي لشعوبنا وأمّتنا؟
ألا يؤكد ذلك أن الأطراف العربية التي
تتورّط فيها ما زالت تدرك أنها تتجاوز الخطوط الحمراء الشعبية، وتتورّط في مشاريع
لا يمكن إقناع الناس بها، بأي حال.
تذكّرنا ذلك، ودائما نتذكّره حين خرج
وزير الإعلام الأردني، صبيحة يوم الاثنين (22/11) كي يقول لإحدى الإذاعات المحلية
إنه لا وجود لمشروع ثلاثي أردني إماراتي إسرائيلي يتعلق بالطاقة والمياه، وأن كل
ما يجري لم يتجاوز مرحلة البحث.
بعد ذلك بساعات قليلة؛ وتماما كما أكدت
المصادر الصهيونية، كانت الأطراف الثلاثة توقّع "إعلان النوايا" الخاص
بالمشروع الذي تمّ الحديث عنه، وبذات التفاصيل التي كشفتها المصادر المذكورة.
قيل الكثير عن المشروع الذي نحن
بصدّده، والذي ما زال يواجه ردود فعل رافضة في الساحة الأردنية، وكان لافتا أن كل من تحدّثوا في الأمر قد ربطوه
بمفاخرة المسؤولين الأردنيين مرارا بإفشالهم لـ"صفقة القرن"، وهو ما تحدثنا
عنه في المقال السابق، وشمل سلطة محمود عباس أيضا. وذهب بعضهم إلى أن الاتفاق
الجديد هو تنفيذ للصفقة.
ما نريد قوله هنا، ونركّز عليه؛ رغم
أننا سبق أن فعلنا، هو أن هذه الخطوة الجديدة ومعها مسلسل التطبيع المتسارع، والذي
دخل مرحلة التحالف؛ تمثّل تمهيدا لما هو أسوأ من "صفقة القرن"، ولا نعني
حيثياتها، بل مجمل القضية؛ لجهة الخطورة وإمكانية التمرير.
نقول ذلك، لأن "صفقة القرن"
كانت طاعنة في الوقاحة (تعني توقيعا على حلّ بلا قدس ولا سيادة وبمساحة عيش بائسة
ومقطعة الأوصال لا تتجاوز نصف الضفة الغربية)؛ ولم يكن أحد ليجرؤ على تمريرها، بل
كان المؤمّل أن تفجّر الانتفاضة رغم أنف عباس؛ تماما كما حدث بعد قمة كامب ديفيد،
صيف العام 2000، والتي جاءت "انتفاضة الأقصى" بعدها مباشرة، حين تبين
للجميع أن ما يعرضه الغزاة على القيادة الفلسطينية، لا يمكن أن يقبل به أي أحد،
مهما بلغ مستوى انبطاحه. ونتذكّر هنا "ثورية عباس" في الرد على الصفقة،
وهي التي ما لبثت أن تلاشت بعد خسارة ترامب للانتخابات، رغم أن مسار خلفه (بايدن)
أكثر خطورة، كما سنشرح.
صفقة القرن كانت طاعنة في الوقاحة ولم يكن أحد ليجرؤ على تمريرها، بل كان المؤمّل أن تفجّر الانتفاضة رغم أنف عباس