هل يمكن أن نتوصل إلى معايير جديدة لقياس القوة في القرن الحادي والعشرين؟ هناك الكثير من التحديات التي تواجه الدول، وتفرض عليها أن تبحث عن مصادر جديدة للقوة، وعن أساليب متميزة لاستخدامها بشكل رشيد.
لقد اعتمدت الدول في بناء قوتها على السكان والأرض والاقتصاد والجيش والأسلحة والتخطيط الإستراتيجي والإرادة، ولكن أثبتت الأحداث أن الدولة يمكن أن تمتلك كل تلك المصادر، ولكنها يمكن أن تنهار كما حدث للاتحاد السوفييتي الذي كان يملك من القوة ما يفوق الولايات المتحدة الأمريكية.
إن الدولة لم تعد هي الفاعل الوحيد في هذا القرن الجديد، ولم تعد القوة الصلبة التي تمتلكها الدولة وتقوم بإدارتها، هي الوسيلة التي يمكن استخدامها في تحقيق الأهداف.
كما أن الإستراتيجيات الاتصالية أصبحت أكثر أهمية من الجيوش، فالحروب لا يتم فيها تحقيق الانتصارات باستخدام الأسلحة، ولكن بكسب العقول والقلوب، وتحديد أولويات الشعوب، وتشكيل تفضيلات الجمهور.
لذلك، تحتاج الدول إلى تطوير قوتها الذكية ببناء إستراتيجيات لاستخدام المعلومات والمعرفة والاتصال، وتوظيف ثقافتها وقيمها السياسية لجذب الشعوب.
إن الثقافة مصدر مهم للقوة، وهناك ثقافات عالمية تجذب الكثير من الناس من شعوب وأعراق مختلفة يمكن أن تقوم بدور فاعل خلال هذا القرن، وتؤثر على بناء التحالفات بين الدول.
مهما اختلفنا حول مقاييس القوة، فإننا يمكن أن نتفق على أن السنوات القادمة سوف تشهد تغييرا في موازين القوى، وسيفتح ذلك المجال لدول غير غربية لزيادة قوتها عن طريق التوظيف الذكي لكل مصادر القوة، وبناء تحالفات على أسس ثقافية ودينية وحضارية، والتأثير على الرأي العام في دول أخرى باستخدام مبادئها وقيمها.
القوة الذكية - كما يرى جوزيف ناي - لا تعني مضاعفة القوة، أو المحافظة على السيطرة، ولكنها استخدام موارد القوة في إستراتيجيات ناجحة، وفي سياق جديد لتحقيق أهداف عظيمة، وعدم استخدام القوة للتدمير والإبادة.
إن السياق العالمي يتغير حيث بدأت فترة "ما بعد الهيمنة "، التي يجب أن تبحث فيها الدول عن وسائل جديدة لتحقيق التعاون في مواجهة التحديات الجديدة مثل تغيير المناخ.
(الشرق القطرية)