سياسة عربية

ما دلالات تشكيل البرهان لجنة لمراجعة "إزالة التمكين"؟

وعد البرهان بتصحيح المسار وتشكيل حكومة تكنوقراط- جيتي

أعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني عن تشكيل لجنة لمراجعة أعمال لجنة إزالة التمكين، والتي وجهت لها اتهامات عديدة بأنها تجاوزت القانون كثيرا خلال عملها.

 

وجاء تشكيل اللجنة الجديدة بعد أن نفذ البرهان انقلابا على المرحلة الانتقالية وأقال الحكومة المدنية، وذلك لتنفيذ رغبات الشعب والشباب في الشارع وفق قوله، حيث اتهم الحكومة بالتقصير والتأخر في إنجاز عملها والمرحلة الانتقالية.

 

دلالات القرار

 

ويدفع توقيت قرار تشكيل اللجنة الجديدة للتساؤل حول دلالاته، خاصة أن الاتهامات التي وجهت للجنة كانت منذ البداية فلماذا الآن يتم تشكيل لجنة جديدة لمراجعة أعمالها بعد الإطاحة بحكومة حمدوك؟

أشار مدير المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، محمد صالح، إلى أن "من دلالات هذا القرار بأن البرهان يمضي في طريقه وأنه لا عودة إلى الوراء، بمعنى أنه سيكمل الإجراءات التي اتخذها ومنها إزالة الأحزاب الأربعة التي كانت تشكل الحكومة بالشراكة مع المكون العسكري، وهذه دلالة مهمة جدا".


وتابع صالح: "لكن بالمقابل هناك شارع يرفع لافتات تقول إن الردة مستحيلة، وأنهم سيحشدون لإزالة الجيش تحديدا من الحكم، لذلك هذه دلالة مهمة على ما يدور في الصراع".

 

اقرأ أيضا: دعوات لمليونية في السودان.. والبرهان يراجع لجنة "التمكين"

أهداف البرهان


وحول أهداف البرهان من هذا القرار، وهل جاء لإحقاق الحق أم للانتقام من الأحزاب التي كانت تشكل الحكومة؟ أكد صالح خلال حديثه لـ"عربي21"، على أن أهم هدف للبرهان هو "فضح هذه الأحزاب وكسب التيارات التي تأذت بشكل عام من اللجنة وليس فقط حزب المؤتمر".


وأوضح بأن "من أهداف البرهان أيضا (إثبات أن لجنة إزالة التمكين شابت أعمالها أخطاء متعمدة كثيرة، وأنها عملت بطرق مسيسة تماما وغير قانونية، وأنها نزعت إلى الانتقام والتشفي بدون إثبات أو دليل)، بالتالي هو يريد أن يثبت للجميع أن اللجنة لديها تجاوزات".


وأعرب عن اعتقاده بأن "البرهان ينطلق من قاعدة ثابتة، حيث يبدو أن لديه ملفات تقوي موقفه وتثبت صحة ما ذهب إليه، وهو يريد القول (للسودانيين وللرأي العام الإقليمي والدولي أن هذه الأحزاب الأربعة كانت ستفسد المرحلة الانتقالية، لذلك كان يجب أن تذهب، إضافة إلى أنها استولت على المرحلة الانتقالية لوحدها، وأقصت مجموعات كانت معهم من قوى الحرية والتغيير ورفضت إشراك مزيد من الشركاء)، وبالطبع البرهان يريد أن يثبت كل ذلك من خلال مراجعة هذه الأعمال، ويبدو أن لديه ما يكفي من الأدلة التي تثبت أن لجنة إزالة التمكين لم تكن تستند على قوانين".

من جهته قال عباس حسن أحمد القيادي في الجبهة الوطنية العريضة، إن "البرهان ومعارضي لجنة إزالة التمكين يشتكون من أن أداءها شابه الكثير من الأخطاء وأنها غير قانونية، ولكن هذا الكلام غير حقيقي، لأن عملها مسنود بقانون إزالة تمكين نظام 30 يونيو، وعملها ليس قضائيا، هي فقط تقوم باسترداد ممتلكاتهم وتعيدها للخزينة العامة، ويتم بعد ذلك إحالة المتهمين وملفاتهم إلى النيابة ومن ثم إلى المحاكم وبعد ذلك تصدر أحكام قضائية ضدهم".


وحول أهداف البرهان، أوضح أحمد خلال حديثه لـ"عربي21"، بأن "هدف البرهان الأساسي هو تفكيك لجنة إزالة التمكين، خاصة أنه ظل يحاربها منذ تكوينها، ولكن الفاعل الرئيسي على الأرض ضد اللجنة، والذين كانوا يهاجمون هذه اللجنة هم الإسلاميون "تنظيم الحركة الإسلامية"، خاصة أنهم كانوا المستفيدين الوحيدين من نظام 30 يونيو وهم نهبوا أموال الدولة والشعب السوداني خلال 30 سنة الماضية، خلال فترة حكمهم".


وأضاف: "بالتالي البرهان يريد تفكيك لجنة إزالة التمكين إرضاء للإسلاميين، كذلك هو يريد إعادة الممتلكات التي تم استردادها من الإسلاميين لهم، وإعادة تمكينهم مرة أخرى".

وحول سبب رغبة البرهان إعادة الإسلاميين لمؤسسات الدولة، قال أحمد: "التيار الإسلامي هو من جاء بالبرهان إلى قمة هرم الجيش وصحيح هو ليس إسلاميا، ولكنه يدين للتنظيم بولاء منقطع النظير وهو يرد الآن الجميل لهم، خاصة أنه شخصيا غير متضرر لأن اللجنة لم تمسه بموجب الحصانة وبموجب منصبه كرئيس لمجلس السيادة وهذا مأخذنا عليه، واللجنة كذلك لم تمس كبار قادة الإسلاميين مثل البشير وعثمان ونافع وغيرهم".

 

اقرأ أيضا: البرهان يترأس مجلس السيادة الانتقالي الجديد.. وردود رافضة

بدوره أشار أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الرشيد محمد إبراهيم، إلى أن "لجنة إزالة التمكين كانت إحدى نقاط الخلاف في الفترة الماضية بين المكونين المدني والعسكري"، مضيفا: "ولا بد من الإشارة إلى أن رئيس اللجنة الفريق ياسر عطا اعتذر عن تقلد المنصب حينما تم تعيينه وقدم استقالته، كذلك كانت هناك تحفظات وملاحظات حول عمل اللجنة".


وتابع إبراهيم خلال حديثه لـ"عربي21"، "كان المفترض أن يكون معها لجنة للاستئناف حتى تكتمل عملية التقاضي ومراحلها، باعتبار أن تحقيق العدالة كان أحد شعارات ثورة ديسمبر وهي "حرية وسلام وعدالة"، ولكن للأسف لم يتم ذلك، وبالتالي العدالة أصبحت منقوصة في نظر كثير من الناس، لا بل حتى أن بعض الحزبيين استقالوا منها فمثلا صديق يوسف وهو عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي كان ضمن اللجنة واعتذر، وقال لا يمكن أن أكون الخصم والحكم في نفس الوقت".

وأضاف: "كذلك وصلت بلاغات حول لجنة إزالة التمكين، حيث ألقي القبض على أعضاء في اللجنة ووجد أن في حساباتهم مبالغ ضخمة وهم ضباط صغار، أيضا كان هناك شبهة حول عمل اللجنة، إضافة للابتزاز الذي مورس على الشركة الصينية وبعض الشركات الأخرى وكان لهذا الأمر تأثير على الاستثمار في السودان".


وعبر عن اعتقاده بأن "كل هذه الأسباب دعت البرهان لتشكيل لجنة لمراجعة عمل لجنة إزالة التمكين، وهي ستقوم بعملها بمعنى ستقوم بمهمة إزالة التمكين، ولكن وفق أسس ومعايير جديدة تراعي الشفافية وتعمل على استرداد الأموال التي تم سرقتها في زمن النظام السابق بصورة دقيقة وعبر القضاء العادل".


وخلص بالقول: "بالتالي لا خلاف على فكرة إزالة التمكين، ولكن الخلاف على آليات العمل وهذا التصحيح الذي سيتم في هذه اللجنة الجديدة".

 

اقرأ أيضا: انتقادات حادة للجنة "إزالة التمكين" بالسودان (فيديو)

اتهامات للجنة تفكيك التمكين


ووجهت اتهامات عديدة إلى لجنة إزالة التمكين، فمثلا انتقد رئيس حزب الأمة القومي الراحل الصادق المهدي عملها واعتبر أن إيلاء أمر إزالة التمكين للجنة الحالية، أحد الأخطاء التي صاحبت التجربة الانتقالية، معتبرا أن تلك المهمة كان يجب أن تخضع حسب الوثيقة الدستورية إلى مفوضية الفساد.

وطالت اللجنة اتهامات كثيرة في الفترة الماضية بـاستغلال النفوذ، وتورط بعض منسوبيها في شبهات فساد وابتزاز، بالإضافة إلى عدم وجود لجنة لاستئناف قراراتها، كما اتهمت بالقيام بدور تنفيذي وقضائي، بحسب وسائل إعلام سودانية.

ويرى بعض أعضاء المكون العسكري للحكم أن اللجنة تجر عليهم سخط أنصار النظام السابق ويرون أن احتجاجات الشرق هي بسبب قراراتها بنزع ممتلكات رئيس الوزراء في عهد نظام البشير، محمد طاهر إيلا.

كذلك دعا المستشار السياسي لرئيس الوزراء المقال عبد الله حمدوك، نائب رئيس الحركة الشعبية (شمال) جناح مالك عقار، ياسر عرمان في أيلول/سبتمبر، إلى "إصلاح منهج اللجنة، وعدم استخدامها لتصفية الحسابات وإبعادها عن شبهات الفساد".

وقال عرمان في وقت سابق بصفحته على فيسبوك إنه أدرك “الأخطاء التي ترتكبها اللجنة والطريقة الاستعراضية والمستفزة لعضوها صلاح مناع، والاتهامات التي تدور حوله كرجل أعمال”، لكن عرمان يرى أن الحملة ضده ليست بريئة، وفيها صناعة وخلفها فلول النظام السابق وامتداداتهم.

وتابع: “الفلول مرعوبون من لجنة إزالة التمكين، لأن إزالة التمكين تعني إزالة (الإنقاذ) والدولة الموازية”.


هذه الاتهامات أثارت تساؤلات عن مدى صحتها، وهل سيكون هناك تأييد لقرار البرهان بتشكيل لجنة جديدة لمراجعة أعمال القديمة بالشارع أم لا؟


أكد المحلل السياسي محمود جحا، على أن "الاتهامات الموجهة ضد لجنة إزالة التمكين تجاوزت الإجراءات السليمة الصحيحة، بدليل أن المحكمة العليا أصدرت أحكاما ضد قرارات اللجنة، وهذا أكبر دليل على أن اللجنة تصرفت تصرفات غير قانونية".


وتابع جحا خلال حديثه لـ"عربي21"، "اللجنة كانت تدعي أنه ما كان بالإمكان الانتظار لزمن طويل لبطء الإجراءات، ولكن هذا ليس مبررا لأخطائها، بمعنى أن تخطئ في العفو أفضل من أن تخطئ في العقوبة".


ولفت إلى أن "اللجنة الجديدة تقوم فقط بمراجعة الأوضاع في القضايا التي طرحت مع الجهات التي تم توجيه اتهامات لها ولن تباشر بعمل جديد".


إلا أن القيادي في الجبهة الوطنية العريضة، عباس حسن أحمد، نفى "الاتهامات الموجهة للجنة إزالة التمكين، واعتبرها (كاذبة وغير صحيحة)".

 

اقرأ أيضا: حميدتي يؤدي اليمين نائبا للبرهان.. وتأهب لـ"مليونية السبت"

وأضاف: "هم يقولون إنها لجنة انتقامية لأنها قامت باسترداد الممتلكات والأموال التي نهبوها من الخزينة العامة للدولة، وهذا غير صحيح لأن عملها قانوني مسنود بالقانون، ومن ثم يتم إحالة المتهمين للنيابة ومن ثم القضاء لتصدر ضدهم أحكام قضائية".

وردا على كلام المحلل محمود جحا بأن المحكمة ألغت الكثير من قرارات اللجنة، قال أحمد: "لم تلغ المحكمة إلا بعض القرارات وليس كلها، وجاء هذا الإلغاء في مرحلة متأخرة جدا، وأعتقد قبل أو بعد الانقلاب بقليل، وتم ذلك بإيعاز من البرهان نفسه، لأن الأموال التي يتم استردادها الآن هي أموال الشعب السوداني حصل عليها الإسلاميون بوسائل غير قانونية وفقط لأجل انتمائهم للحركة الإسلامية".


لكن السؤال الأهم هل سيلقى قرار البرهان القاضي بتشكيل لجنة لمراجعة عمل لجنة إزالة التمكين تأييدا في الشارع الرافض للانقلاب العسكري؟

أكد مدير المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، محمد صالح، على أن "تأييد قرار البرهان مرهون بحجم التغيير في حياة الناس المعيشية وسرعة إنجاز ما وعد به".

 

واستدرك بالقول: "ولكن مما لا شك فيه أن الأغلبية مع قرار البرهان، خاصة أن ما وعد به هو تشكيل حكومة تكنوقراط حقيقية، كذلك هناك معلومات متداولة بأن الأوضاع أمنيا أفضل من ذي قبل".

 

يُشار إلى أن البرهان أصدر الخميس، مرسوما يقضي بتشكيل مجلس سيادي انتقالي جديد برئاسته، على أن يكون محمد حمدان دقلو "حميدتي" نائبا له.


وذكرت وكالة الأنباء السودانية أن البرهان أرجأ تعيين ممثل الشرق لمزيد من المشاورات، مشيرة إلى أن المجلس يتكون من البرهان رئيسا وحميدتي نائبا، إلى جانب شمس الدين كباشي إبراهيم عضوا، وعبد الرحمن حسن العطا عضوا، وإبراهيم جابر إبراهيم عضوا، ومالك عقار إير عضوا، والطائر أبو بكر حجر عضوا، وإدريس يحيى عضوا، ورجاء نيكولا عبد المسيح عضوا، ويوسف جاد كريم محمد علي يوسف عضوا.

ويضم المجلس أيضا، أبو القاسم محمد محمد أحمد عضوا، وعبد الباقي عبد القادر الزبير عبد القادر عضوا، وسلمى عبد الجبار المبارك موسى عضوا.

 

اقرأ أيضا: "الحرية والتغيير" ترفض الحوار مع البرهان وتطالب برحيله