مقالات مختارة

لماذا تحمون حكومات بلا شعبية؟

1300x600

تسقط الحكومات في العالم الغربي، إذا تراجعت شعبيتها، والسبب بسيط، إذ أن انتخابات الصناديق الديمقراطية تعاقب كل حكومة مقصرة، وغالباً توطئ استطلاعات الرأي لهذه النتيجة، بشكل غير متعمد كما يظن البعض، بل عبر قراءة تحليلية عميقة ومباشرة.


في الأردن، القصة مختلفة، فالحكومات لا تأتي عبر الصناديق، كما أن الموضة الدارجة في العشر السنين الأخيرة، أن كل حكومة تأتي ولمعرفتها المسبقة، أن لا خيل لديها تهديها، ولا نطق يسعد الحال، تتفاخر مسبقا، بكونها لم تأت بحثا عن شعبية، وأنها تريد حماية الأردن والأردنيين، وليس بحثاً عن الشعبية، وهذا منطق انتحاري، فلماذا تبقى أي حكومة، إذا لم تكن شعبيتها مهمة، خصوصا، أن الشعبية هنا، ترتبط بالانجاز؟


يوم أمس أعلن تقرير حساس لمركز راصد الخاص بمراقبة أداء حكومة بشر الخصاونة بعد مرور عام على تكليف الرئيس الحالي ، الاثنين، أن الحكومة توسعت بالتزاماتها ولم تحقق سوى 14 % في عامها الأول، وأوضح التقرير أن نصف الأردنيين يعتقدون أن الفريق الحكومي غير قادر تماما على تحمل مسؤولياته، مشيراً إلى أن غالبية الأردنيين يعتقدون أن الحكومة غير قادرة أو ضعيفة في تحمل مسؤولياتها، وحول جائحة كورونا، لفت التقرير إلى أن نحو نصف الأردنيين غير راضين عن تعامل الحكومة مع أزمة كورونا، وذكر التقرير أن غالبية الأردنيين يعتقدون أن الحكومة لم تمارس الشفافية أو أنها مارستها بشكل ضعيف”.


إذا كان نصف الأردنيين، الذين استطلعت وجهات نظرهم، يعتقدون أن الفريق الحكومي غير قادر تماما على تحمل مسؤولياته، فإن النصف الاخر ممن ينشغلون بأعمالهم البسيطة اليومية، يشعرون بسخط أكثر، ولو أردنا إجراء تصويت فردي إجباري لكل فرد، لكانت نسبة عدم الرضا عن الحكومة أكبر، من النسبة التي وردت في تقرير راصد.


هذا يعني أن الحكومة بلا شعبية، والسبب أن كل قرارات هذه الحكومة وأغلب من سبقها، ترتب كلفاً على الناس، وتزيد مصاعب حياتهم، ولا تسمع قرارا يسر الناس، في ظل تراجعات اقتصادية، ومناخ معنوي متراجع، وتفشي الفساد، بكل درجاته، والشكوك حول المال العام، والبطالة والفقر، وغير ذلك، وهذا يعني أن أي رئيس حكومة، يعرف وهو في مكتبه في الدوار الرابع، زنه رجل بلا شعبية، بل أنه عندما يقبل التكليف بالرئاسة يدرك مسبقا أن زمامه مهمات غير شعبية، وأنه ذاهب إلى محرقة للسمعة والإرث، رغماً عنه.


أغلب حكومات الأردن، بلا شعبية، والشعبية هنا لا تعني الشكل الذي يظهر فيه الرئيس أو الوزراء، أو القدرة على استقطاب عواطف الأردنيين، فهذه أمور لم تعد مهمة، ونحن لسنا بحاجة إلى كارزيما وخطباء مفوهين، حيث زن الذي يحدد الشعبية هنا، الانجاز، واستباق الأزمات، ووضع الحلول، ولعله يقال لأغلب رؤساء الحكومات الذين يعلنون مسبقا، أنهم لا يبحثون عن شعبية، أن قدرتهم على إنفاذ قراراتهم، تأتي قهرا، وغصباً، بفعل القانون، لا بفعل الشراكة مع المواطن، زو حتى قبول المواطن لكثير من القرارات التي يتم اتخاذها بين فترة وثانية.


أهمية تقرير راصد، ليست بالتعرض لهذه الحكومة، وإن كان هذا يعطيك مؤشرا على وضعها، بل بكون التقرير يقول إن الحكومات في الأردن عموما، قد تبدأ بقليل من التفاؤل، لكنها تستهلك رصيدها سريعا، وتحترق بأسرع من البرق، والغريب عنا ان رؤساء الحكومات في الاردن، كذبوا الكذبة وصدقوها، اي اننا لا نبحث عن شعبية، فلماذا تبقى اي حكومة او رئيسها، إذا كانت بلا شعبية، أو إذا انخفضت شعبيتها، وكيف يمكن الحكم عبر جسم مشكوك فيه، أو غير شعبي، أو تسود حول قدراته الظنون والمخاوف في هذا البلد.


لا يترك رئيس حكومة في الأردن، موقعه بمحض إرادته، ولا حتى تحت ضغط استطلاعات الرأي، ولا حتى أمام الأزمات، وحتى يتغير الحال، يجب على الحكومات أن تتخلى عن هذه الموضة، أي نحن لا نبحث عن شعبية، لأننا بتنا نفهم هذه الكلمات، بمثابة رسالة مبطنة تقول أننا جئنا من زجل اتخاذ قرارات غير شعبية، وعليكم أن تستعدوا أيها الرفاق والرفيقات.


فرق كبير بين حماية أي حكومة، من باب منع كثرة التقلبات والتغييرات، وبين حمايتها برغم كونها غير شعبية، وغير مقبولة، وثقيلة على صدور الأردنيين.

 

نقلا عن (الغد الأردني)