تتركز الأنظار على ما يجري في درعا، قرب الحدود مع الأردن، والواقع أن الأردن يقف أمام تعقيدات تخص هذا المشهد، وبحيث يرى مركز القرار أن هناك خمسة أخطار عبر الحدود.
أول هذه الاخطار التنظيمات الإيرانية، التي اقتربت من الحدود الأردنية، والمعروف هنا أن التنظيمات الإيرانية كان عددها في سورية، بين ستين وسبعين ألف مقاتل، لكن عددهم الآن يتجاوز المائة وعشرة آلاف، ولا توجد ضمانات نهائية حتى الآن إذا انتهت المعارك، كليا في درعا، ألا تبقى هذه التنظيمات، أو بعضها، على مقربة من الأردن، برغم وجود قناة روسية اردنية في هذا الصدد، قد تساعد في عدم التمركز قرب الحدود، بشكل دائم، بما يعنيه ذلك.
من جهة ثانية ينظر الأردن بطريقة حساسة للغاية الى وجود بقايا التنظيمات المقاتلة، وأفرادها الذين قد يتسربون إلى الأردن، بوسائل مختلفة، من بينها العبور الإنساني، ضمن جماعات اللاجئين، والأردن هنا، يمنع كل محاولات التسلل، إلا أن خطر هذه التنظيمات، ومن بينها تنظيم الدولة الإسلامية يبقى قائما، حتى على صعيد محاولة تنفيذ عمليات، او بأي طريقة كانت، وللمفارقة فإن وجود التنظيمات الإيرانية، وهو أمر غير مرغوب أردنيا، قد يكون مفيدا من جهة ثانية في تجفيف الجماعات المتشددة، مثل داعش، وهو أمر يستفيد منه الأردن، لكنه أيضا يتحسس من نهاياته بحيث قد يصب لصالح تمركز طويل للإيرانيين.
ثالث هذه الاخطار يرتبط بالمخاوف من حدوث موجات هجرة اجبارية وجماعية، خصوصا، بعد النداءات التي وجهتها شخصيات اجتماعية عشائرية في مناطق جنوب سورية، الى الأردن، من أجل فتح الحدود، وبعض هؤلاء ينتمي الى هياكل سورية معارضة، والمؤكد أن الأردن لن يفتح الحدود هنا، لكن السؤال يرتبط حول سيناريو محتمل، اذا انفجرت الظروف مرة واحدة، وحدثت هجرات بعشرات الآلاف من النساء والأطفال، فكيف سيتمكن الأردن من منعهم، في هذا السيناريو المحرج، الذي قد يثير رد فعل منظمات إنسانية عالمية، هذا على الرغم من أننا شهدنا سابقة محاولة دخول اعداد كبيرة، إلا أن الأردن منعهم، في ذلك الوقت، وهو الذي يعتبر الازمة السورية، ألقت بظلالها على الداخل الأردني، أساسا، في ظل دخول أكثر من مليون شقيق سوري، وتراجع الدعم الدولي الى حد كبير، إضافة الى حذر الأردن، من فتح الحدود مجددا، تحوطا من تسلل جماعات متشددة على شكل لاجئين الى داخل الأردن.
الخطر الرابع يرتبط بعصابات السلاح، وهي عصابات لا تتوقف برغم كل الإجراءات الأردنية التي نجحت في منع تهريب السلاح الى الأردن، وهو سلاح قد يكون مرتبطا بتجار سلاح عاديين، او بوكلاء لتنظيمات متشددة يريدون إيصال السلاح الى نقاط محددة، والجهد الأردني في حماية الحدود واضح ومقدر، وهو يفرض جهدا إضافيا على امتداد الحدود الأردنية الشمالية، والشمالية الشرقية، في ظل ظروف معقدة، وبيئة صعبة، تحت الرقابة ليل نهار.
من هنا نذهب الى الخطر الخامس، الذي يرتبط أيضا بعصابات المخدرات، التي تلقت ضربات كبرى من الأردن، إلا أنها تواصل المحاولة، والمعلومات تؤشر على وجود مصانع أيضا للمخدرات في مناطق كثيرة قريبة من الحدود مع الأردن، إضافة إلى أن العصابات تبحث عن أي ثغرة من اجل إيصال هذه المخدرات، وأحيانا ترتبط عصابات المخدرات، مع عصابات السلاح في مهمات مشتركة، وعمليات واحدة، تحاول تهريب السلاح والمخدرات معا إلى الأردن.
هذه الخريطة المعقدة، تجعل الأردن يتحسس من جهة من الإيرانيين، ويرى في الروس ضمانة لعدم تمركزهم الدائم قرب الحدود، وفي الوقت ذاته يفتح الأردن قنوات سياسية غير معلنة مع السوريين، وقنوات فنية على الصعيد الاقتصادي، وهو من هذه الزاوية يريد استعادة العلاقة، لكن ضمن تصورات معينة للوضع جنوب سورية، ويفضل هنا أن يتم حل الازمة في درعا، ومناطق جنوب سورية، بطرق مختلفة، تؤدي فقط الى سيطرة كاملة للجيش السوري، دون وجود أي جماعات ثانية، سواء إيرانية، او جماعات معارضة متشددة ومدربة جيدا.
في كل الأحوال يبدو الأردن، في صورة الذي يتابع أدق التفاصيل السورية، هذه الأيام، وهو يريد أن ينتهي التصعيد في الجنوب السوري، لكن دون أن يضطر لدفع الثمن، لأي طرف ما.