قالت صحيفة "
الغارديان" إن الولايات المتحدة في
مرحلة ما بعد هجمات 9/11 لم تركز على خطر اليمين المتطرف بنفس الطريقة التي خصصت فيها
المصادر المالية والبشرية على الحملة ضد "الخطر الإسلامي".
وقالت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21" إن الحكومة
الأمريكية تحركت بسرعة في مرحلة ما بعد 11 أيلول/ سبتمبر لمنع هجمات جديدة قد ينفذها
متطرفون إسلاميون. وأنفقت مليارات الدولارات على أجهزة فرض القانون وتم توسيع صلاحياتها
لمراقبة المواطنين الأمريكيين وفي الخارج بعدما أعلن جورج دبليو بوش الحرب على "الإرهاب".
وفي الوقت الذي قامت فيه "سي آي إيه" ومكتب التحقيقات
الفيدرالية "أف بي آي" بالإضافة إلى وزارة الأمن الداخلي التي أنشئت بعد الهجمات
بالبحث في أمريكا والعالم عن المتطرفين المسلمين، فقد تم تجاهل التهديد الموجود والمتمثل في جماعات التفوق العرقي الأبيض التي ظل تأثيرها وأعدادها في تزايد على مدى العقدين الماضيين.
وبعد 20 عاما على الهجمات الإرهابية فإن التهديد الإرهابي
الحقيقي بات نابعا من هذه الجماعات، وهي متهمة بـ 16 من 17 عملية قتل متطرفة في الولايات
المتحدة عام 2020، بحسب رابطة مكافحة التشهير. وفي 2019 اتهمت بـ 41 هجوما قام بها
متطرفون يمينيون من 42 هجوما. وفي الفترة 2009- 2018 كان اليمين المتطرف مسؤولا
عن 73% من الهجمات القاتلة التي نفذها متطرفون بيض وقتلت في 2018 أكثر مما قتله متطرف
أبيض عام 1995 عندما فجر مبنى فيدراليا في مدينة أكلاهوما.
وتعلق الصحيفة بأنه رغم الأرقام الإحصائية حول تسيد جماعات
التفوق العرقي الأبيض فإن الوكالات الاستخباراتية الأمريكية خصصت جهودا وتمويلا لمواجهة
التهديد النابع من ما تصفه بـ"الإرهاب الإسلامي" أكثر من معالجة خطر هذه
الجماعات المحلية.
وتقول سينثيا ميلر-إدريس مؤلفة كتاب "كراهية في الوطن:
اليمين المتطرف الدولي الجديد" والمحاضرة في الجامعة الأمريكية حيث تدير مخبر
أبحاث الاستقطاب والتطرف: "خلقت صدمة 9/11 آلية لا تصدق في الولايات المتحدة والعالم
وكانت عبارة عن إنشاء وكالات جديدة وجلسات اجتماع لمهام خاصة وكل الأنواع التي خلقت
نقاطا عمياء"، وتضيف: "صحيح أنه تم إحباط مؤامرات وتحذير من هجمات، وكانت
هناك أمور تحدث، وفي نفس الوقت فإن التهديد الآخر كان في تزايد وصعود ولم يشاهدوه".
وفي السنوات الأخيرة وحدها قتل مسلح 23 شخصا في إلباسو بولاية
تكساس حيث نشر مانفيستو القوميين البيض والمواد المعادية للمهاجرين على الإنترنت. وقال
فيه إنه قرر القيام بهجوم "ردا على غزو الهسبانون لتكساس".
في شباط/ فبراير 2019 اعتقل ضابط خفر سواحل قدم نفسه على
أنه "قومي أبيض" بعدما خزن أسلحة وقائمة اغتيال لرموز إعلامية وحكومية وحكم
عليه بالسجن مدة 13 عاما في 2020. وقتل 9 أعضاء في كنيسة للسود في تشارلستون بساوث
كاليفورنيا عام 2017، واعترف رجل عمره 22 عاما لـ"اف بي آي" بأنه كان يريد
إعادة نظام الفصل العنصري وبدء حرب عرقية.
لكن الوكالات الحكومية ركزت كل جهودها خلال العقدين الماضيين
في التحقيق ومراقبة المسلمين في أمريكا والخارج. وفي 2019 قال "أف بي آي"
إن نسبة 80% من عملائه في مكافحة الإرهاب يركزون على الإرهاب الدولي والنسبة الباقية
تركز على الإرهاب المحلي.
ومع ملاحقة الحكومة "الإرهاب الإسلامي" فقد تم تقييد
الحقوق المدنية للمسلمين في أمريكا وهو ما قاد إلى معاناة المسلمين الأبرياء. وتم اعتقال
أكثر من ألف شخص في الأشهر التي أعقبت هجمات 9/11 وتم التحقيق مع آلاف آخرين في وقت
وضعت فيه المساجد وأحياء المسلمين تحت الرقابة.
وزادت جرائم الكراهية ضد المسلمين بعد الهجمات وظل فوق مستوى
ما قبل الـ2001 من ذلك الوقت. وقالت ميلر- إدريس: "بعض التدخلات التي قامت بها الحكومة
كانت معادية للمسلمين. ولهذا فقد عززوا حسا إسلاموفوبيا ومشاعر معادية للمهاجرين".
ويرى مايكل جيرمان، العميل الخاص السابق في "أف بي آي"
والذي كان متخصصا في الإرهاب المحلي أن التباين في التركيز الذي منح للاعبين المسلمين
المزعومين ودعاة التفوق العرقي الأبيض، كان في تزايد حتى قبل هجمات 9/11. وبعد الهجمات
صدرت بالطبع قوانين جديدة بما فيها قانون الوطنية الذي منح الحكومة صلاحيات أوسع لمراقبة
واستهداف الأمريكيين. ومنحت وزارة العدل سلطات إضافية للتحقيق مع أشخاص بدون سجل
إجرامي سابق.
وقال جيرمان، الذي يعمل الآن في برنامج مركز "برينان
للعدالة والحرية والأمن القومي" إن الصلاحيات ركزت كلها على المسلمين الأمريكيين
وركزت أقل على دعاة التفوق العرقي الأبيض. وقال: "هناك تباين في الطريقة التي
استهدف فيها "أف بي آي" المسلمين الأمريكيين الذين تحدثوا بكلام لم يعجب
الحكومة أو كانوا على علاقة بأشخاص لا تحبهم الحكومة أو شكت بهم الحكومة لمجرد كونهم
مسلمين ولم يرتكبوا جريمة أبدا ولم يرتبطوا أبدا بجماعة إرهابية مقارنة مع دعاة التفوق العرقي الأبيض، بل، والفشل
حتى في توثيق الجرائم التي ارتكبها". وأضاف جيرمان أنه في مرحلة ما بعد تفجير مركز التجارة العالمي "جاءت مصادر ضخمة من وحدة المهام
الخاصة المشتركة ضد الإرهاب وجهود مكافحة الإرهاب". و"كل هذا ركز على الإرهاب
المحتمل من المسلمين".
وفي تدقيق رسمي بوزارة العدل تم عام 2010 وجد أن عدد العملاء
المخصصين للتحقيق في الإرهاب المحلي في الفترة 2005- 2009 لم يتجاوز الـ330 من
مجموع 2,000 محقق في مجال الإرهاب. ويقول جيرمان إن القرار بعدم التركيز على الإرهاب
المحلي لم يكن استراتيجيا فقط لكن بسبب التأثير والمال، في وقت قامت فيه الصناعات والمشرعين
بالضغط على "أف بي آي" بل ودفعه إلى عدم التركيز على الجماعات المعارضة للرأسمالية
والمنظمات الداعية لحماية البيئة.
وقال جيرمان: "كان "أف بي آي" بحاجة للمصادر
المالية ولكي يحصل عليها فإن عليه إقناع الكونغرس. ويعمل هذا بسرعة حال وجد رعاة أثرياء
يريدون المساهمة في حملاته"، و"لهذا كان على "أف بي آي" بناء قاعدة
دعم له داخل مجتمع الأثرياء وكيف يعمل هذا؟ حسنا، بالذهاب إلى مدراء الشركات الكبرى
وإخبارهم، كما تعرف، بحاجته لمزيد من المصادر، وهو ما يمنح مجالس الشركات الكبرى تأثيرا
على ما يقوم به ’أف بي آي‘".
"وما لم تقله المجالس هذه هو أن هناك مجتمعات أقلية
في الولايات المتحدة مستهدفة من دعاة التفوق العرقي الأبيض، فماذا ستفعلون من أجله؟"،
يقول جيرمان. ويضيف: "لا لم يكونوا يقولون هذا، وهو أن هذه الجماعات المعادية
للشركات تسبب ضيقا وهناك إمكانية لكي تتحول إلى العنف".
وعندما حاولت الحكومة ووكالات الاستخبارات توسيع قاعدة جمع
البيانات في مرحلة ما بعد 9/11 فقد استعانت بهذه الشركات التي وجدت أن لديها ورقة للمقايضة
ما أدى لإزالة جماعات التفوق العرقي الأبيض عن القائمة الرئيسية. وقال جيرمان إن
"الشركات العملاقة لديها معلومات خاصة عن الأمريكيين والحصول على هذه المعلومات
أصبح مهما لـ"أف بي آي"، ومن هنا أصبح استرضاء هذه الشركات جزءا من المهمة"
و"إلى جانب هذا كانت هناك مشكلة عنصرية عالقة داخل "أف بي آي" وعلى
الطرف الأخير من المنظور هناك أشخاص إما عنصريون بشكل واضح أو عنصريون بشكل غير واضح،
ولأن المتفوقين البيض لم يهددوا مجتمعاتهم فهم لم يتعاملوا معهم كتهديد". كما أن"العميل
الأبيض الذي يذهب إلى بيته في أحياء البيض لا يرى الكثير من حليقي الرؤوس الذين يثيرون
مشاكل في مجتمعه".
وفي عام 2020 ظهرت إشارات عن تركيز على هذه الجماعات حيث
قالت وزارة الأمن الداخلي إنها "أكثر التهديدات المستمرة والقاتلة على الوطن"،
لكن هذا التحرك لم يأت إلا عندما ناشد دونالد ترامب جماعة "براود بويز"
في مناظرته الانتخابية أن "جهزوا أنفسكم". وتردد ترامب في شجب جماعات البيض
العنصرية. وكانت تصريحاته حول أحداث تشارلوتسفيل عن "الطرفين" دليلا على
أنه يضفي الشرعية على اليمين المتطرف.
ودعا ترامب في نيسان/ إبريل 2020 ووسط انتشار كوفيد-19 أنصاره
قائلا: "حرروا ميتشغان".. بعدما أمرت حاكم الولاية الديمقراطية غريتشن ويتمر السكان
بالبقاء في بيوتهم، ورد مسلحون مشاغبون على مقر الولاية. ووجه "أف بي آي"
اتهامات في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 لستة أشخاص كانوا يخططون لاختطاف حاكمة الولاية.
وربما كان الهجوم على ميتشيغان بروفة قاتمة لما سيحدث في 6 كانون الثاني/ يناير عندما
اقتحم متظاهرون الكونغرس.
ولم يبد جوزيف بايدن ترددا في وصف جماعات العرق الأبيض بأنها
"أكبر تهديد قاتل" على الأمريكيين وأعلنت إدارته عن خطط واسعة لمعالجة المشكلة.
ويرى بي دبليو سينغر، الاستراتيجي الذي عمل كمستشار للجيش
الأمريكي والمخابرات و"أف بي آي" والزميل حاليا في معهد "نيو أمريكان"
إن زيادة خطر دعاة التفوق العرقي الأبيض معقدة ولا يمكن نسبتها لعدم اهتمام الوكالات
الاستخباراتية بها، ولكنها لم تساعد عندما لم تعمل على وقفها.
ربما ذهب ترامب لكن تملق الجمهوريين لليمين المتطرف لم ينته،
وفي آب/ أغسطس دافع مو بروكس، النائب الجمهوري عن ألاباما عن أحد أنصار ترامب الذي هدد
بتفجير الكابيتال هيل. وغرد بروكس: "مع أن هذا هو دافع إرهابي لكنه لم يعرف بعد.
وبشكل عام فأنا أتعاطف مع غضب المواطن الموجه ضد الديكتاتورية الاشتراكية وتهديدها
للحرب ونسيج المجتمع الأمريكي".