سياسة دولية

المليارديرة الحسناء "هولمز" المتهمة بالاحتيال.. ما قصتها؟

كانت هولمز "أصغر مليارديرة عصامية في العالم"، حسبما أطلقت عليها مجلة فوربس الشهيرة للمال والأعمال- جيتي

بدأت محاكمة المليارديرة إليزابيث هولمز، التي أسست عام 2003 شركة رعاية صحية، بتهمة الاحتيال، بعدما أوهمت الناس بإمكانية إجراء سلسلة من الفحوصات الطبية ببضع قطرات دم فقط.

 

ويبدأ اختيار هيئة المحلفين في محكمة اتحادية في سان خوسيه بولاية كاليفورنيا، تليها المرافعات الافتتاحية الأسبوع المقبل.

من المتوقع أن تستمر محاكمتها من 3 إلى 4 أشهر، وتواجه هولمز تهمتين بالتآمر لارتكاب عملية احتيال، و10 تهم بالاحتيال، بحسب "بي بي سي" البريطانية.

 

وتواجه هولمز، المصنفة من بين أصغر مليارديرات العالم، بعد أن نجحت في جذب ملايين الدولارات من كبار المستثمرين والسياسيين في الولايات المتحدة، تهم احتيال إلكتروني بشأن مزاعم كاذبة قدمتها حول فعالية اختبارات الدم التي أجريت باستخدام التقنيات الجديدة التي ابتكرتها ثيرانوز، والتي زعمت أن نقطة دم كافية لإجراء ما يصل إلى 240 فحصا.

 

قضية هولمز مثال عن ثقافة "زيفها حتى تصنعها" في وادي السيليكون، والتي ساعدت في دفع الشركات الناشئة في المنطقة إلى ثروات وقوة اقتصادية في عام 2018.

وجهت وزارة العدل الاتهامات لها ولشريكها في العمل، صديقها السابق راميش بالواني، المعروف باسم صني، وستبدأ محاكمة السيد بالواني في أوائل العام المقبل.

جمعت شركة ثيرانوس أكثر من 700 مليون دولار، قبل أن تسقط عن عرشها، ومن أوائل المستثمرين في الشركة مؤسس أوراكل لاري إليسون، إلى جانب تيم درابر مؤسس شركة رأس المال المغامر المرموقة في سيليكون فالي "DFG"، الذي كان صديقا لعائلة هولمز.

 

اقرأ أيضا: وفاة صاحب أكبر عملية احتيال مالي في تاريخ أمريكا
 

ما قصتها؟ 

 

وكانت هولمز "أصغر مليارديرة عصامية في العالم"، حسبما أطلقت عليها مجلة فوربس الشهيرة للمال والأعمال، و"خليفة ستيف جوبز"، كما وصفتها مجلة أعمال أخرى وضعت صورتها على غلافها.

كانت إليزابيث هولمز تتربع على عرش المجد عام 2014 وهي في الثلاثين من عمرها. لقد تركت جامعة ستانفورد، وأسست شركة تبلغ قيمتها 9 مليارات دولار؛ لإحداث ثورة في تشخيص الأمراض.

وقد استثمر في شركتها أيضا كبار الشخصيات، مثل وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر، وقطب الإعلام الشهير روبرت مردوخ.

وبحلول عام 2015، بدأت الأشياء تتداعى، وفي غضون عام، اتُّهمت هولمز بالاحتيال، إذ لم تنجح التكنولوجيا التي روجت لها على الإطلاق، وبحلول عام 2018، انهارت الشركة التي أسستها.

والآن تواجه هولمز، البالغة من العمر 37 عاما، عقوبة بالسجن قد تصل إلى 20 عاما، إذا ثبتت إدانتها بنحو 12 تهمة بالاحتيال.

كما كشف محامو هولمز، الأسبوع الماضي، أنهم سيتقدمون للمحكمة بمرافعة تفيد بأن عشيقها السابق وشريكها التجاري، راميش "صني" بالواني، أساء إليها جنسيا، وسيطر عليها عاطفيا، تزامنا مع ارتكاب الجرائم المزعومة، ما أضر بحالتها العقلية، وأثر عليها نفسيا.

لكن بالواني، البالغ من العمر 56 عاما، والذي يواجه نفس تهم الاحتيال، وصف هذه المزاعم بأنها "شائنة"، إلا أن الأمر يعود لهيئة المحلفين في أن تقرر إذا ما كانت ستحكم على المرأة التي خدعت الكثيرين، ومن بينهم رجالات دولة ووزراء، بقسوة أم بتعاطف.

على الرغم من تناول كتاب لقصة هولمز، وإنتاج شركة شبكة HBO الأمريكية برنامجا وثائقيا عنها، فضلا عن التحضير لمسلسل تلفزيوني وفيلم سينمائي عنها، لا يزال سبب خوض هولمز مثل هذه المقامرة ورهانها على تكنولوجيا تعلم أنها غير مجدية أمرا مبهما.

نشأت هولمز في أسرة ميسورة الحال في واشنطن العاصمة، وكانت طفلة مهذبة، لكنها انعزالية، وفقا لأشخاص يعرفونها.

ويرى المخترع ورجل الأعمال ريتشارد فيز، البالغ من العمر 81 عاما، أنها لا بد تعرضت لضغط هائل من قبل محيطها لتحقيق النجاح. وتجاورت عائلة فيز مع عائلة هولمز لسنوات، لكن خلافا نشب بين الطرفين، عندما رفعت شركة ثيرانوس التي تملكها هولمز دعوى قضائية ضد فيز، بسبب نزاع على براءة اختراع في عام 2011 (تمت تسويته لاحقا).

ويقول فيز إن والدي هولمز قضيا جل حياتهما المهنية موظفين بيروقراطيين في الكابيتول هيل (الكونغرس)، لكنهما "كانا مهتمين جدا بالمكانة الاجتماعية، وحرصا على إقامة العلاقات والصلات مع الشخصيات المرموقة"، كما يضيف أن الجد الأكبر لوالدها أوجد خميرة "فليشمان"، التي غيرت صناعة الخبز في الولايات المتحدة، وكانت الأسرة مدركة لرفعة نسبها.

في سن التاسعة، كتبت إليزابيث الصغيرة رسالة إلى والدها، تعلن فيها أن ما "تريده حقا من الحياة هو أن تكتشف شيئا جديدا لم تكن البشرية تعتقد أنه قابل للتحقيق".

عندما التحقت بجامعة ستانفورد في عام 2002 لدراسة الهندسة الكيميائية، توصلت إلى فكرة عن لصاقة يمكنها كشف أي التهابات لدى من يضعها، وإطلاق المضادات الحيوية حسب الحاجة.

وتقول فيليس غاردنر، الخبيرة في علم العقاقير الإكلينيكي بجامعة ستانفورد، لـ"بي بي سي"، إنها ناقشت مع هولمز فكرة اللصاقة التي توضع على الجلد التي اقترحتها، وأخبرتها أنها "لن تنجح".

وتتذكر أنها لم تبد أي تردد بشأن فكرتها، "وبدت واثقة تماما من تألقها، لم تكن تعير اهتماما لخبرتي، وكان ذلك أمرا مزعجا".

صعود صاروخي


بعد أشهر، تركت هولمز الدراسة الجامعية، وغادرت ستانفورد حين كانت في الـ19 من عمرها، وأطلقت شركتها ثيرانوس، لكن هذه المرة جاءت بفكرة ثورية على ما يبدو، لفحص الدم عن طريق وخز بسيط في الأصبع.

افتتن بها الكثير من النافذين ورجال الأعمال، واستثمروا في شركتها من دون الاطلاع على أي وثائق.

وزير الخزانة الأمريكي جورج شولتز، ووزير الدفاع السابق جيمس ماتيس، وعائلة والتون التي تعتبر أغنى عائلة أمريكية، كانوا من بين مؤيديها وداعميها.

منحها الدعم وكذلك سلوكها اللطيف مصداقية كبيرة.

 

اقرأ أيضا: تضخم ثروات المليارديرات لمستويات قياسية رغم "كورونا"

يقول الدكتور جيفري فلاير، العميد السابق لكلية الطب بجامعة هارفرد، الذي التقى بها في عام 2015: "كنت أعلم أنها جاءت بهذه الفكرة الرائعة، وأنها تمكنت من إقناع كل هؤلاء المستثمرين والعلماء".

ويضيف الدكتور فلاير، الذي لم يقيّم رسميا تلك التقنية: "لقد كانت واثقة من نفسها، ولكن عندما سألتها عدة أسئلة حول التكنولوجيا التي تستخدمها، لم تبد أنها على دراية وفهم بها، بدا الأمر غريباً بعض الشيء، لكن لم يخطر في ذهني أنها عملية احتيال".

انتهى الأمر بالدكتور فلاير بدعوتها للانضمام إلى مجلس زملاء كلية الطب، الأمر الذي أبدى أسفه حياله، على الرغم من أنه عاد واستبعدها بعد الفضيحة.

وبدأ الوضع بالتدهور عام 2015، عندما أثار البعض مخاوف بشأن "إيديسون"، جهاز الاختبار الرائد في شركة هولمز.

وكتبت صحيفة وول ستريت جورنال سلسلة من التحقيقات السلبية، تزعم أن النتائج التي صدرت عن شركة هولمز غير موثوقة، وأن الشركة كانت تستخدم في معظم اختباراتها آلات متاحة تجاريا، صنعتها شركات أخرى.

تراكمت الدعاوى القضائية، وقطع الشركاء العلاقات مع شركة ثيرانوس التي أسستها هولمز، ومُنعت هولمز عام 2016 من تشغيل خدمة فحص الدم لمدة عامين، وفي عام 2018 حُلت الشركة.

جانية أم ضحية؟


في آذار/ مارس عام 2018 تمكنت هولمز من التوصل لتسوية بخصوص التهم المدنية المقدمة من قبل المنظمين الماليين، بأنها جمعت عن طريق الاحتيال 700 مليون دولار من المستثمرين.

ولكن بعد ثلاثة أشهر، قُبض عليها وعلى شريكها بلواني، بتهم بالاحتيال والتآمر.

ويزعم المدعون أنها ضللت المرضى عن عمد بشأن الاختبارات، وبالغت إلى حد كبير في مستوى أداء الشركة لدى الداعمين الماليين.

لكن أُفرج عن هولمز بعدها بكفالة، وفي عام 2019 تزوجت من ويليام بيلي إيفانز، وريث سلسلة فنادق إيفانز هوتيل غروب، ورزقا بطفل في يوليو/ تموز من العام الحالي.

تقول إميلي دي بيكر، نائبة المدعي العام السابقة في لوس أنجلوس والخبيرة القانونية: "لا أعتقد أن كونها أماً جديدة سيؤثر على المحاكمة، ولكن من المرجح أن يأخذ القاضي ذلك في الاعتبار إذا ثبتت إدانتها".

وبعد فضيحة ثيرانوس، يرى المتابعون أن تشبث هولمز بروايتها الأولى أمر ملفت للنظر. ووفقا لوثائق المحكمة، من المقرر أن يدفع محاموها بأنها "كانت تعتقد بصدقية شركتها، وبأنها مشروع تجاري ربحي وقيّم للمستثمرين".

ومن المرجح أيضا أن يدّعوا أن السلوك المسيطر المزعوم لشريكها السابق بلواني "قضى على قدرتها على اتخاذ القرارات".

ويقول المحامون أيضا إن بلواني، الذي شغل منصب كبير مسؤولي العمليات في الشركة، والذي سيحاكم بشكل منفصل العام المقبل، كان يتحكم في طريقة لباسها، وأكلها، وحديثها، لأكثر من عقد من الزمن. كما سيطلبون تقييم طبيب نفسي متخصص في الاعتداءات الجنسية.

تقول دي بيكر: "أصعب شيء في أي قضية تنطوي على احتيال هو إثبات وجود النية المسبقة للاحتيال لدى الشخص، لذا سيتعين على المدعين استخدام رسائلها النصية ورسائل البريد الإلكتروني، لمناقشة فيما إذا كانت تعلم أن التكنولوجيا التي استخدمتها شركتها غير فعالة، لكنها ادعت نجاحها رغم ذلك".