مقالات مختارة

لماذا قلنا إنه في ورطة فإما الرجوع إلى المسار الدستوري أو الاستعداد للكارثة؟

1300x600

البيان الرسمي الأمريكي  تحدّث عن "رسالة من الرئيس بايدن  يحثّ فيها على العودة السريعة إلى مسار الديمقراطية البرلمانية في تونس"..

وعبارة "الديمقراطية البرلمانية" تعني بوضوح ضرورة استئناف نشاط البرلمان التونسي سريعا ورفع التجميد عنه..  والتخلّي عن إدارة البلاد بمقتضى سياسة الأمر الواقع و السلطات التي منحها قيس لنفسه.

كما تضمن البيان "الحاجة الملحّة إلى تعيين رئيس وزراء مكلف لتشكيل حكومة قادرة على معالجة الأزمات الاقتصادية والصحية العاجلة التي تواجه تونس"..

 وأنّ مصطلح "رئيس وزراء" يقع استعماله في الأنظمة البرلمانية كمرادف لرئيس الحكومة.. ولذلك يقال مثلا رئيس الوزراء البريطاني أو رئيس الوزراء الهندي.. واستعمال ذلك التعبير في البيان الأمريكي المقصود به هو رئيس حكومة وليس رئيس وزراء لدى قيس سعيّد و ترجمة ذلك عمليا هو مطالبة الرجل  بضرورة التخلّي  عن استحواذه على سلطات الحكومة بعزله رئيسها وعدم تعيين رئيس جديد عوضه.. ووقف مواصلة الحكم بمفرده كرئيس جمهورية ورئيس حكومة في آن واحد..

كما أورد البيان الأمريكي ضرورة إفساح المجال "لحوار شامل حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية المقترحة استجابة للمطالب التي أعرب عنها العديد من التونسيين على نطاق واسع لتحسين مستويات المعيشة بالإضافة إلى الحكم الصادق والفعال والشفاف."..

وهو ما يعني بوضوح دعوة صريحة إلى الحوار السياسي بتونس.. الذي رفضه ولا يزال قيس سعيّد يرفضه.. ودفعا ضمنيّا لضرورة إشراك المجتمع المدني وكلّ القوى السياسية والأحزاب في ذلك الحوار حول إصلاح النظام السياسي والقانون الانتخابي.. وأن لا يقتصر على حلول فرديّة مسقطة منه وحده دون إشراك بقيّة الأطراف..

و من هنا يتضح أن مشروع فيس سعيد في واد والمطالب الأمريكية في واد آخر.

والسؤال هو هل يمكن لقيس التملص من الطلبات الأمريكية؟

يذكر أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة قامت برعاية الانتقال الديمقراطي في تونس منذ الإطاحة بنظام بن علي في جانفي 2011.. وقدّمت عدّة مساعدات مالية وتقنيّة وبشريّة في الغرض..
كما أبرمت عدّة اتفاقيات أمنية وعسكرية مع تونس.. وتقدم لها معلومات عالية الأهمية في محاربة الإرهاب وحماية حدودها من المخاطر الخارجية.. وتبّنت طيلة السنوات السابقة برنامج تدريب وإصلاح وتطوير للجيش التونسي والأجهزة الأمنية.. ولذلك فهي تقول إنها استثمرت في الانتقال الديمقراطي التونسي وبالتالي فإن لها مصلحة أكيدة في نجاحه.

كما  تتمتع أمريكا بنفوذ كبير على سائر المؤسّسات الدولية المقرضة لتونس.. وعلى رأسها صندوق النقد الدولي الذي يموّل منذ سنوات ميزانية الدولة التونسية.. كما أنها قدّمت  ضمانات مكّنت تونس من الحصول على تمويلات من السوق الماليّة العالميّة..

ولا شك أنّ توقف صندوق النقد الدولي وصناديق الاتحاد الأوروبي والمؤسّسات المالية العالمية التي تدور في فلكها عن إقراض تونس وتمويل ميزانيتها من شأنه أن يؤدّي إلى انهيار العملة الوطنية وإفلاس الدولة وعجزها عن دفع الأجور وخلاص ديونها السابقة وتوفير حاجياتها الضرورية.. أي بمعنى آخر حلول الكارثة بالبلاد.

 ومن اللافت هذا الاهتمام الأمريكي المركز (الثالث منذ 27 جويلية) بالأوضاع في تونس في وقت تبدو فيه أمريكا هذه الأيام منشغلة بالأوضاع الحارقة في أفغانستان وفي الملف الإيراني. وهذا الاهتمام يؤكد أن الموضوع التونسي ارتقى إلى المستويات الاستراتيجية الأمريكية و تجاوز مسائل الحريات والديمقراطية مما يحيلنا إلى الأوضاع المتحركة في ليبيا، وفي هذا تتقاطع المصالح الأمريكية مع المصالح الجزائرية فضلا عن الاعتبارات الجيوستراتيجية المتصلة بالصراعات الدولية بين أمريكا والصين وروسيا.

 

(عن صفحته الشخصية على فيسبوك)