كشف موقع "ميدل إيست آي"
البريطاني عن تعرض رئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي، الذي أعلن الرئيس قيس سعيد
إقالته، لاعتداء جسدي في القصر الرئاسي الأحد الماضي، قبل موافقته على الاستقالة
من المنصب.
وأشار الموقع، في تقرير ترجمته
"عربي21"، إلى أن مصادر مقربة من المشيشي أبلغته بوقوع الاعتداء الجسدي،
لكنه لم يتحقق من طبيعة الإصابات التي تعرض لها، لأنه لم يخرج علنا منذ إقالته.
وأوضح أن المصادر
المطلعة أفادت بأن الإصابات التي تعرض لها المشيشي كانت كبيرة، وقال أحد المصادر
إن الإصابة كانت في الوجه، وهذا سبب عدم ظهوره علنا حتى الآن.
ولفت الموقع إلى أن المشيشي استدعي إلى القصر
الرئاسي يوم الأحد، وهناك أعلن سعيد انقلابه، وإقالة المشيشي، وتعليق عمل البرلمان،
ونقل عن مصدر مقرب من رئيس الوزراء قوله إن "رؤساء الأمن الذين رافقوه إلى
القصر لم يكونوا جزءا من الخطة، لكن الجيش كان كذلك".
وقال إن رئيس البرلمان راشد الغنوشي لم يتم استدعاؤه إلى القصر؛ لأنه خرج لتوه من المستشفى الذي كان يعالج فيه، بعد إصابته
بفيروس كورونا.
ونقل الموقع البريطاني عن مصادر، أن المشيشي
رفض طلبات التنحي عن رئاسة الحكومة، وآخرها يوم الأحد، وعقب ذلك تعرض للضرب،
وأشارت مصادر إلى أن أشخاصا "غير تونسيين" كانوا في القصر ذلك الوقت.
وقال الموقع إنه فهم أن الأفراد غير
التونسيين الذين تواجدوا بالقصر، ليلة الانقلاب، كانوا "مسؤولين أمنيين
مصريين، وكانوا يقدمون المشورة لسعيد قبل الانقلاب، ويوجهون العمليات هناك، ومن غير
الواضح ما هو الدور الذي لعبوه في استجواب المشيشي".
اقرأ أيضا: تحقيق مع "النهضة" و"قلب تونس" بتلقي تمويل خارجي
ونقل عن مصدر قوله "إن عبد الفتاح
السيسي عرض تقديم كل الدعم الذي يحتاجه سعيد من أجل الانقلاب" وأضاف:
"تم إرسال عسكريين وأمنيين مصريين إلى تونس، بدعم كامل من ولي عهد أبو ظبي
محمد بن زايد".
وعقب الاعتداء عليه،
رفع المشيشي يديه، ووافق على الاستقالة، وعقب ذلك وافق رؤساء أجهزة الأمن على بيان
سعيد، وعاد رئيس الوزراء إلى منزله لاحقا، ثم نفى تقارير لوسائل الإعلام المحلية
بأنه كان قيد الإقامة الجبرية.
وفي اليوم التالي، أصدر المشيشي بيانا، قال
فيه إنه لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال عنصرا من المشكلة التي تعقد الوضع
في تونس"، وأنه سيسلم المسؤولية للشخص الذي سيكلفه الرئيس عقب المداولات.
وقال الموقع إن انقلاب
سعيد يتبع الخطة التي نشرها في أيار/ مايو الماضي، والتي كتبها المستشارون
المقربون من سعيد، وحددت القيام بحملة تطهير أو مواجهة اعتقالات جماعية، ستتم
بعد الإعلان عن ما يشار إليه بـ"الانقلاب الدستوري".
ولفتت الوثيقة إلى أن سعيد سيعلن
"دكتاتورية دستورية"، وجاء فيها أنها أداة لتركيز كل السلطات في يد
الرئيس".
ومن بين الشخصيات التي
وردت أسماؤها في الوثيقة المنشورة من
حركة النهضة رفيق عبد السلام وكريم الهاروني وسيد الفرجاني، ونواب كتلة الكرامة، وغازي القرعاوي وسفيان توبال، ورجال أعمال ومستشارون، وشخصيات أخرى عديدة.
ورغم إنكار الرئاسة في بادئ الأمر وجودها،
إلا أن سعيد اعترف بأنه قرأها، ثم ادعى في تصريحات تلفزيونية أنه "لا يمكنه
تحمل مسؤولية النصيحة التي يتلقاها".
ونقل "ميدل إيست آي" عن مصادر
رئاسية قولها "إن سعيد أصدر تعليماته إلى مسؤوليه بوضع قائمة أهداف بالأشخاص
الذين يتم اعتقالهم لتمهيد الطريق، وتوليه السيطرة على كل من القضاء المدني
والعسكري".
وفي مرسوم صدر في ساعة
متأخرة من مساء الثلاثاء، أقال سعيد العميد القاضي توفيق العيوني الذي ترأس
المحاكم العسكرية.
كما أقال الرئيس عددا
من كبار المسؤولين الحكوميين، من بينهم الأمين العام للحكومة، ومدير مكتب رئيس
الوزراء، وعدد من المستشارين.
ومع ذلك، تواجه هذه
التحركات مقاومة مؤسسية، حيث رفض مجلس القضاء الأعلى قرار سعيد بتنصيب نفسه كضابط
قانوني كبير فعال في الحكومة.
وقال المجلس في بيان
عقب اجتماعه مع سعيد، إنهم أكدوا على استقلال القضاء، و"ضرورة إبعاده عن كل
الخلافات السياسية، وأن القضاة مستقلون، ولا سلطان عليهم في قضائهم إلا القانون،
ويقومون بواجباتهم في نطاق الدستور".
وجاءت تصريحات المجلس
في الوقت الذي وردت فيه أنباء عن قيام قوات الأمن التونسية بمداهمة منزل راشد
خياري، النائب الذي سبق أن نطح الرؤوس مع سعيد، واجه سعيد بملفات اتهمه فيها بالفساد، وبحسب التقارير المحلية، لم يكن
النائب في المنزل وقت المداهمة.
وفي أبريل الماضي، نشر
الخياري مقطع فيديو على حسابه بموقع فيسبوك، اتهم فيه سعيد بتلقي دعم وتمويل أجنبي
لتعزيز فرصه بالفوز في الانتخابات الرئاسية لعام 2019، وزعم حينها أنه يمتلك وثائق
ومقاطع فيديو تظهر تلقي سعيد 5 ملايين دولار من خلال مدير حملته فوزي الدعاس من
ضابط استخبارات يعمل في السفارة الأمريكية في باريس.
ونفت السفارة
الأمريكية في تونس مزاعم خياري، فيما تقدم دعاس بشكوى قضائية ضده.
ولفت "ميدل إيست
آي" إلى أنه فهم وجود معارضة كبيرة، عبر العديد من المكالمات الدولية، للخطوة
التي أقدم عليها سعيد بالانقلاب على السلطات، وأشار إلى أن مسؤولين أمريكيين قالوا إنهم غير راضين عن آخر التطورات، وكانت واشنطن مترددة في وصفه بالانقلاب.
وقال إن معلومات تفيد
بأن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أبلغ كلا من سعيد وساسة معارضين بارزين أن
بلاده "لن تسمح بأن تقع تونس تحت النفوذ السياسي والعسكري لمصر".
وأوضح أن الجزائر
تعتبر كلا من ليبيا وتونس مناطق نفوذ مشروعة، وستكون "قلقة بشكل خاص من وجود
ضباط أمن مصريين في قصر قرطاج".
كما نقل الموقع عن
مصادره أن فرنسا لم تتلق أي تحذير مسبق بشأن التحركات التي قام بها سعيد.
وقال الموقع
البريطاني، إن علاقة سعيد بالمشيشي كانت مضطربة للغاية منذ ترشيحه للمنصب، رغم أنه
كان اختيار الرئيس، بعد انهيار حكومة الفخفاخ.
وبعد حكومة التكنوقراط
للرئيس، والتي قبلها حزب النهضة، رغم التحفظات عليها، قالت وكالة بلومبيرغ، إن سعيد
حث بعض الكتل في البرلمان، الذي شهد انقساما حادا، على التصويت ضدها لأسباب غير
واضحة.
تاليا الترجمة الكاملة بحسب ما ترجمتها "عربي21":
قالت مصادر مقربة من رئيس الوزراء التونسي المستقيل هشام المشيشي إنه تعرض لعدوان بدني عليه داخل القصر الرئاسي مساء الأحد قبل أن يوافق على الاستقالة من منصبه.
لم يتسن التأكد من طبيعة الإصابات التي لحقت به حيث أن المشيشي نفسه لم يشاهد على الملأ منذ ذلك الحين.
إلا أن مصادر ميدل إيست آي المطلعة على الأمر أكدت أن إصابات الرجل البالغ من العمر سبعة وأربعين عاماً كانت "كبيرة".
وقال أحد المصادر: "كانت لديه إصابات في الوجه، ولهذا لم يظهر في العلن."
وكان المشيشي قد استدعي إلى القصر الرئاسي يوم الأحد حيث أقاله الرئيس قيس سعيد من منصبه، وأعلن تعليق البرلمان وتولى السلطات التنفيذية بعد يوم من الاحتجاجات الشديدة ضد الحكومة.
وأوضحت مصادر مقربة من رئيس الوزراء في تصريحات لميدل إيست آي إن المسؤولين الأمنيين الذين رافقوه إلى القصر لم يكونوا جزءاً من الخطة بينما كان الجيش ضالعاً فيها.
أما راشد الغنوشي، رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة الإسلامية التونسية المعتدلة فقد أفلت من الاستدعاء إلى القصر، وذلك أنه كان قد سرح من المستشفى لتوه بعد تلقي العلاج من الإصابة بكوفيد 19.
وطبقاً للمصادر فقد طلب من المشيشي، الذي كان خيار قيس سعيد لمنصب رئيس الوزراء، مرة أخرى التنحي من منصبه يوم الأحد.
وذلك أنه رفض حتى ذلك الحين مراراً وتكراراً الاستقالة بسبب خلاف نشب حول تعيين أربعة من الوزراء في الحكومة.
تقول المصادر إنه حينما رفض المشيشي تنفيذ ما طلب منه تعرض للضرب. وعلم موقع ميدل إيست آي أن "عناصر غير تونسية" كانت حينها متواجدة داخل القصر.
وتنامى إلى علم ميدل إيست آي أن الأفراد المتواجدين كانوا مسؤولين أمنيين مصريين ممن كانوا يشيرون على قيس سعيد قبل الانقلاب ويديرون العمليات بينما كانت تجري على قدم وساق، ولم يتسن معرفة الدور الذي لعبه هؤلاء في التحقيق مع المشيشي.
وقال أحد المصادر في تصريح لميدل إيست آي: "عرض {الرئيس المصري عبد الفتاح} السيسي على قيس سعيد كل الدعم الذي يحتاجه للقيام بالانقلاب وسعيد قبل ذلك منه."
وأضاف المصدر: "تم إرسال عناصر من الجيش والأمن المصري إلى تونس بدعم كامل من {ولي عهد أبوظبي} محمد بن زايد."
يقال إن المشيشي بعد ذلك رفع يديه إلى أعلى مستسلماً ووافق على الاستقالة. وعند تلك اللحظة وافق المسؤولون الأمنيون الذين كانوا يرافقونه على إعلان الرئيس.
فيما بعد عاد المشيشي إلى منزله حيث نفى أنباء نشرت في وسائل الإعلام المحلية مفادها أنه موجود تحت الإقامة الجبرية.
ويوم الاثنين أصدر رئيس الوزراء المستقيل بياناً قال فيه إنه لا يمكنه أن يكون "بأي شكل عنصراً معطلاً أو جزءاً من المشكلة التي تعقد الوضع التونسي."
وجاء في البيان: " إنّني سأتولّى تسليم المسؤولية إلى الشخصية التي سيكلّفها السيّد رئيس الجمهورية لرئاسة الحكومة في كنف سنّة التّداول التي دأبت عليها بلادنا منذ الثورة وفي احترام للنّواميس الّتي تليق بالدولة، متمنّيا كلّ التوفيق للفريق الحكومي الجديد."
تواصل موقع ميدل إيست مع الرئاسة التونسية ومع المشيشي للحصول على تعليق على الأمر ولكن لم يتلق جواباً من أي منهما حتى موعد النشر.
قيد الإعداد منذ شهور
تنطبق الإجراءات التي تم اتخاذها يوم الأحد إلى حد كبير مع خطة عمل كان مستشارو قيس سعيد المقربون منه قد وضعوها في شهر مايو / أيار ونشرها في حينه موقع ميدل إيست آي.
رسمت الخطة معالم حملة تطهيرية أو موجة من الاعتقالات الجماعية ستجري بعد الإعلان عما أشير إليه بعبارة "انقلاب دستوري".
وقالت الوثيقة إن قيس سعيد سيعلن عن "انقلاب دستوري" قال واضعو الوثيقة إنه سيكون بمثابة الأداة التي سيتم اللجوء إليها "لتركيز جميع السلطات في يد رئيس الجمهورية."
ثم حددت الوثيقة أهدافاً لحملة التطهير التي ستشن علي المعارضين السياسيين، وقالت الوثيقة إن الأشخاص المهمين سيوضعون تحت الإقامة الجبرية: "من حركة النهضة .... نور الدين البحيري، رفيق عبد السلام، كريم الهاروني، سيد الفرجاني. ونواب كتلة الكرامة غازي القروي وسفيان طوبال، وكذلك رجال أعمال، وبعض مستشاري ديوان رئيس الوزراء، إلخ."
في البداية نفت الرئاسة وجود الوثيقة، وذلك قبل أن يقر قيس سعيد نفسه بأنه قرأها، ثم ادعى في تصريحات تلفزيونية أنه لا يتحمل المسؤولية عن نصيحة وصلته.
إلا أن مصادر رئاسية أبلغت موقع ميدل إيست آي أن قيس سعيد وجه المسؤولين بوضع قائمة بالناس المستهدفين والذين قد يتم إلقاء القبض عليهم.
ومن باب تمهيد الطريق لذلك، أحكم قيس سعيد قبضته على القضاء المدني والقضاء العسكري معاً وأعلن نفسه نائباً عاماً.
وفي مرسوم أصدره في وقت متأخر من يوم الثلاثاء، أقال قيس سعيد العميد القاضي توفيق العيوني الذي كان يترأس القضاء العسكري.
كما أقال الرئيس عدداً من كبار المسؤولين في الحكومة، بما في ذلك أمين عام الحكومة، ومدير مكتب رئيس الوزراء وعدداً من المستشارين.
إلا أن هذه التحركات قوبلت بمقاومة من المؤسسات، حيث رفض مجلس القضاء الأعلى قرار قيس سعيد تنصيب نفسه بمثابة المسؤول القانوني الأعلى في الحكومة.
وقال المجلس في بيان بعد الاجتماع مع قيس سعيد إن أعضاءه أكدوا على استقلالية القضاء وعلى "الحاجة إلى النأي به عن الخلافات السياسية، وأن القضاة مستقلون، وأنه لا توجد سلطة تعلو قضاءهم سوى القانون، وأنهم مستمرون في أداء مهامهم ضمن إطار الدستور."
جاءت تصريحات المجلس في نفس الوقت الذي وردت فيه أنباء عن مداهمة قوت الأمن التونسية منزل النائب في البرلمان راشد خيري الذي كان قد تصدى لقيس سعيد من قبل. وبحسب التقارير المحلية لم يكن المشرع موجوداً في منزله لحظة مداهمة قوات الأمن له.
وكان خيري قد نشر مقطع فيديو في شهر إبريل / نيسان على صفحته في فيسبوك اتهم فيه قيس سعيد بتلقي دعم وتمويل أجنبي من أجل تعزيز فرص نجاحه في الانتخابات الرئاسية لعام 2019.
وزعم خيري أن بحوزته وثائق وفيديوهات تثبت أن قيس سعيد تلقى خمسة ملايين دولار أمريكي من خلال مدير حملته فوزي الدعاس وذلك من ضابط مخابرات يعمل في سفارة الولايات المتحدة بباريس.
إلا أن سفارة الولايات المتحدة في تونس نفت مزاعم خيري بينما رفع ضده الدعاس شكوى قضائية.
كما تم فتح قضايا ضد ثلاثة أحزاب معارضة رئيسية بما في ذلك النهضة وقلب تونس بسبب شكوك بتلقيها أموالاً من جهات أجنبية خلال حملة انتخابات عام 2019.
تعتبر النهضة وقلب تونس من أكبر الأحزاب في البرلمان الذي يتسم بالفسيفسائية ومن أكبر معارضي قيس سعيد.
أوردت وكالة رويترز يوم الأربعاء أن التحقيق في الأحزاب فتح في الرابع عشر من يوليو / تموز قبل أن يقيل قيس سعيد رئيس الوزراء ويجمد البرلمان ويرفع الحصانة البرلمانية عن أعضاء البرلمان.
في تلك الأثناء، وعلى أثر التحركات التي قام بها قيس سعيد، أصر القضاء التونسي على بقائه مستقلاً.
أما من الناحية الدبلوماسية فقد علم موقع ميدل إيست آي أن قيس سعيد ووجه بمعارضة كبيرة ضمن المكالمات التي تلقاها منذ أن بسط نفوذه على السلطة التنفيذية.
ويقال إن المسؤولين الأمريكيين قالوا للرئيس إنهم في غاية الامتعاض بسبب التطورات الأخيرة، وذلك على الرغم من أن واشنطن ما لبثت مترددة في نعت سلسلة الأحداث في البلد بأنها انقلاب.
والأهم من ذلك أن موقع ميدل إيست آي بلغه بأن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أبلغ قيس سعيد وزعماء المعارضة بأن الجزائر لن تقبل بأن تقع تونس تحت النفوذ السياسي والعسكري لمصر.
وذلك أن الجزائر تعتبر ليبيا وتونس كلاهما ضمن دائرة نفوذها المشروعة، ولسوف تشعر الجزائر بقلق بالغ خصوصاً إزاء تواجد ضباط الأمن المصريين في قصر قرطاج يوم الأحد.
وبحسب المصادر يبدو أن فرنسا لم يكن لديها علم مسبق بالتحركات التي اتخذها قيس سعيد.
علاقة مضطربة
يقال إن علاقة قيس سعيد بالمشيشي كانت مضطربة جداً منذ أن رشحه لمنصب رئيس الوزراء في الصيف الماضي بعد انهيار حكومة إلياس الفخفاخ.
في البداية قدم المشيشي، الذي اختاره قيس سعيد بنفسه، للرئيس حكومة مشكلة من تكنوقراط، وهو قرار حاز على موافقة النهضة، أكبر حزب في البرلمان، "على الرغم من تحفظاتها."
ومع ذلك قالت وكالة بلومبيرغ إنه قبيل موافقة البرلمان على حكومة المشيشي، حث قيس سعيد بعض الكتل على التصويت ضده لأسباب لم تكن واضحة.
وفي لحظة ما في العام الماضي، ساءت العلاقة بين الرجلين مما تمخض عنه تحول المشيشي إلى النهضة وقلب تونس طلباً للدعم.
وفي يناير / كانون الثاني، بدل المشيشي أحد عشر وزيراً كجزء من تعديل حكومي اعتبر في حينه بمثابة استبدال لحلفاء قيس سعيد بحلفاء النهضة وقلب تونس.
إلا أن قيس سعيد رفض دعوة الوزراء الجدد لأداء القسم أمامه، وصرح بأن التعديلات شابتها "المخالفات".
وفي فبراير / شباط، طالب الاتحاد العام للشغل المتنفذ أربعة من الوزراء المقترحين الذين رفضهم الرئيس – وهو وزراء الصحة والطاقة والشغل والرياضة – بالتنحي.
وقال نور الدين الطبوبي رئيس الاتحاد: "لابد من التنازل .. أطالب الوزراء المقترحين محل النزاع بأن يتخلوا عن مناصبهم لمصلحة الدولة."
ويوم الأحد، في أول رد فعل على إعلان قيس سعيد، ناشد الغنوشي بشكل شخصي الطبوبي التدخل "لاستعادة الديمقراطية."
إلا أن الاتحاد القوي، الذي يمثل ما يقرب من خمسة بالمائة من سكان تونس، قبل بتحرك الرئيس، وصرح بأن الرئيس تصرف بموجب الدستور لمنع خطر داهم ولاستعادة الأداء الطبيعي للدولة.
لم يلبث قيس سعيد مثيراً للجدل، فقد اتهم لأول مرة بالإعداد لانقلاب في شهر إبريل / نيسان بعد يومين من زعمه بأنه يملك من الناحية القانونية السيطرة على أجهزة الأمن المحلية.
حينها قال المشيشي إن تصريحات قيس سعيد تؤكد الحاجة الملحة لتشكيل محكمة دستورية، وهي التي من المفروض أن تكون الوحيدة المخولة للبت في مسائل مثل من يملك السيطرة على جيش البلاد.
وكان البرلمان قد أجاز تعديلاً على قانون المحكمة الدستورية خفض بموجبه عدد الأصوات المطلوبة للموافقة على تشكيل المحكمة الدستورية من 145 إلى 131، إلا أن قيس سعيد رفض المقترح.
أعاد قيس سعيد مشروع القانون دون توقيع ووجه خطاباً إلى البرلمان قال فيه إنه لم يكن لديه خيار سوى رفض مشروع القانون نظراً لأن البرلمان أخفق في الالتزام بمتطلب دستوري مفاده أنه ينبغي تأسيس المحكمة خلال سنة من الانتخابات التشريعية، والتي كان آخرها في أكتوبر / تشرين الأول من عام 2019.
وقال سعيد حينذاك: "بعد خمس سنين، بعد غفوة طويلة، تذكروا الآن المحكمة الدستورية."
أقدم قيس سعيد يوم الاثنين على إحكام قبضته على السلطة من خلال فرض حظر عام للتجول ما بين السابعة مساء والسادسة صباحاً، كما فرض حظراً على اجتماع أكثر من ثلاث أشخاص. كما تم تقييد الحركة بين المدن بموجب سلطات الطوارئ الشاملة.
في هذه الأثناء حثت حركة النهضة، التي انتقدت لمسؤوليتها عن التعطل المزمن للحياة السياسية ولتدهور الأوضاع الاقتصادية، أنصارها على البقاء في منازلهم لضمان السلم وقالت إنها "على استعداد للتوجه نحو انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة في نفس الوقت من أجل حماية العملية الديمقراطية."
لطالما أشير إلى تونس باعتبارها النجاح الوحيد في حكاية الربيع العربي. وكانت الثورات العربية قد انطلقت من تونس بعد أن أقدم محمد بوعزيزي، الخريج الجامعي الذي لم يجد عملاً سوى كبائع خضار، على حرق نفسه في ديسمبر / كانون الأول من عام 2010.
ينظر إلى هذه الديمقراطية اليافعة على أنها المفتاح لاستقرار المنطقة، حيث أنها تقع بين الجزائر التي تواجه اضطراباً سياسياً وليبيا التي مزقتها الحروب الداخلية، وهي المنطقة التي يغادرها سنوياً الآلاف من المهاجرين البائسين عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، ويلقى الكثيرون حتفهم غرقاً قبل الوصول إليها.