سياسة عربية

مسؤولان سابقان يطرحان معضلة الديموغرافيا والإصلاح بالأردن

المعشر: "عقل الدولة كان يقول، وأزعم أنه ما زال، إن كلفة الإصلاح أعلى من عدمه"
دعا مسؤولان أردنيان إلى "العدالة في تمثيل مكونات الشعب الأردني في البرلمان" في إشارة منهم إلى المكون من أصول فلسطينية.

واتفق كل من نائب رئيس الوزراء الأسبق مروان المعشر، واللواء المتقاعد نائب رئيس مركز الأمن والأزمات الأسبق رضا البطوش، على ضرورة أن "تراعي مخرجات أي قانون انتخاب البعدين الديموغرافي والجغرافي".

وحول هذه الهواجس يرى المعشر أن "الهوية الوطنية الأردنية اليوم يجب أن تكون هوية جامعة بموجب المادة السادسة من الدستور الأردني، هذه الهوية فيها مكون شرق أردني ومكون من أصول فلسطينية، وشركسي، وشامي، لا نستطيع بناء دولة حديثة ونحن نعيش في هواجس الماضي"، داعيا إلى تمثيل عادل بناء على الجغرافيا والتعداد السكاني في البرلمان لتحصين الجبهة الداخلية والتصدي للمشروع الصهيوني.

وقال: "حان الآن الوقت للانتقال إلى مجلس نواب يراعي بشكل أكثر واقعية تركيبة الشعب الأردني، والبعد الجغرافي يمكن معالجته من خلال مجلس الأعيان، حان الوقت لبناء حداثية لا تعتمد على الأصل واللغة والدين حسب الدستور".

أما اللواء المتقاعد البطوش فشدد على أنه "لا يوجد توافق وطني حول التمثيل في قانون الانتخاب، لكن ما ذكره المعشر لا بد منه وتحقيق العدالة والتوازن من خلال التدرج الآمن"، مشيرا إلى أن "الأردني هو مواطن له حقوق وكفلها الدستور، وهنالك تخوفات يمكن حلها بالتدرج في التمثيل النسبي".

تصريحات المسؤولين جاءت مساء السبت في ندوة عقدها مركز دراسات الأمة في العاصمة عمان بعنوان "الإصلاح السياسي في الأردن.. المفهوم والإمكان"، وناقشت الندوة جدية السلطات الأردنية بإجراءات إصلاحات سياسية عقب إعلان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عن تشكيل لجنة لتحديث المنظومة السياسية في حزيران/ يونيو الماضي.

وأجاب المعشر حول سبب الإحباط وعدم الثقة باللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بالقول إن "التجارب السابقة لا تعطي الكثير من الأمل حتى يشعر الإنسان بأن هذه المرة مختلفة، لذلك فإن التشكيك مشروع جدا كون التجارب السابقة لم تؤد إلى نتيجة، وكون جميع نتائج التجارب الإصلاحية السابقة كانت جيدة لكنها ارتطمت بالحاجز الأمني، وعلى سبيل المثال فإن الأجندة الوطنية في عام 2005 التي أشرفت عليها لم تكن هنالك إرادة سياسية لتنفيذها".

وأضاف: "عقل الدولة كان يقول، وأزعم أنه ما زال، إن كلفة الإصلاح أعلى من عدمه، من يقول إن كلفة الإصلاح أقل من عدمه قلة قليلة جدا في الحكم، العقلية السائدة في الحكم ترى أن كلفة الإصلاح عالية ولا يمكن تحملها".

ويجيب المعشر عن سؤال لـ"عربي21" عن سر التوقيت في إطلاق مشروع إصلاحي جديد، وعلاقته بأحداث داخلية مثل "قضية الفتنة" و"وجود إدارة ديمقراطية في البيت الأبيض"، ويقول: "لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، لست قريبا من صانع القرار، لكن أستطيع القول إن الظروف الخارجية تغيرت، الدولة الأردنية اعتمدت على أداتين لضمان السلم الأهلي في البلاد وهما: الأداة الأمنية، والمالية.. والأمنية واضحة أما المالية فكانت تعتمد على نظام ريعي يحصل على الأموال بشكل كبير من الخارج وينفقها بشكل غير إنتاجي. أما اليوم فالدولة الأردنية فقدت هاتين الأداتين؛ القبضة الأمنية موجودة لكن الخوف منها لم يعد كما كان بعد الربيع العربي، والأدوات المالية تغيرت اعتبارا من عام 2014 حين تدنى سعر النفط لما دون الـ100 دولار، وحين توقفت المساعدات الخليجية بالكامل خصوصا من السعودية التي باتت تأتي على شكل مشاريع وليس نقدا للخزينة، ولا تستطيع الدولة أن تدير البلاد كما كانت تديرها في السابق، وأزمة كورونا عمقت الوضع المتردي في البلاد، فنحن نتكلم عن 50% بطالة بين الشباب، ولا أعرف ما إذا كانت الدولة تدرك حجم المصاعب السياسية والاقتصادية".

ويتابع المعشر في رده على "عربي21": "الوضع القائم ليس قابلا للاستمرار لا سياسيا ولا اقتصاديا".

وليست هذه المرة الأولى التي يطلق فيها الأردن مشاريع إصلاحية، إذ شهد الأردن سابقا عدة "مشاريع ولجانا إصلاحية" لكنها لم تر النور، كان أبرزها في عام 2011 على وقع الربيع العربي عندما شكل الملك عبد الله الثاني لجنة الحوار الوطني.

إلا أن اللجنة التي شهدت استقالات من عضويتها لم تفلح في إجراء تغييرات في الحياة السياسية.

وأطلق العاهل الأردني سلسلة الأوراق النقاشية، ومبادرات سياسية مثل "الأردن أولا"، و"كلنا الأردن"، و"الأجندة الوطنية"، و"وثيقة الأردن"، وكلها بقيت حبرا على ورق، وبقيت قوانين الانتخاب تفرز نوابا لا يمثلون الغالبية العظمى من الشعب (29.9 بالمئة فقط من شارك في الاقتراع بانتخابات 2020).

اللواء المتقاعد البطوش قال في الندوة إن "النهج القائم في إدارة الدولة إذا ما استمر فستكون له كلف كبيرة على استمرارية وديمومة الدولة في ظل بيئة استراتيجية بالغة التعقيد وسريعة التغير، وفي ظل عدو متربص يسعى إلى حل القضية الفلسطينية على حساب الوطن، حيث إن الملف الفلسطيني لم يغلق بعد، وكذلك الملف السوري، وعلى شعبنا أن يدرك أن ما يجري في الإقليم مؤامرة سياسية دولية لصالح إسرائيل ستلقي بظلالها على أمننا الوطني، ومن أهدافها غير المعلنة إذابة الدول التي تشكلت بموجب اتفاقية سايكس بيكو وتقف حجر عثرة أمام ذوبان الهوية الوطنية الفلسطينية، والذي يجب أن يسبقه ذوبان الهوية الوطنية الأردنية التي تقف بصلابة مع الفلسطينيين والحفاظ على هويتهم وجذوة نضالهم المتقدة".

ويتابع: "لمواجهة ما يهدد هويتنا الوطنية الأردنية فإن مؤسسات الدولة يرفدها الشعب الأردني يجب أن تقف ضمن منهج تخطيطي استراتيجي تتمخض عنه هياكل تنظيمية للدولة، وقدرات تكيف استراتيجي قادرة على الصمود.. والإصلاح السياسي الذي لا يأخذ في الاعتبار الأطماع الإسرائيلية سيكون مدعاة لتهديد أمننا الوطني، حيث إن وطننا يقع ضمن منطقة التأثير الإسرائيلي".

وأشار إلى أن ما يمر به الأردن من ‏إشكالية في التعامل مع الأزمات الداخلية ناتج عن ما وصفه "بالتفرد الأمني في إدارة الشأن العام وتعطيل مؤسسات الوطن الدستورية، ‏واستهداف المؤسسات الوطنية كما جرى مع نقابة المعلمين والشخصيات السياسية والوطنية والتضييق عليهم، وقمع الحريات العامة ‏وتفتيت العشائر، واستمرار حالة الفساد في مؤسسات الدولة وعدم محاسبة من تسبب بالفشل في مختلف المجالات السياسية ‏والاقتصادية والاجتماعية ما فاقم من فجوة الثقة والاحتقان الشعبي".

وشدد البطوش على "ضرورة توفر الإرادة السياسية لتحقيق التنمية السياسية والإصلاح والسير بالخطى نحو حكومات برلمانية ذات ولاية ‏عامة، وتجسيد مبدأ الشعب مصدر السلطات، وتحقيق الشراكة الشعبية في صنع القرار، وتعزيز الحريات العامة، وإقرار قانون انتخابات ‏يعبر عن الإرادة الشعبية عبر استراتيجية آمنة ومتدرجة وفق إطار زمني متفق عليه لتحقيق الإصلاح المنشود بما يحمي النظام ‏السياسي، ويحقق مصالحة وطنية شاملة ويلغي نهج الإقصاء".

ودعا البطوش الملك عبدالله الثاني إلى "قيادة ثورة بيضاء للتغيير قبل فوات الأوان، ‏وبما يحقق المصالح العليا للوطن والمواطن".

وأكد البطوش ضرورة ضمان المشاركة السياسية لجميع المواطنين على أساس الهوية الوطنية الجامعة، وتحقيق التنمية الاقتصادية ‏عبر إعادة النظر بالنهج الاقتصادي القائم على أساس الجباية، وإطلاق الحريات العامة والإفراج عن كافة معتقلي الرأي وإطلاق حوار ‏وطني للتوافق على مسار الإصلاح وإجراء انتخابات نيابية جديدة على أساس قانون انتخابات يعبر عن الإرادة الشعبية بشكل متدرج وآمن.‏