أطل على إيران فجر يوم قديم، ويجب ألا نتوقف عن الكتابة عن جلاد طهران الذي سيعيد إيران إلى أيدي المحافظين· بعد فترتين في المنصب للرئيس البراغماتي حسن روحاني وحكومة معتدلة نسبياً، عادت السيطرة في إيران إلى المحافظين المتطرفين.
إبراهيم رئيسي، الجلاد من طهران، رئيس السلطة القضائية، والرجل الذي من المقرر أن يجعل إيران أكثر تحفظاً وفقراً وعدوانية وتهميشاً، فاز في الانتخابات بأقل نسبة مشاركة في تاريخ النظام. فعل المرشد علي خامنئي كل ما في وسعه لضمان وضع الرئاسة في أيدي المحافظين الرئيسيين، لكن ليس سراً أن رئيسي ليس بالضبط المفضل لدى الجميع. يأتي النقد العالمي له من اليمين واليسار.
لم ينس العالم أن رئيسي نال لقبه الجلاد من طهران، لأنه كان مسؤولاً عن إعدام الآلاف من معارضي النظام الذين سُجنوا بزعم دعم أعداء الثورة. وكان من بين القتلى رجال دين لم يتماشوا مع المؤسسة. بينما تناقش وسائل الإعلام العالمية والمنفيون الإيرانيون تاريخ رئيسي المظلم، لم يتم ذكره على الإطلاق خلال الحملة الانتخابية: لم يواجه هذه القضية في أي من المناظرات التلفزيونية الثلاث، ولم يتم استخدامها كسلاح ضده من قبل أي من المرشحين الآخرين. ليس من المستغرب أن أحداً لم يحاول تحدي «حبيب» المرشد الأعلى، الذي من المقرر أن يخلفه بعد وفاته.
والسبب في أن أكثر من 50 من الإيرانيين لم يصوتوا، وقدم 13 آخرون أوراق اقتراع فارغة احتجاجاً، هو أن النتائج كانت مزورة لصالح رئيسي، ولم يكونوا مهتمين بالمشاركة في خدعة سياسية.
كما تم التعبير عن الانتقادات داخل النظام؛ إذ أعرب مسؤول كبير في ديوان المرشد الأعلى عن انتقاده في السر، وشدد على التحديات التي تواجه النظام فيما يتعلق بالإقبال على الانتخابات. بعد يوم واحد فقط من الانتخابات، نشرت وكالة الأنباء الإيرانية «بورنا نيوز» بياناً غير عادي لوحيد حقانيان، المسؤول الكبير في مكتب خامنئي. شكر منافسي رئيسي الثلاثة المتبقين على مساهمتهم كي يبدو الأمر أنه منافسة وفي زيادة الإقبال بما يفوق التوقعات. في اليوم التالي، أدانت وكالة أنباء تسنيم، الموالية لـ«الحرس الثوري» الإيراني، بقسوة حقانيان، مشيرة إلى الأضرار التي لحقت بالزعيم ومن حوله من خلال بيانه. أراد خامنئي أن يكون رئيسي رئيساً، وامتثلت الإدارة بأكملها لضمان حدوث ذلك. لكن ما أهمية اختيار خامنئي للرئاسة، وماذا يعني ذلك بالنسبة لمستقبل إيران؟
يعكس انتخاب رئيسي اتجاهاً تتزايد فيه قوة المحافظين الراديكاليين تماشياً مع المصلحة العليا للمرشد الأعلى في الحفاظ على ما يراه من قيم الثورة بعد وفاته. تهدف رئاسة رئيسي إلى تعزيز قبضة المحافظين والموالين لخامنئي، بالنظر إلى تقدمه في السن. قد يكون المقصود أيضاً إعداد رئيسي ليحل محل خامنئي عندما يأتي اليوم، أو على الأقل زرع حليف مخلص في موقع السلطة، والذي سيساعد خامنئي في الترويج لمرشحه المفضل للخلافة.
في غضون ذلك، من المتوقع أن يجعل رئيسي المجتمع الإيراني أكثر تعصباً، ويقيد الحريات الفردية والوصول إلى الإنترنت، ومتابعة عدوان إيران الإقليمي. الموضوع الأكبر على جدول الأعمال هو الاتفاق النووي. وقد عبّر رئيسي عدة مرات في الماضي عن وجهات نظر تتماشى مع الخط الرسمي الإيراني، الذي يؤكد أن استئناف الاتفاق النووي مرهون برفع العقوبات أولاً، وتلبية مطالب إيران. لم يتضح بعد ما إذا كانت إيران تقدم مطالب متطرفة لأغراض المساومة، أو ما إذا كانت غير مهتمة باتفاق على الإطلاق، لكن من المرجح ألا يشكل رئيسي صوتاً معتدلاً على طاولة صنع القرار.
تأمل دول المنطقة ألا تكون إدارة الرئيس جو بايدن على استعداد لتلبية مطالب الرئيس الجديد أو تغيير الاتفاقية بطريقة من شأنها أن تغرق المنطقة بأكملها في المياه العميقة الآسنة من دون مخرج. في الوقت نفسه، يفقد النظام الإيراني الذي يسعى إلى إظهار قوته للعالم الخارجي شرعيته في الداخل. كان من المفترض أن يكون الاتفاق النووي هو الضوء في نهاية النفق للشعب الإيراني الذي يعيش في خضم أسوأ أزمة اقتصادية منذ سنوات. كان رفع العقوبات هو الأمل الأخير للإيرانيين، لكن هذا يتراجع أيضاً ويضعهم في حفرة من اليأس الاقتصادي. يأس قائم على فقدان الثقة الكامل بالحكومة واليوم القديم الذي بزغ بعد الانتخابات.
هنا يأتي دور العملاء الذين هيأتهم إيران ليوم الضيق. يوم الجمعة الماضي ألقى الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله خطاباً عن الوضع الداخلي اللبناني وتحدث عن استيراد النفط من إيران بالليرة اللبنانية. هذا الكلام ينطلي على الناس البسطاء، السذج الذين يعتقدون أن الدفع بالليرة يوفر على البلد التصرف بالعملات الصعبة التي تتوافر في المصرف المركزي أي بقية ودائع الناس. وهذا دجل.
لذلك لا بد من التوضيح أن كل ليرة سيدفعها لبنان إلى إيران ستصرف إما من دولارات الناس لدى المركزي (الاحتياط الإلزامي) وإما دولارات التحويلات الواردة للبنان من اللبنانيين لمساعدة أهاليهم، وإما بطبع الليرة ما يؤدي إلى تدهور قيمتها أكثر وأكثر، ففاتورة النفط التي يدفعها اللبناني هي ذاتها سواء كانت لـ Exxon Mobile أو لإيران، إلا أن نصر الله يسعى لإفادة إيران أولياء نعمته الذين هم في حاجة ملحة إلى بيع نفطهم لتغطية مصاريفهم وواحدة منها تكلفة «حزب الله». والأنكى أن نصر الله «يربح اللبنانيين جميلة» على ما يفعله وأنه يعمل لأجلهم ويظهره وكأنه كرم حاتمي من إيران.
مأساة ما يحصل أن «حزب الله» تاجر عبر الحدود الفالتة قصداً بالبضائع المدعومة من الدولة بعملية سرقة موصوفة، وبما أن الدعم سينتهي قريباً، ها هو يسعى لنهب احتياطي المركزي بما يسميه شراء نفط بالليرة من إيران، ومن المؤكد عند صرف ما تبقى من الاحتياط الإلزامي لدى المصرف المركزي سيصوب على الذهب.
والبشع في الأمر أن يتبرع المشاركون في المؤامرة مع «حزب الله» على لبنان، بالقول إن خزانات النفط السورية صارت ملأى بالنفط الإيراني الموجه إلى لبنان، ويسألون «سيدهم» ماذا ينتظر ليأمر بالبدء في إيصاله إلى لبنان، لكن المضحك في الأمر أن السفارة الإيرانية كذبتهم بكذبة هي الأخرى، إذ نشرت صباح السبت تغريدة تحمل صورة لسفينة قالت إنها إيرانية وتقف على الشواطئ اللبنانية بانتظار تفريغ حمولتها للشعب اللبناني الشقيق. على «التركيبة» الأولى نرد، لماذا لا يتم تفريغ النفط الإيراني في سوريا فيتوقف حزب «أشرف الناس» عن تهريبه من لبنان إلى سوريا وينقذ اللبنانيين ومن بينهم بيئته من الذل ساعات طويلة أمام محطات البنزين في لبنان؟ أما بالنسبة لخدعة السفارة الإيرانية فقد نفت الدولة اللبنانية أن تكون طلبت ذلك، ولم يجرؤ الحزب على إنزال نفط «الصورة»، في أي خزان في مناطقه.
للعلم هناك عقوبات دولية أهمها أميركية على إيران وتطال كل من يتعامل مباشرة أو بشكل غير مباشر معها. إن استيراد النفط من إيران سيضع لبنان على لائحة عقوبات ستجعل أي تعامل أو اتصال مصرفي تجاري أو استثماري من المستحيلات، وهكذا ستغلق البنوك المراسلة العالمية حسابات البنوك اللبنانية وتتوقف عمليات التحويل المصرفية إلى لبنان ومنه، وما يعني ذلك من تأثر الناس الذين يعتاشون من حوالات أولادهم وأهلهم في المغتربات. هذا عدا عن توقف عمليات الاستيراد ليس فقط بسبب فقدان وسيلة الدفع المالي بل لأن الشركات المصدرة ستلتزم بإجراءات العقوبات خوفاً من أن يطالها ما يرتب عليها خسائر فادحة بالمليارات تدفع إلى الخزانة الأميركية. وفي حال استمرار التعامل مع إيران ستطال العقوبات الطيران اللبناني وقطع غيار المصانع والمعدات بما فيها الطبية كلها ولن يرد قرع الصدور أو «فدا السيد» هذه العقوبات.
أيضاً هناك أمر أساسي يجب أن ندركه وهو أن نصر الله منذ اليوم الذي ألغى فيه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الاتفاق النووي مع إيران وضاعف العقوبات عليها، ونصر الله يسعى لإشراك إيران في مشاريع في لبنان توفر للبلد المحاصر عملة صعبة، وقد نادى بشراء صواريخ للجيش اللبناني وأن يبني المقاولون الإيرانيون شبكه أنفاق لمعالجة أزمة السير، وأن يشيدوا محطات كهرباء ومصافي للنفط ومحارق للنفايات. ويمنن نصر الله على الشعب اللبناني من عطاء وكرم الإيراني الذي يسعى لحل مشاكله، والحقيقة أن الأمين العام يجتهد لحل مشاكل إيران المخنوقة بحبل العقوبات والذي جفف كل منابع العملات الصعبة، ولو على حساب لبنان وشعبه. وليدخل بعدها لبنان في العقوبات الدولية. لا يهم.
وينفي نصر الله أن هناك أزمة محروقات وطاقة في إيران ويتهم كل من يقول هذا الكلام بالجهل وعدم المعرفة، مدعياً أن إيران تقوم بتصدير النفط لفنزويلا فكيف يكون لديها نقص؟ إذا صدق ادعاؤه فإن التصدير إلى فنزويلا على الأرجح يفاقم الأزمة المالية والاقتصادية الإيرانية لأن فنزويلا لا تملك ثمن النفط الإيراني وأكثر ما يمكن أن تدفعه هو بعض من إنتاجها الزراعي لا أكثر، وبالتالي فإن سعي نصر الله هو لمساعدة إيران على حساب ما تبقى من مال في لبنان. وللتذكير فقط اعترفت إيران بأنه تم إغلاق محطة بوشهر النووية لعدم سداد الديون المستحقة لروسيا. لذلك نرجو ألا يستورد نصر الله نفطاً إيرانياً أكثر من حاجة لبنان له، حتى يوفر البنك المركزي اللبناني ما تحتاجه إيران لسداد ديونها إلى روسيا!