قالت صحيفة "الغارديان" إن سحب المقرر التاريخي
المتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني وللمرة الثانية يثير مخاوف من عدم تعرف الطلاب
في بريطانيا على تاريخ النزاع وسط مزاعم التحيز في محتويات الكتب التاريخية المقررة
له.
وأضافت في تقرير ترجمته "عربي21" أن الحكومة حذرت المدارس وحثتها على ضرورة تقديم رؤية متوازنة للآراء المتضادة في النزاع
بين إسرائيل وفلسطين والذي قتل فيه الشهر الماضي أكثر من 250 شخصا وأدى إلى موجات احتجاج
في الفصول الدراسية ببريطانيا.
لكن
المدرسين قد يجدون صعوبة في تطبيق تعاليم الحكومة الأخيرة لأن مجلس الامتحانات الذي
يقدم مواد اختيارية في امتحانات "جي سي أس إي" قرر سحب الكتابين المقررين
بعد اتهامات بالتحيز لصالح إسرائيل.
وهذه
هي المرة الثانية التي تقوم فيها شركة طباعة ونشر المقررات التعليمية "بيرسون"
والتي تملك مجلس امتحانات إدكسيل بسحب الكتب من الرفوف. وكانت المرة الأولى في تشرين
الأول/أكتوبر 2019 عندما احتجت منظمة يهودية على محتويات الكتابين وقالت إنها تقدم
الرؤية الفلسطينية. وقامت شركة بيرسون بتعديل المقرر بناء على المقترحات التي تقدم
بها مجلس الممثلين اليهود، لكن الطبعات المعدلة أدت إلى احتجاج وشكاوى، جاءت هذه المرة
من "اللجنة البريطانية للجامعات الفلسطينية" (بريكاب).
ويرى
المؤرخون أن الحفاظ على المقرر وإن كان اختياريا مهم، في ظل العدد القليل جدا من المدارس
في بريطانيا التي تعطي المقرر. واختار المادة في هذا العام، فقط 1.100 طالب في 27 مدرسة،
26 منها في إنكلترا. وهو عدد قليل مقارنة مع عدد الذين اختاروا مادة التاريخ في امتحانات
"جي سي أس إي" لهذا العام وعددهم 148.678 طالبا.
ويقول
مايكل ديفيس، مدرس التاريخ السابق ومؤسس منظمة "براليل هيستوريز" (التواريخ
المتوازية) والتي تقدم مواد تعليمية عن النزاع من الجانبين إن خسارة هذه المادة يعني
اختفاء تدريس الشرق الأوسط من المقرر التعليمي. وقال: "المدرسون لا يريدون تدريسها
ليس لعدم اهتمامهم ولكن خشية اتهامهم بالتحيز. وغادر أعضاء لجنة الامتحانات المشهد
ولكن بيرسون، رغم أنها تتعرض للسخرية إلا أن العاملين فيها هم الأكثر تأهيلا".
ويدور
الجدال حول المقرر التاريخي لمادة "سي 1945- 1995" وهي اختيارية لطلاب "جي
سي أس إي"، ونشر المقرر لها في 2016 مع كتاب مرافق لها وهو "أي جي سي أس
إيه" (الشرق الأوسط: النزاع، الأزمة والتغير من 1917 – 2012) ونشر عام 2017.
وفي
عام 2019 بدأت "الفدرالية الصهيونية" بعريضة احتجاج على الكتابين وطالبت
بسحبهما. وطلبت شركة بيرسون من منظمة "براليل هيستوريز" فحص دقة محتويات
الكتابين. وقال ديفيس إن منظمته اقترحت بعض التغيرات في المصطلحات ولكنها "لم
تعثر على تحيز عام". لكن مجلس الممثلين اليهود وجمعية "محامون بريطانيون
من أجل إسرائيل" واصلوا الاحتجاج وقالوا إن الكتابين "متحيزان بشكل خطير
ضد إسرائيل".
وتم
سحب الكتابين من السوق وقاما بالتعاون مع بيرسون لعمل التغيرات في القضايا الخلافية
والتي تم تبنيها بدون دليل. فقد احتجت جمعية "محامون بريطانيون من أجل إسرائيل"
على وصف المقرر مذبحة دير ياسين عام 1948 بأنها "أسوأ مذبحة ارتكبت في الحرب"
وتجاهل المقرران ذكر "التغيرات الكبيرة" لمستويات الحياة للفلسطينيين في
غزة والضفة تحت الحكم الإسرائيلي.
ونشر
الكتابان المعدلان لمدة وجيزة عام 2020 ثم سحبا بعد احتجاج (بريكاب) التي عملت مع البرفسور
جون تشالكرافت من مدرسة لندن للاقتصاد وجيمس ديكنز، برفسور اللغة العربية بجامعة ليدز
وطلبت منهما مقارنة النسخة المعدلة بالنسخة الأصلية.
وقدم
الأستاذان تقريرا ذكر 294 مراجعة للنصين الأصليين وأن الغالبية منها متحيزة لوجهة النظر
الإسرائيلية. وجاء في التقرير أن "التعديلات قللت وبشكل مستمر من العنف اليهودي
والإسرائيلي وشرحته، فيما ضخمت ولم تشرح العنف العربي والفلسطيني" و"تم توسيع
أو ترك الروايات عن المعاناة اليهودية والإسرائيلية فيما تم التقليل من المعاناة العربية
والفلسطينية أو تعديلها".
وقال
البرفسور تشالكرافت إن من الأهمية تدريس الموضوع "فهو من الواضح مرتبط بالحاضر
وحيوي لتعليم الناس عبر مواد متوازنة".
وتقدم
منظمة "براليل هيستوريز" خطة عمل تستخدم في 200 مدرسة ومن بينها مدرسة هدرسفيلد
حيث تسمح للطلاب بمناقشة الرؤية من الجانبين وزيادة قدراتهم على النقاش. وقال مدير
قسم التاريخ بالمدرسة توماس بولتر- دانفورد إن هناك قيمة في تدريس الموضوعات الجدلية
و"يفتح عقول الطلاب لرؤية المناظير المختلفة ويتم التأكد من مشاركتهم النقدية
وتحليلهم للأدلة. وأعتقد أن من الضروري مواجهة المفاهيم الخاطئة في عصر التضليل المعلوماتي".
واستخدم بولتر- دانفورد النسخ الأصلية التي تم الاعتراض عليها في مادة التاريخ المقررة
لـ"جي سي أس إي" وقال: "لم ألاحظ أي خطأ كبير في الصياغة، ومع ذلك فإنني
أتفهم أن بعض الصياغات قد تفهم بطريقة مختلفة من الطرفين".
وقال
تشالكرافت إن النسخة الأصلية للمقرر "تعرف المستوطنين اليهود بطريقة مقبولة بأنهم
الذين يعيشون بمستوطنات في الضفة الغربية وغزة"، لكن النسخة المعدلة تصفهم بأنهم
من عادوا إلى قراهم التي طردوا منها في 1948 من بين أشياء أخرى. و"هذا تعريف سخيف
فيما يتعلق بالغالبية العظمى للمستوطنين اليهود الذين لم يطردوا عام 1948". و"في
النسخة الأصلية هناك صورة للأطفال وهم يخوضون في مياه الصرف الصحي، ولكن في النسخة
المعدلة تم وصفها بمجرد "أطفال من غزة"".
وقال
جون تيرنر، المدير التنفيذي لجمعية "محامون بريطانيون من أجل إسرائيل" إن
بيرسون لم تقبل كل التعديلات المقدمة ولكنه يعتقد أن النسخة الجديدة أقل تحيزا. وقال
إن تعريف المستوطنين اليهود لم يكن دقيقا لأن عددا مهما عاد إلى ما كان يطلق عليها
مجتمعات يهودية. أما الصورة فقد سألوا بيرسون لتقديم دليل إن كان الأطفال يخوضون في
مياه الصرف الصحي، ولكن الشركة حذفت الإشارة في التعليق عن مياه الصرف الصحي. وهاجم
جمعية "بريكاب" ووصفها بالتحيز ضد إسرائيل لأن أفرادها يدعون لمقاطعة كل
الجامعات الإسرائيلية. وقال تشالكرافت وديكسون إنهما قاما بعمل دقيق وغير متحيز عندما
راجعا الكتابين. وعلق تشالكرافت: "أنا باحث وتربوي لدي مصداقيتي في موضوع إسرائيل
وفلسطين ومؤهل للتعليق على تاريخهما".
وفي الوقت نفسه عبرت رئيسة مجلس الممثلين اليهود ماري فان دي زيل عن فخرها بالعمل مع بيرسون
لمعالجة التحيز في الكتابين وغياب السياق وعدم التطرق لجهود السلام. أما شركة بيرسون
فقد قال متحدث باسمها إنها "قررت تعليق توزيع الكتابين لحين جمع آراء أوسع واتخاذ
قرارات بناء عليها".