نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتب صمويل إيرل، قال فيه إنه كثيرا ما يقال إن المحافظين والصحافة اليمينية بارعون في تأجيج الانقسامات والحروب الثقافية في بريطانيا، ويفعلون ذلك ليبقوا في الحكم، ورئيس الحكومة بوريس جونسون يستخدم هذه الوسيلة كذلك للبقاء بالسلطة.
وقال: "لكن ربما يكون الأمر الأقل اعترافا به هو أنهم يفعلون ذلك في الغالب من خلال اختراع الانقسامات: أولئك الذين يناضلون من أجل سياسات أكثر شمولا يصبحون "غوغاء الصحوة" و"اليسار المجنون" وأولئك الذين يريدون أن يتعلم الطلاب عن الأجزاء المظلمة من تاريخ بريطانيا يصبحون "أناسا يكرهون بريطانيا"، والقضاة والسياسيون الذين يريدون اتباع الإجراءات البرلمانية الأساسية يصبحون "أعداء الشعب" و"المخربين" و"الخونة"، وهكذا".
وأضاف في التقرير الذي ترجمته "عربي21": "في كل مرة، يقال لنا إن مستقبل الأمة على المحك".
اقرأ أيضا: انتخابات بريطانيا: جونسون أقوى وحرب بالعمال.. وأسكتلندا للواجهة
وأوضح أن قسوة سردية "الحرب الثقافية" هذه تتركنا مع صورة صدع في قلب المجتمع البريطاني لا يمكن رأبه: بين الليبراليين المهووسين بسياسات الهوية الذين يعيشون، بالمعنى الحرفي أو المعنوي، في "شمال لندن"، والمحافظين الاجتماعيين المهمشين الذين يعيشون - أو بالأحرى "تُركوا"- في كل مكان آخر (أو باستخدام العبارة الأكثر عاطفية في "الجدار الأحمر" [المناطق العمالية]). وباتت هذه الإنشاءات الخيالية تشكل الآن الدعامات للخطاب المحافظ".
وقال إن "هذه الصورة لأمة مقسمة هي مجرد صورة. فقد أظهرت سلسلة من استطلاعات الرأي أننا لسنا منقسمين كما يعتقد الكثيرون منا. وتتوافق الآراء في ما يسمى بالجدار الأحمر إلى حد كبير مع بقية البلاد، وعلى الصعيد الوطني، قلة من الناس يعرفون ما تعنيه الحرب الثقافية أو الصحوة".
ومع ذلك، فلا يزال اليمين يدفع بهذه السردية بلا هوادة، منتقدا النخبة اليسارية التي تمكنت بطريقة ما من ممارسة الهيمنة على الثقافة البريطانية والابتعاد عنها بشكل ميؤوس منه.
وكما كتب عالم الاجتماع ويليام ديفيز: "في الحرب الثقافية، حدد أكثر الأمثلة عبثية أو غير منطقية من وجهة نظر خصومك ثم قم باستغلال وسيلة الإعلام الخاصة بك لتضخيمها؛ وقم بصياغة بديل بعبارات تبدو هادئة ومعقولة؛ ثم ادعُ الأشخاص للاختيار".
لذلك فإن المبالغة هي جوهر الحروب الثقافية: فهي معركة يشنها في الغالب رجال ضعاف المنطق، بحسب الصحيفة.
وأضاف الكاتب: "ليس من المستغرب أن يزدهر بوريس جونسون في هذه البيئة: صحفي بالمهنة وكاذب بطبيعته، فهو على دراية كاملة بالقوة التنشيطية لبعض المبالغة في الموضع المناسب. بصفته مراسل ’ديلي تلغراف‘ في أوروبا في التسعينيات، كتب جونسون جميع أنواع الاستفزازات الجامحة والمختلقة حول التجاوز التنظيمي للاتحاد الأوروبي".
وتابع بأنه "لم يكن الهدف من مبالغات جونسون أي أجندة سياسية معينة، بل بالأحرى تأجيج العداء". وقال جونسون في مقابلة مع راديو 4 في عام 2005: "كل ما كتبته من بروكسل كان له هذا التأثير المدهش والمتفجر على حزب المحافظين، وقد منحني هذا إحساسا غريبا بالقوة". كرئيس للوزراء، يتبع جونسون النهج نفسه، لكن لعبته أصبحت الآن الأمة ككل، بحسب الكاتب.
وقال: "يجب أن تحذرنا الهزلية وغياب الثقة اللذان يكمنان وراء معظم الحرب الثقافية من أحد الاتجاهات السائدة في الأدبيات المزدهرة في زمن الاستقطاب: إلقاء اللوم على بيولوجيا التطور والغريزة ’القبلية‘ المتأصلة التي نتشاركها".
وكتب الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز، عزرا كلاين، في كتابه الأخير الأكثر مبيعا "لماذا نحن مستقطبون؟": "الآلية تطورية [لأن] أدمغتنا تعلم أننا بحاجة إلى مجموعاتنا للبقاء". ولكن من خلال استحضار الماضي البدائي كمصدر لانقساماتنا، فإننا نغفل عن كل القوى والاستراتيجيات المعاصرة المصممة عن عمد لإثارة خلافاتنا والمبالغة فيها.
لم يكن مقدرا لأزمة المناخ أن تكون قضية خلافية، على سبيل المثال -لقد تطلبت، على حد تعبير عالم المناخ مايكل مان: "حملة العلاقات العامة الأكثر تمويلا وتنظيما في تاريخ الحضارة الإنسانية". ربما لم تتفق [قبائل] فلينستون [مسلسل كرتون فكاهي أمريكي حول طريقة عيش الإنسان الأول] على كل شيء أيضا، لكن على الأقل لم يكن لديهم شبكة "فوكس نيوز".
اقرأ أيضا: استطلاع: الشباب ببريطانيا يريدون إلغاء المَلكية
فالحرب الثقافية بهذا المعنى هي الخيال المطلق: "ما يبدو وكأنه معركة من أجل روح بلدنا هو عبارة عن تمثيلية يطلب منا فيها لعب دور المصارع والمتفرج في الوقت ذاته، ويجب علينا اختيار جانب. ويبدو أن الأمل هو أننا، وسط كل السجالات والمسرحيات، نفقد رؤيتنا لما يحبطنا حقا: في بريطانيا، هناك اقتصاد سيئ بشكل متزايد، تفرضه حكومة قاسية، مما تركنا نعاني من أسوأ نمو للأجور خلال 200 سنة، الخدمات العامة التي تعاني من نقص مزمن في التمويل ويعيش ثلث الأطفال في فقر -وهو بؤس يوازيه واحد من أبخل أنظمة الرعاية الاجتماعية في العالم المتقدم".
وقال: "مع ذلك، فإنه في حين أن المحافظين في السلطة لأكثر من عقد من الزمان، فهم المهندسون الرئيسيون لهذه الحالة الكئيبة والاستياء للأمة، فإنهم أيضا المستفيدون الرئيسيون منها. ولطالما برع المحافظون في تأجيج الاستياء وإعادة توجيهه إلى مكان آخر، والآن ليس الأمر مختلفا: فهم مرشحون واضحون للفوز في الانتخابات المقبلة، محققين رقما قياسيا بالفوز خمس مرات على التوالي".
وتابع: "لذا، حتى في خضم هذا الصعود الكلي والمقلق، سيظل المحافظون يصرون على أن اللوم على مشاكل بريطانيا يقع في مكان آخر. وتتجاوز هذه الاستراتيجية استراتيجية ’فرّق تسد‘ المعتادة. قيل عن الرومان وهيمنتهم الإمبراطورية أنهم ’يصنعون صحراء ويسمونها سلاما‘. ويحاول المحافظون تكتيكا مختلفا: اصنع صحراء وأطلق عليها حربا".
الإندبندنت: إسرائيل استخدمت مكونات عسكرية بريطانية بقصف غزة
بوبليكو: نقاش غير مسبوق حول سياسة أمريكا تجاه الاحتلال
الغارديان: خلافات داخل المحافظين حول فلسطين وأصدقاء إسرائيل أقوى