يقف الفلسطينيون أمام لحظة تاريخية فاصلة وغير مسبوقة. إنها انتفاضة شاملة من البحر الى النهر، أما القائمون عليها فهم أبناء الجيل الجديد، سواء من كان منهم داخل الخط الأخضر أو القدس أو الضفة الغربية أو قطاع غزة.. هو جيل جديد من الفلسطينيين ينتفض، وهي محطة تاريخية على النخبة السياسية أن تقرأها بالشكل الصحيح.
الانتفاضة التي اندلعت في الأرض الفلسطينية أنهت كافة أشكال الانقسام الداخلي، ووحَّدت الشارع من البحر الى النهر خلف مطالب واحدة، ولا ينقص هذه الانتفاضة سوى "قيادة موحدة" تقود هذا الجيل الجديد الذي كان يراهن الاحتلال على تخريبه وإلهائه، وهو الرهان الذي أصبح واضحاً أنه خسر، وأن السحر قد انقلب على الساحر.
ما يحدث في الأراضي الفلسطينية اليوم أنهى 15 عاماً عجاف من الانقسام الداخلي، وحقق مصالحة مجتمعية شاملة بدأت في الشارع، وهو الأهم، وعلى الفصائل أن تتماشى معها. ولم تتوقف وحدة الشارع عند الضفة والقطاع فقط، وإنما تمكنت هذه الانتفاضة من إعادة مليون و400 ألف فلسطيني كانوا مختطفين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وسرعان ما التحموا مع الحضن الأصلي لهم. هذه مصالحة تاريخية غير مسبوقة ولا تحتاج إلا لترجمتها على مستوى الفصائل لضمان أن تستمر وأن ينتهي الانقسام الداخلي الى الأبد.
تجربة "إضراب الكرامة" الذي تم تنفيذه يوم الثلاثاء الثامن عشر من مايو 2021 تؤكد وحدة الشعب الفلسطيني، والتفافه حول مطالب واحدة، كما تؤكد تجربة هذا الاضراب الذي هو الأكبر منذ العام 1936 أن الشارع لا يحتاج سوى لقيادة موحدة تدير فعالياته وحراكه وتعيده الى المربع الطبيعي الذي هو شعب تحت الاحتلال ويقاوم من أجل الحصول على حريته.
تبدو الضفة الغربية الأحوج لهذه القيادة، إذ أنَّ الشارع انتفض في وجه الاحتلال، وهذه الانتفاضة هي اللحظة التاريخية الفاصلة والحاسمة التي يتوجب على الفصائل الفلسطينية أن تقرأها وتفهمها وتتعامل معها قبل أن تضيع، إذ إن المطلوب هو المسارعة الى تشكيل القيادة العامة أو "الغرفة المشتركة" التي تدير فعاليات الانتفاضة، وهذا ما حصل في الواقع عندما اندلعت الانتفاضة الأولى عام 1987، والانتفاضة الثانية في أواخر العام 2000.
بدون القيادة الموحدة فان الحراك في الشارع سيكون مهدداً، وخاصة في الضفة الغربية، كما أنه بدون هذه القيادة فان الفصائل، بما فيها حركتي فتح وحماس، ستكونان خارج معادلة ما يجري هناك، فضلاً عن أن الانقسام سيكون مرشحاً للاستمرار، بل وربما يعود الضغط الاسرائيلي والدولي على الرئيس محمود عباس من أجل إجراء الانتخابات التي سيكون هدفها إلهاء الفلسطينيين وإشغالهم وتجديد الانقسام الداخلي وتعميقه.
القيادة الموحدة التي يحتاجها الفلسطينيون في الضفة الغربية ستعني تجاوز السلطة الفلسطينية التي تشكل منذ سنوات حجر عثرة أمام المضي قدماً في العمل نحو المشروع الوطني الفلسطيني، كما أنَّ الانتفاضة بقيادتها الموحدة من الممكن أن تعيد إنتاج السلطة وتؤدي بالضرورة الى تغيير وظيفتها بما يُغير المشهد السياسي الفلسطيني كاملاً.
الفلسطينيون يعيشون لحظة تاريخية نادرة بهذه الانتفاضة الشاملة، ويحتاجون فقط قيادة موحدة تشارك فيها كل الفصائل ولو دون الاعلان عن أسمائها وعلى قاعدة أن الهوية الأعلى هي الهوية الفلسطينية، وعندها سيبدأ الفلسطينيون بحصاد نتائج هذه الهبة والمضي قدما نحو التحرر من الاحتلال.