في ظل تطورات عديدة تشهدها الساحة العراقية، يجري وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف زيارة إلى العراق تستمر لأيام عدة، التقى خلالها بكبار المسؤولين والزعامات السياسية في بغداد، يتبعها بلقاءات مع مسؤولي إقليم كردستان في أربيل.
تأتي زيارة ظريف بالتزامن مع الحوار السعودي الإيراني بوساطة عراقية، إضافة إلى تصاعد الهجمات العسكرية التي تنفذها مليشيات موالية لإيران في أربيل وبغداد ومناطق عراقية أخرى، وكذلك التوتر الحاصل في سنجار، وانطلاق عمليات عسكرية تركية في شمال العراق.
محللون عراقيون قرأوا الزيارة على أنها تحمل دلالات ورسائل كثيرة، ربما من أبرزها محاولة طهران تهدئة الأوضاع في العراق، واتباع سياسة جديدة في المنطقة من شأنها أن تنعكس إيجابا على محادثاتها النووية مع الولايات المتحدة، وبوادر المصالحة مع السعودية.
دلالات ورسائل
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي باسم الشيخ لـ"عربي21" إن "زيارة ظريف في هذا التوقيت، تحمل دلالات ورسائل، لعل من أبرزها نقل وجهات النظر الإيرانية فيما يخص الحوار مع السعودية بوساطة عراقية، إضافة إلى معارضتها للهجمات التي تستهدف البعثات الدبلوماسية، وعرض المساعدة والتعاون لإيقافها، ما يعني وجود تغيّر في سياسة طهران تجاه ما تذهب إليه فصائل مسلحة بالتصعيد ضد الأمريكيين في العراق".
اقرأ أيضا: الكاظمي وظريف يدعوان إلى "استمرار الحوار" بين دول المنطقة
ورأى الشيخ أن "إيران حريصة على التهدئة، وهذا ما كان واضحا من خلال ما جرى تسريبه من محادثات ظريف مع الرئيس العراقي ووزير الخارجية فؤاد حسين، وأن إيران بحاجة إلى أرضية هادئة لتبدأ مشاوراتها المزدوجة فيما يخص الملف النووي مع الخمسة الكبار أو ما فيما يخص ما يحدث من تقارب وتبادل في وجهات النظر مع السعودية".
وتابع: "هذا كله يحمل دلالات كثيرة على أن هناك متغيرا سيحصل في الإقليم، ولا سيما الدول المجاورة للعراق من خلال إعادة رسم سياسات محورية فيها تقارب وحل للكثير من الملفات العالقة".
ولفت إلى أن "الضغوط الإيرانية في الداخل تؤثر بشكل كبير على السياسة الخارجية، فلا يمكن أن تنأى حكومة طهران ومصادر القرار الإيرانية بنفسها عما يحدث في الداخل الإيراني وعن متطلبات الشارع من جهة والقوى السياسية الإيرانية من جهة أخرى، والتي ترى أنه لابد من تغيير في نهج السياسات التي أوصلت إيران إلى هذه الحال من حصار وخسائر كبيرة لفرص تنمية حقيقية كان من ممكن أن تضيف للاقتصاد وحياة المواطن الإيراني".
ولفت الشيخ إلى أن "هناك مراكز نفوذ وقوى داخل الساحة الإيرانية متمثلة بالحرس الثوري والخارجية وجهاز الاستطلاعات، ولكل من هذه الجهات تصورات ربما تتقاطع مع الجهات الأخرى وهو ما حدث في العراق طوال السنوات الماضية وانعكس سلبا على وضع العراق الأمني".
دور جديد
وفي السياق ذاته، رأى المحلل السياسي العراقي، أثير الشرع، في حديث لـ"عربي21" أن "الزيارة تأتي في إطار دور إيراني جديد بالمنطقة خصوصا مع وجود مباحثات في فيينا بخصوص الملف النووي، وأيضا وجود محادثات من تحت الطاولة مع واشنطن، وبوادر لتخفيف الحصار عن إيران".
وتابع: "الزيارة تأتي أيضا في إطار تخفيف الدور الإيراني بالعراق، ولا سيما مع الاتهامات الكثيرة التي تطال طهران بدعم مليشيات وفصائل غير منضبطة، تقف وراء قصف بعض البعثات الدبلوماسية، وكذلك مطاري أربيل وبغداد".
ولفت الشرع إلى أن "تواجد ظريف في العراق يأتي ضمن محاولات إيران للتقارب مع دول الجوار العراقي، فهناك ملامح مصالحة بين طهران والرياض وهذه أجريت بجهود من العراق الذي أصبح بعيدا عن صراع المحاور وبات يقرب وجهات النظر بين المتخاصمين".
ونوه الشرع إلى أن "الزيارة تهدف إلى التخفيف من دور إيران في العراق وتبعث برسالة إلى بعض الفصائل مفادها بأنه لو استمريتم في قصف بعض البعثات الدبلوماسية فلن ندعمكم، ولا سيما مع وجود تصريحات تصدر من بعض قادة الفصائل يلمحون فيها إلى أنهم سيخرجون عن طوع إيران، وأنهم لن يتقبلوا أي ضغوط منها في موضوع إخراج القوات الأجنبية من العراق".
اقرأ أيضا: NYT: ظريف يكشف جانبا من سيطرة الحرس الثوري على الحكومة
وبيّن الخبير العراقي أن "الدبلوماسية الإيرانية تلعب دورا مهما في تخفيف الحصار عن الشعب الإيراني، وذلك يختلف عن الدور الذي يلعبه الحرس الثوري، فهناك وجهات نظر متباينة وانقسامات حقيقية في الرؤى، لكن هذا لا يعني أن ظريف يغرد خارج إرادة المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس حسن روحاني".
وأردف الشرع قائلا: "اليوم يبدو أن هناك تفاهمات كبيرة في الداخل الإيراني على دور جديد في المنطقة يبدأ من العراق، وكذلك الحوار مع السعودية وتقرير مصير الحصار المفروض على طهران، والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية".
تجميع الشيعة
ومن اللافت للنظر في زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف هذه، أنه استطاع ولأول مرة بعد رحيل الجنرال قاسم سليماني، أن يجمع القوى والشخصيات السياسية الشيعية، ولا سيما المتخاصمين منهم، تحت سقف واحد، حسبما وصف مراقبون.
وأظهرت صور تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، لقاء موسعا جمع ظريف والسفير الإيراني ببغداد إيرج مسجدي بمعظم الزعامات السياسية الشيعية، وهم: نوري المالكي، نصار الربيعي، عمار الحكيم، همام حمودي، هادي العامري، حيدر العبادي، عادل عبد المهدي، فالح الفياض، حسن الشمري، خضير الخزاعي، وحنان الفتلاوي، وشخصيات أخرى.
وعلق الناشط السياسي والقيادي السابق في التيار الصدري، غيث التميمي، في تغريدة على حسابه في "تويتر" قائلا: إنه "لم تجمعهم (زعامات الشيعة) فاجعة مثل هولوكوست مستشفى ابن الخطيب، ولا انتفاضة شعبية قدمت مئات الشهداء وآلاف الجرحى ولكن جمعهم وزير الرهبر (القائد)".
وفي المقابل، استبعد المحلل السياسي عباس العرداوي في تصريحات صحفية، الاثنين، وجود محاولات لظريف لإعادة رسم الخارطة السياسية الشيعية في العراق، عازيا ذلك إلى أن القوى السياسية الحاضرة في اللقاء ذات توجهات ورؤى متعددة.
أما بالنسبة للقوى السنية، فقد كان الأمر مختلفا تماما، إذ اقتصر لقاء ظريف على اجتماعين منفصلين الأول مع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، والثاني مع رئيس تحالف "عزم" السياسي خميس الخنجر، والذي طالبه بضرورة إعادة النازحين السُنة (150 ألفا) إلى مدينة جرف الصخر، والتي تسيطر عليها فصائل موالية لإيران منذ عام 2014.
معهد أمريكي: العراق يمكنه أن يكون جسرا بين الرياض وطهران
هل يجني العراق مكاسب من وساطته بين السعودية وإيران؟
بعد هجوم مطار أربيل.. ما خيارات كردستان العراق بصد الهجمات؟