مقالات مختارة

لا لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري

1300x600

لا يمكن أن يكون الموقف المبدئي إلا الرفض القوي لإحالة مدنيين على القضاء العسكري التونسي، وهو أمر فصلت فيه محكمة التعقيب بدوائرها المختلفة، فقضايا التآمر على أمن الدولة من اختصاص القضاء العدلي إذا كان المتهم مدنيّا.


وما وجّهه النائب الخياري من تهم للمترشّح لرئاسة الجمهورية قيس سعيّد، يجب أن يحقّق فيه قضائيا وأن يعلم الناس نتائج التحقيق كاملة، وليقل القضاء العدلي فيها كلمته، وليتحمل كل طرف أقواله وأفعاله.


وليس من المعقول أن يتم تسريب بطاقة الجلب وما تضمنته من تهم إلى وسائل التواصل الاجتماعي. وتنطق البطاقة وما تضمنته بانتقام شخصي وباستغلال نفوذ يزعزع الثقة بمؤسسات سيادية.


قبل هذا، رئيس الجمهورية لم يحرّك ساكنا أمام استهداف البرلمان من قبل الفاشية ومقلّديها من الوظيفيين المنقلبين على الديمقراطية ومسارها، وكأنه ليس مؤسسة من مؤسسات الدولة السيادية، وهو الذي يحرص على أنه رئيسها الأوحد.


وشاهدنا على المباشر بلطجة وعنفا واستباحة للمؤسسة وهتكا لعرض رئيس المجلس، بأبشع أنواع التهم وأحطّ النعوت وأقذر عبارات الشتم، من قبل نكرات وأذناب بلا تاريخ.


بل إنّ الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية، لا تتورّع عن نشر فيديو يطالب فيه متحلّقون حول رئيس الجمهورية بحلّ البرلمان.


إنّ ما أتاه رئيس الجمهورية منذ إجبار رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ على الاستقالة للاحتفاظ بعهدة التكليف وصولا إلى خطاب عيد الأمن 65، خروقات جسيمة متتابعة للدستور تستوجب العزل بإجماع المراجع من خبراء القانون الدستوري.

 

بقطع النظر عن مواقف قلة من "توارزية بن علي" في القانون الدستوري فقدت ذمتها، وباعت بثمن بخس ما به يكون خبير القانون الدستوري إنسانا وخبيرا.


رئيس الجمهورية لم يكن رئيس كل التونسيين، وأمعن في تقسيم الشعب والمؤسسات، وفي مقدمتها المؤسسة الأمنية والإصرار على جرّها إلى مربع التجاذب الفئوي ورهانات السياسة، بما يهدد وحدة الدولة واستمرارها، ويعرّض السلم الأهلي للخطر، في وضع اقتصادي واجتماعي وصحي حرج جدّا.


الأصل ألّا يكون هناك خلاف حول رفض الخروقات الجسيمة وما يتعرض له مسار بناء الديمقراطية من استهداف.

 

ولكن القوى الوظيفية في البرلمان وخارجه، اختارت أن تكون في الصف المناهض للديمقراطية ومسارها.

 

وحتّى ما تقدّمه من حجج بتحميل إحدى الجهات الحزبية مسؤولية التدهور الشامل الذي تعرفه البلاد، لا يمكن إلا أن يدينها.

 

فإدانة تلك الجهة يكون بالانتصار للمسار الديمقراطي وترسيخ الديمقراطية، لا بالمشاركة في نسف شروطها لفائدة نزعة فردية تسلطية مرضية، تستعيد أسوأ ما في نظام الاستبداد.

 

وعوض أن تتنافس الإرادات في دعم الديمقراطية واستكمال مسارها، تبشّر بدكتاتورية الفرد والزعيم المنقذ.


إنّهم يعيدون منهجية الاستقواء بالاستبداد لتصفية خصومهم بالشراكة مع النظام النوفمبري المقبور، ولكنهم يقعون في قياس فاسد لن تكون نتيجته إلا انكشاف حقيقة من يرى في الديمقراطية والاختيار الشعبي الحر تهديدا وجوديا.


هذا هو الموقف، والمسار لن يتوقف، والمدافعون عن الدولة والدستور والديمقراطية كثْرٌ ووازنون ومصممون، ونظام الاستبداد مجرّد ذكرى سيئة، وِلِّي عنده ريح يذرّي عشرة.

 

الصفحة الشخصية للكاتب/ فيسبوك