مقالات مختارة

هبات قوية أحيانا

1300x600

للطبيعة تقلبات تعودنا عليها، وأدركنا خصائصها وشدتها ومداها، وأصبحنا قادرين على التأقلم معها. اليوم يسعفنا في الاستعداد والتخفيف من أثر الصدمة أو المباغتة وجود دوائر متخصصة للأرصاد تعنى بالتنبؤ فهي ترصد المناخ والزلازل والفضاء، وتتنبأ بالظواهر وتهيئنا إلى التعامل معها، وتجنب أخطارها.

في حالات كثيرة تقول لنا التنبؤات التي قلما تخيب عن كل ما يمكن أن يحدث، أو تكون عليه الظواهر لسنة كاملة أو أكثر. فالراصدون ومؤسساتهم يحدثونك عن حركة الأجرام السماوية، ومناخ الأرض ويتنبؤون بدرجات الحرارة اليومية، ويطلعونك على نوعية الغيوم وكثافتها، ومستوى تشبعها بالرطوبة وارتفاعاتها لينتقلوا إلى وصف الرياح من حيث اتجاهها وسرعتها واستمراريتها، وإذا ما كانت تحمل الغبار، ولون هذا الغبار، وآثاره على التنفس وجودة الهواء.

المكون الذي طالما أدهشني في التنبؤات الجوية يتعلق بأشعة الشمس وقوتها وتأثيرها على الجلد، إذ على مقياس سطوع الشمس، وشدتها تستطيع الدوائر أن تنبئك بمستوى السطوع وقوة ونفاذ الأشعة وخطورة التعرض لما يطلق عليه ” ULTRAVIOLET ” أو الأشعة ذات التأثير السلبي على الجلد والصحة. فعلى المقياس المتدرج لا ينصح بأن يتعرض الفرد للأشعة المباشرة عندما يزيد سطوعها على 3 درجات وتكون خطرة لدرجة أنها قد تسبب الضربات الشمسية إذا تجاوزت 8 درجات، والأخطر عند 11 درجة.

حقيقة الأمر أني لا أعرف كيف تجرى هذه القياسات وكيف جرى دمجها في النشرات الجوية، وقلما التفت لها لكن الحاجة إلى تعبئة وقت أطول للنشرات الجوية التي أصبحت مكونا مهما في النشرات الإخبارية وأحد عناصر الجذب في المحطات التي تحرص على تمييز نفسها كان العامل الأبرز في البحث عن مزيد من التفصيلات لبناء محتوى متنوع وواسع ومميز للنشرة الجوية .

في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كانت قنوات التلفزة المحلية في الغرب تعنى بنشرات الحالة الجوية التفصيلية في حين يقتصر عرض الشبكات الإخبارية على الملامح العامة. في منطقة لوس أنجلوس كان جيري دنفي وتوني ليتل ثنائيا بارعا في القناة المحلية المتفرعة من شبكة الABC. الرجل الخمسيني الأشيب يتقاسم نجومية أستوديو الأخبار مع الشابة العشرينية ذات الشعر الأسود الطويل والملامح الشرق آسيوية ليكونا قريبين من غالبية المشاهدين وبصورة تشتمل على غالبية خصائص المشاهدين وملامحهم وأعراقهم وأعمارهم. وأظن يومها أن أحد عناصر جاذبية الأخبار نابع من تكامل شخصيات مقدميها وبراعتهم في التقرب من المشاهد ونيل ثقته وإشعاره بأن الشاشة له وأن من يتحدثون عبرها يشبهونه وفيهم من ملامحه.

القدرة على التنبؤ لا تقف عند أوضاع الطقس فقد تمتد لتشمل أوضاع السوق والأسعار والموضة ونوعية السياسيين الذين سيعتلون مسارح العمل على المستويات المحلية والفيدرالية والنجوم الذين سيبرزون في عالم السينما والرياضة وقادة الفكر وغيرهم.

في بلادنا وبالرغم من الاستعانة الدائمة بدوائر الرصد العالمية وظهور مؤسسات طقس العرب التي تقدم سيناريوهات متتالية عن حالة الطقس وكميات الثلوج والمياه التي ستعبر الأودية تجاه السدود، وراصد التي ترصد حركة النواب والوزراء وتتبع إنجازات وزارة الشؤون السياسية، وتخبرنا عن النواب الذين حضروا الجلسات وغابوا عن التصويت إلا أننا لا نزال نضرب في الرمل وننتظر ضربة الحظ لتغيير الأشياء التي نتطلع إلى تغييرها.

الجزء الأكبر من معاناتنا يعود إلى أننا لا نكترث كثيرا للسيناريوهات التي يمكن أن تعرضها التنبؤات والسبب الآخر أن بعضنا يعتقد أن الإيمان يقتضي أن تقبل بالأشياء حتى ولو دعمتها الشواهد.

للكثيرين منا تأتي الخيارات الأبعد خيارات مفضلة على ما يدركه العقل وتصدقه الحواس لذا فكل شيء تقبل به الرغبة وتميل نحوه النفس مفضل على أي خيار آخر. الأيام الثلاثة الماضية كانت عاصفة ومغبرة لدرجة أني كنت أتلمس طريقي بين سحب الغبار، ولم أتوقف كثيرا عند ملخص النشرة الجوية الذي تحدث عن هبات قوية أحيانا.

 

الغد الأردنية