ملفات وتقارير

صدمة بالشارع الأردني من بنود "اتفاقية دفاع" مع أمريكا

توجب الاتفاقية على الأردن السماح للطائرات والمركبات والسفن بالدخول وحرية التنقل في الأراضي الأردنية والمياه الإقليمية- جيتي

أعربت شخصيات أردنية عن صدمتها إزاء اتفاقية التعاون الدفاعي بين عمان وواشنطن، التي بدأ سريانها الثلاثاء الماضي، مؤكدين أنها تنتهك سيادة الأردن، وتجعل من هذا الأخير بلدا محتلا من قبل القوات الأمريكية.

ووُقعت الاتفاقية في 31 كانون الثاني/يناير الماضي، وأقرتها الحكومة في 17 شباط/فبراير الماضي، وصدرت الإرادة الملكية بالموافقة عليها لتنشر في الجريدة الرسمية وتصبح سارية المفعول، دون أن تعرض على مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان، الأمر الذي أثار تحفظات من قبل مختصين في الشأن القانوني.

وبموجب الاتفاقية؛ يوفر الأردن أماكن حصرية للقوات الأمريكية تشمل 15 موقعا، وهذه الأماكن يتحكم الجانب الأمريكي بالدخول إليها، ويجوز لهذه القوات حيازة وحمل الأسلحة في الأراضي الأردنية أثناء تأديتها مهامها الرسمية.

وتوجب الاتفاقية على الأردن السماح للطائرات والمركبات والسفن بالدخول وحرية التنقل في الأراضي الأردنية والمياه الإقليمية والخروج منها بحرية تامة دون دفع الرسوم والضرائب.

وتوجب أيضا على الأردن - في حال طلبت السلطات الأمريكية - إصدار لوحات سيارات مؤقتة مجانا للمركبات التابعة للولايات المتحدة ولأفرادها والمتعاقدين معها، بشكل لا يمكن تمييزها عن تلك اللوحات المؤقتة الصادرة للشعب الأردني عموما.


اقرأ أيضا : بدء سريان الاتفاقية الدفاعية بين الأردن والولايات المتحدة


وتقضي الاتفاقية بأنه لا يحق للقضاء أو الادعاء العام الأردني التحقيق أو التعامل مع أي حالة وفاة تقع في المناطق المخصصة للقوات الأمريكية، وأجازت استخدام طيف الراديو والاتصالات السلكية واللاسلكية بدون رقابة أردنية.

تتعارض مع الدستور الأردني


وقال مدير مركز إحقاق للدراسات القانونية، إسلام الحرحشي، إن الاتفاقية تنتهك السيادة الأردنية، وبالتالي فهي تتعارض مع نص المادة الأولى من الدستور الأردني، والتي تقضي بأن "المملكة الأردنية الهاشمية دولة مستقلة ذات سيادة؛ ملكها لا يتجزأ ولا يُنزل عن شيء منه".

وأضاف لـ"عربي21" أن أية اتفاقية تتعارض مع الدستور غير مقبولة ولا يمكن إجازتها أو نفاذها، لافتا إلى أن الاتفاقية الأمريكية الأردنية يجب أن لا تدخل حيز التنفيذ إلا إذا تمت المصادقة عليها من قبل مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان.

وأوضح الحرحشي أن عدم عرضها على مجلس الأمة يتعارض مع الفقرة (2) من المادة (33) من الدستور، والتي تنص على أن "المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئا من النفقات، أو مساس في حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة؛ لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة".

وأكد أنه لم يطلع في حياته القانونية على أية اتفاقية بين أي دول كهذه الاتفاقية "التي هي عبارة عن استباحة كاملة للسيادة والأرض والأجواء والإقليم الأردني، وبدون مقابل".

وأضاف الحرحشي أن الأمر يتعدى الاستباحة إلى الاشتراط على الأردن بأن يحمي هذه الاستباحة من خلال إجراءات تضمن سلامة أفراد الولايات المتحدة الأمريكية. 

وبين أن الاتفاقية تنص على تخصيص مرافق ومناطق على الأراضي الأردنية تستخدم حصريا من قبل الولايات المتحدة، بدون إيجار، وبدون أي تدخل في شؤون تلك المناطق، بحيث يكون التحكم فيها كاملا للجانب الأمريكي.

وأوضح الحرحشي أن الاتفاقية تعطي الحق للولايات المتحدة بأن تقوم بعمليات النقل والتمركز والتخزين بدون موافقة الأردن، وتسمح لأفراد القوات الأمريكية بالدخول إلى الأراضي الأردنية والخروج منها والتنقل بحرية تامة، "ولا يحق للأردن أن يطلب من هؤلاء الأفراد جوازات سفر أو تأشيرات دخول أو ما شابه".

استعمار جديد

ورأى النائب صالح العرموطي أن الاتفاقية تشكل تعطيلا لمقتضى الدستور، واعتداء على السيادة الأردنية، وتغولا على السلطة القضائية، واستعمارا جديدا للبلاد.

واستهجن في حديثه لـ"عربي21" نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية ما يعني أنها باتت نافذة، دون عرضها على مجلس الأمة من أجل إقرارها من عدمه، مؤكدا أن نواب الشعب لن يقبلوا هذه الاتفاقية لو عرضت عليهم؛ لأنها تمس السيادة الوطنية.

وشدد العرموطي على ضرورة تصدي مجلس النواب الأردني لهذه الاتفاقية، معتبرا توقيع هذه الاتفاقية ونشرها في الجريدة الرسمية بهذه الصورة المفاجئة "تحديا للشعب الأردني، ويعبّر عن عدم احترام الحكومة للمواطن، ورغبتها في إذلاله".

وقال إن الاتفاقية تشكل خطرا كبيرا على الدولة الأردنية، فهي تستبيح أرضها وماءها وسماءها، لافتا إلى أنها تمنح القوات العسكرية الأمريكية امتيازات وإعفاءات ضريبية وجمركية، وحصانة من أي مسؤولية في حال ارتكب أفرادها أو المتعاقدون معها أية مخالفة أو جريمة.

وأوضح العرموطي أن الاتفاقية تسمح بدخول القوات الأمريكية وخروجها من الأردن دون الحصول على أي إذن أو موافقة رسمية، مضيفا أن "هذه الاتفاقية أشد خطرا من المعاهدة البريطانية التي جرى إلغاؤها في خمسينيات القرن الماضي".

وتابع: "لم أجد في الاتفاقية بندا واحدا لصالح الأردن، وإنما هي بنود كلها لخدمة الولايات المتحدة الأمريكية دون مقابل".

وعن دلالات التوقيت؛ قال العرموطي إن المراسلات المتعلقة بالاتفاقية بين البلدين ليست جديدة، مشددا على رفضه للاتفاقية من حيث المضمون والتوقيت والتصديق عليها جملة وتفصيلا.

وأضاف أن من الوارد أن تكون هذه الاتفاقية تحضيرا لحدث ما قريب، وخصوصا أن الأردن يشكل نقطة ارتكاز أمني واستخباري في منطقة ملتهبة.

وربط العرموطي بين الاتفاقية وبين سعي الولايات المتحدة لتمرير المشاريع الصهيونية في المنطقة، وبسط رقابتها عليها، ومنع إقامة دولة فلسطينية، بالتزامن مع هرولة دول الخليج إلى تطبيع علاقاتها مع المحتل الإسرائيلي.

انتداب أمريكي


من جهته؛ وصف الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، مراد العضايلة، الاتفاقية بأنها "ترهن سيادة البلاد لأمريكا دون أي فائدة للأردن كما هو ظاهر من بنودها".

وقال لـ"عربي21" إن الاتفاقية "لصالح الولايات المتحدة الأمريكية فقط، وهي أقرب للانتداب الأمريكي الذي يتيح للمستعمر أن يدخل للبلاد كيفما شاء ووقتما شاء، وأن يفعل ما شاء دون أن يكون هناك من يحاسبه".

وحول توقيت سريان الاتفاقية وإذا ما كانت تحضّر لحدث مستقبلي قريب انطلاقا من الأردن؛ اكتفى العضايلة بالقول إننا حاليا في طور دراسة الاتفاقية والنظر في أبعادها ومآلاتها، مضيفا أنها تبيح السماء والأرض الأردنية للأمريكي دون قيد أو شرط، وتجعل الأردن بلا قرار فيما يتصرف به الأمريكي على أرضه تجاه الدول العربية والإسلامية.

ونصت الاتفاقية على أن مدتها 15 عاما، ما لم يتم إنهاؤها من قبل أي من الطرفين بموجب إخطار خطي قبل عام واحد للطرف الآخر عبر القنوات الدبلوماسية.