بعد عام كامل- طويل وعصيب- من الإعلان عن اكتشاف أول حالة «كورونا» فى مصر، يوم 5 مارس الماضي، نجد أنفسنا أمام مشهد اقتصادي معقد ومتناقض، وتحديات للمستقبل لا ينبغي الاستهانة بها.
على الجانب الإيجابي نجحت مصر في التعامل مع التداعيات الاقتصادية للوباء بشكل جيد، وبالتأكيد أفضل مما كان متوقَّعًا في مطلع الأزمة أو مقارنة بالوضع الاقتصادي العالمي، فبعد فترة وجيزة من الركود الشديد، الذي نتج عن القرارات الاحترازية الصارمة في ربيع العام الماضي، عاد النشاط الاقتصادي إلى وتيرة مُرضية بسبب قرارات الحكومة (الصعبة والصائبة في رأيي) بإعادة فتح معظم مجالات العمل والإنتاج، خاصة في قطاعي المقاولات والصناعة، وبسبب زيادة الإنفاق الاجتماعي، وإطلاق مبادرات متوالية لتشجيع المشروعات الصغيرة وتشجيع الائتمان، وكفاح العاملين في مختلف أوجه النشاط المنزلي وغير الرسمي لكسب الرزق.
هكذا بينما انكمش الاقتصاد العالمي بما يزيد على 4% خلال العام الماضي فإن اقتصادنا شهد نموًا بنسبة تُقدر بحوالي 3.5%، الأمر الذي أثر إيجابيًا على العديد من المؤشرات الاقتصادية، وأهمها نزول البطالة إلى حوالي 7%، بعد أن كانت قد ارتفعت إلى 10% في أعقاب الإجراءات الاحترازية. ومع أن عدة قطاعات اقتصادية عانت معاناة شديدة من صدمة الوباء- ولاتزال- وعلى رأسها السياحة والخدمات الترفيهية والصناعات التصديرية، فإن غيرها تأقلم بسرعة كما حدث مع أنشطة الاتصالات والمدفوعات الإلكترونية والإنتاج الغذائي واللوجستيات وغيرها.
مع هذا، ورغم الأداء الاقتصادى الكلي الجيد نسبيًا، شهدنا ارتفاعات جديدة للدين الخارجي والداخلي معًا، وتراجع دخول العاملين في الأنشطة السياحية والترفيهية وغير الرسمية، وتراجع الصادرات البترولية، بالإضافة إلى الصعوبات البالغة التي واجهت القطاعات الإنتاجية، خاصة القطاع الصناعي، في العمل بكفاءة وفي النمو والتصدير.
كذلك، وبعيدًا عن المؤشرات الاقتصادية الرسمية، فإن الواقع الذى تعايش معه المواطنون كان ولايزال شديد الصعوبة، خاصة مع التوقف الفعلي للتعليم، واضطرار الأمهات العاملات إلى المكوث بجانب أبنائهن وبناتهن في المنازل، وزيادة الأعباء والرسوم الحكومية على الخدمات والمعاملات، والقلق المستمر لدى الجميع من الأوضاع الصحية والاقتصادية.
مر العام الأول من «كورونا» بمشقة بالغة.. فماذا عن العام المقبل؟
الأزمة لاتزال قائمة والتحديات لاتزال كبيرة، لانزال نخوض معركة موجة «كورونا» الثانية، التي قد تعطل انتظام النشاط الاقتصادي لبضعة أشهر قادمة، ولاتزال السياحة والخدمات الترفيهية بعيدة تمامًا عن مستويات ما قبل الوباء (المتواضعة أصلًا)، ولايزال الإنتاج الصناعي ضعيفًا، والتصدير غير كافٍ، والاستثمار الخاص الجديد شبه منعدم، والعوائد الضريبية أقل مما نحتاجه للإنفاق على احتياجات التنمية، والركود العالمي يعطل فرص الاستثمار والتصدير.
ما سبق ليس للتشاؤم أو تثبيط الهمم، بالعكس فقد مرَّ علينا عام عصيب كان يمكن أن تكون محصلته أسوأ بكثير، وإنما أحذر من الإفراط فى التفاؤل، ومن الإسراع فى التأكيد على أننا تجاوزنا المحنة ومن تجاهل آثار الوباء طويلة المدى محليًا ودوليًا.
والأهم مما سبق ألا يكون معيار النجاح الذي ننشده هو العودة إلى حيث كنا قبل «كورونا». لقد كشفت تحديات العام الماضي عن مواطن خلل عميقة في نظام الرعاية الصحية وضعف خدماتها، خاصة في المناطق الريفية، وفي سياسات التعليم، التي ننتظر نتائج برنامجها الإصلاحي منذ سنوات دون جدوى، وفي عدم تناسب مهارات قوة العمل مع متطلبات عالم جديد، وفى عدم كفاية أنظمة الحماية الاجتماعية وسياسات التضييق من الفجوة بين فئات المجتمع وطبقاته. وهذا كله يحتاج إلى إعادة نظر وتوجيه جديد للسياسات وحوار واسع في المجتمع لتقييم تجارب العام الماضي والاستعداد للمرحلة المقبلة حتى لا نكتفي بالعودة إلى حيث كنا في مارس الماضى.
(عن صحيفة المصري اليوم)