قال مسؤول أمني إسرائيلي كبير إنه "رغم أن قوتها وقدراتها العسكرية لا مثيل لها في المنطقة، إلا أن إسرائيل تواصل النظر إلى نفسها على أنها كيان يهودي فحسب، يشبه تجمعات "الغيتو" في الشتات، والنتيجة أننا أمام سلوك سياسي أمني يقوم على الشد من الخصر، وقصر النظر، وتفويت الصورة الكبيرة عليها، ما يتطلب منها الدعوة إلى تبني استراتيجية جديدة لمواجهة هذه التحديات".
وأضاف تامير باردو،
الرئيس السابق لجهاز الموساد، وهو عضو في مجلس "قادة أمن إسرائيل"، في
مقاله بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، ترجمته "عربي21"، أن "إسرائيل تعمل
منذ سنوات دون سيادة لأمنها القومي، ولا يتعلق الأمر فقط بصياغة سياسة مع إدارة
الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن بشأن الملف النووي الإيراني، بل بقضايا أخرى
عديدة".
وأوضح أن "الأمر
يتعلق أيضا بموافقة إسرائيل على تزويد دول المنطقة بمنظومات أسلحة استراتيجية، مثل
الغواصات المتقدمة لمصر، وطائرات إف 35 إلى الإمارات العربية المتحدة، وإعلان الضم
الواسع للأراضي في الضفة الغربية، ثم إلغاء هذا الضم، فضلا عن إصدار قرار بتوريد
لقاحات كورونا لقائمة غريبة من الدول، دون تطعيم الجيران الفلسطينيين، رغم أن
الفيروس لا يتوقف عند نقاط التفتيش في طريقه إلينا".
وأكد أنه "تم
اتخاذ كل هذه القرارات بمعزل عن سياقها الواسع، بما يتعارض مع أمن إسرائيل، ما
يشكل نهجا فاسدا في اتخاذ السياسات الداخلية والخارجية، رغم استناد القادة
الإسرائيليين في قراراتهم إلى عدد من الافتراضات، أولها الشعور بأنه في أعقاب
الهولوكوست فإن العالم مدين لنا، والثاني أن إسرائيل جزيرة منعزلة".
وأشار إلى أن
"إسرائيل، وهي القوة الإقليمية المستقلة والقوية في كل تحدياتها، تعيش في
سلام منذ 40 عاما مع مصر، و25 عاما من السلام مع الأردن، والآن فإن اتفاقيات
التطبيع تأخذ طريقها على مختلف المستويات مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين
والسودان والمغرب، فضلا عن العلاقات الأقل وضوحا مع عدد آخر من الدول العربية،
لكنها ليس أقل أهمية لأمن إسرائيل في المنطقة".
وأضاف أن "العجز
الإسرائيلي عن اتخاذ قرار مستقل سواء بالضم أو الانفصال المدني عن الفلسطينيين، مع
استمرار السيطرة الأمنية عليهم، إلى حين العثور على الشريك السياسي، أدى إلى
انزلاق إسرائيلي مستمر لأكثر من خمسين عاما في واقع دولة ثنائية القومية، وهذا
الواقع يتطلب تعديل السلوك الإسرائيلي لملاءمة الظروف السياسية والاستراتيجية،
وتعكس التصور العام للمنطقة بأسرها".
وأشار إلى أنه "بهذه
الطريقة فقط يمكن التأكد أن القرارات الإسرائيلية لا تقوض مصلحتها من جهة أخرى،
وصياغة التحركات التكتيكية المستمدة من التصور العام لمستقبل إسرائيل، ولذلك لا
يوجد تبرير للمخاطر الكامنة في النهج الارتجالي الحالي الذي يوجه الساسة
الإسرائيليين لمواجهة التهديدين الرئيسيين اللذين يواجهان الدولة: الانزلاق
المستمر إلى واقع دولة واحدة بين الأردن والبحر، والمسألة الإيرانية".
وأوضح أن
"الاستمرار بهذه السياسة الإسرائيلية سيترك تداعياته على أمن إسرائيل
واقتصادها ومكانتها الدولية، وعدم استقرار علاقات السلام مع جيرانها العرب، رغم أن
أنصار هذا النهج قفزوا فورا على اتفاقيات التطبيع الجديدة، وكأنهم يدعون تجاهل
ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكأن هذه الاتفاقات تلغي
التهديدات الكامنة في زحف الضم على مستقبل وهوية إسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي".
وأكد أنه "حتى في
السياق الإيراني، يؤدي الافتقار الإسرائيلي إلى نهج شامل إلى انقسام المرجعيات
السياسية الإسرائيلية، كما أنه لا توجد صلة بينها، حيث يتم اتخاذ القرارات في سياق
مثير للقلق بمعزل عن معناها، ولذلك فإن المعالجة الأساسية للمغامرة الإيرانية على
طول الحدود الشمالية تتم في مربع منفصل عن مواجهة التحدي المركزي المتمثل في تسليح
إيران لنفسها بالأسلحة النووية، ووسائل إطلاقها".
وأضاف أنه "حان
الوقت لوضع حد للسلوك الإسرائيلي المنطلق من سياسة رد الفعل لصياغة استراتيجية
الأمن العليا، كجزء منها لبدء التحركات التي تعكس ترجيح القيود والقدرات والفرص،
وفي هذه الحالة يمكن توقع أن يؤدي هذا النهج المسؤول والمستنير إلى سياسة مختلفة
عن إدارة بايدن تجاه القضية النووية الإيرانية".
ورأى أن "إسرائيل
وهي تدخل عامها الثالثة والسبعين، من المناسب لها أن تتصرف بطريقة تعكس النضج،
وتتحمل المسؤولية عن مستقبلها، وتبدأ خطوات تشكيل الواقع، انطلاقا من منظور رصين
لظروف الساحة والفرص والمخاطر الكامنة فيها".
وأشار إلى أن "التوصية
الأساسية الموجهة للحكومة الإسرائيلية تتمثل بدعم المخطط الدبلوماسي قبل دراسة
البدائل؛ ودعم عودة إيران للوفاء بالتزاماتها الكاملة بموجب الاتفاق النووي الأصلي،
والالتزامات التكميلية بموجب قرارات مجلس الأمن، واشتراط تخفيف العقوبات بالامتثال
الكامل لهذه الالتزامات، وإجراء مفاوضات من أجل استمرار الاتفاقية التي من شأنها
سد الثغرات المكتشفة في النسخة الأصلية، وتوسيع صلاحيتها بشكل كبير".
وأكد أنه "كجزء من
هذا النهج الإسرائيلي المطلوب، يمكن للمرء أيضا أن يتوقع مبادرة إسرائيلية مستقلة
للتوقف عن تصفح واقع الدولة ثنائية القومية، والبدء في التزحلق في الاتجاه
المعاكس، حتى تنضج شروط حل الدولتين مع الفلسطينيين، انطلاقا من صياغة استراتيجية
للأمن القومي الإسرائيلي".