أخبار ثقافية

هل تحتاج "جعفر" إلى "الفلتر"؟

مكياج CC0
وجدت هذه العبارة مكتوبة على جدار إحدى البنايات في طريقي للعمل، واسم جعفر هو رمز أصبح منتشرًا في الآونة الأخيرة في الشارع الأردني كناية عن الفتاة التي تبالغ في وضع مساحيق التجميل على وجهها لدرجة إخفاء معالمه الحقيقية، لكنها فور إزالته سيظهر وجهها خاليًا من الأنوثة والرقة فتصبح "جعفر"! 

رغم أن العبارة السابقة تحوي كمية لا بأس بها من احترام الآخر ومحبته كيفما اتفق، إلا أن ذلك لا يمنع من كونها مؤذية ومبالغة في النقد والاستهزاء العلني الذي طال الجنس اللطيف، فإن قالها أحد لكِ سارعي بلكمه على وجهه!، ولا أعني العبارة هذه تحديدًا، بل كل ما يعادلها، وشئنا أم رفضنا فما ذلك إلا نتاج العديد من التغيرات التي طرأت على طريقتنا في النظر إلى أنفسنا والآخر، فساهمت بتغيير العديد من المفاهيم والسلوكيات المرتبطة بمفهوم احترام الذات والثقة بالنفس وغير ذلك، إضافة لمعايير الجمال التي تختلف بين الحين والآخر. 

البقاء للأجمل وليس للأقوى!!

تمتلك الأنثى بالفطرة رغبة وسعيًا دؤوبا لتبدو بطلعةٍ بهيّة، وقوامٍ وشكلٍ ملفتين للنظر، فمنذ فجر التاريخ والمرأة مهووسة بكل ما يجعلها جميلةً أمام مرآتها وفي عيون الآخرين، بغض النظر عن اختلاف الثقافات والمعايير الجمالية في الأزمنة والأمكنة المختلفة، وبالطبع جميعنا نذكر الحكاية الطفولية الشهيرة عن زوجة والد بياض الثلج التي حاولت قتلها لأن مرآتها السحرية أخبرتها بأن بياض الثلج المرأة الأجمل في الأرض، وهي تأتي في المرتبة الثانية بعدها، فقررت الأولى إنهاء حياة الفتاة المسكينة، وتقول رواية أخرى بأنها فكرت في تشويهها أولا، إلا أنها عدلت عن الفكرة ورأت أن قتلها أكثر ضمانًا. 

لا يشكل الأمر مشكلة طالما كان متعلقا بدافع فطري غير مكتسب، إنما باختلاف الدوافع تصبح المسألة مثيرةً للتساؤل حول أهمية وضرورة ما نفعله تجاه وجوهنا وملامحنا وكذلك أجسادنا، فنجد في الفقه الإسلامي أحاديث شديدة اللهجة حول ما قد يقوم به المرء من تغيير في ملامح وجهه بهدف إثارة إعجاب الآخرين، وعدّ الإسلام ذلك ضربا من الغش والخداع، كما اعتبره عبثًا بالملامح الخلُقُية التي أرادها الله تعالى، وجعل ذلك مباحا فقط في حالاتٍ ضرورية كالتجميل العلاجي على سبيل المثال.

"قل للمليحة في السناب الأصفرِ".. تبدين أجمل دون هذا الفلترِ!

إننا اليوم نجد العالم يتجه بهوسٍ محمومٍ تجاه كل الوسائل التي من شأنها أن تخفي الوجه الحقيقي لنا، وخصوصًا وجوه الفتيات، فهن الأكثر استخدامًا لتلك الوسائل، فمن عدم الرضا عن الجسد ومحاولة الطب النفسي والعلاجي خلق علاقة طيبة بين الأنثى وجسدها، نجد أن الأمر أصبح أكثر كارثية، فلم تعد المرأة قانعة حتى بوجهها!، وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بذلك بشكلٍ كبير، إضافة إلى التقدم العلمي والتكنولوجي والذي من المفترض أن يتم الإفادة منه بطريقةٍ أكثر عقلانية، كالعلاج أو إضافةٍ منطقية، إلا أن عقل المرأة أصبح أكثر جنونًا بوسائل التجميل، وبالنسبة للدوافع فلم تعد فطرية أو رغبة ذاتيةً، بل أصبحت تتنوع بين الرغبة بتقليد المشاهير وإثارة الإعجاب، إضافة لمحاولة إخفاء علامات تقدم السن، أيضا مقارنة المرأة ذاتها بالوجوه التي تراها على وسائل التواصل الاجتماعي، رغم علمها أنها صور معالجة تجميليًا بالمساحيق أو السكاكين الجراحية أو "الفلتر"!

بالتأكيد ليس من السهل أن تبقى الفتاة محتفظة بطبيعتها في ظل هذا الجنون الأنثوي، وهذا ما تؤكده التحديات المستمرة على وسائل التواصل الاجتماعي التي تقوم بمطالبة الفتيات بنشر صورة لهن بدون "فلتر" أو "مكياج"، لاحظوا بأن ظهورنا كما نحن عليه صار يسمى تحدّيا!، كما أصبحت التطبيقات مليئة بالأقنعة والوجوه، كما يوفر بعضها للمستخدمين مساحاتٍ لصنع الوجه أو الفلتر الذي يريدونه، ربما يكون الفلتر مفيدًا فهو خافٍ للعيوب ويظهر الصورة بطريقةٍ أكثر قبولًا، ويكون الأمر مفيدا إن أخفى الهالات السوداء مثلا أو بعض حبوب الوجه المزعجة، إلا أن الغاية من الفلتر لم تعد فقط إخفاء العيوب، بل إخفاء وجهك وتغيير ملامحك بالكامل، وقد اقترح علي السناب شات قبل مدة وجه الممثلة اللبنانية "ندين نجيم" وبعدها "نسرين طافش وغيرهن"، ولا أعلم كيف يعتقد صانعو التطبيقات والفلاتر أنني أريد أن أستبدل وجهي بوجوههن، وكيف سمح لنفسه أصلا بسؤالنا عن ذلك منذ الأساس؟! 

كن أنت تزدد جمالًا..

تعجبني هذه الأغنية الجميلة للفنان حمود الخضر، والتي تدعو إلى قبول ذواتنا كما هي، وإلى عدم الاهتمام المرَضي بالظاهر ومحاولة إرضاء الآخرين، ويفترض بأننا لا نحتاج لمن يؤكد لنا بأن الجمال نابعٌ من الداخل، وبأن الثقة في النفس وحب الذات أمران ضروريان لحياةٍ أكثر سعادة، فقد أشارت الدراسات مؤخرًا بأن التصفح المستمر لتطبيقات الصور كإنستغرام وسناب شات يزيد من تعاسة المستخدمين بنسبة عالية، وأوصوا المستخدمين بالابتعاد عن هذه التطبيقات قدر الإمكان في حال كانوا لا يملكون القناعة الكافية بأنفسهم وما هم عليه، ففي النهاية نحن لا نرى سوى ما يظهر أمامنا ولا نعلم مدى صدق ما نراه ونسمعه.