بعد غيابٍ طويل للممثلة المصرية إلهام شاهين عن السينما والتلفزيون، أطلت على جمهورها بفيلم حظر تجول، الذي تم عرضه في الـ30 من ديسمبر، إلا أنه أصبح متاحًا في صالات العرض في بداية العام الحالي، وفيلم حظر تجول هو فيلم مصري من تأليف وإخراج أمير رمسيس، وبسبب الغياب الطويل لإلهام شاهين وظهورها المفاجئ في إعلان الفيلم فقد حقق العمل مشاهدات عالية، وحاز اهتماما كبيرا لدى الجمهور منذ ظهور إعلانه على شبكات التواصل الاجتماعي.
فيلم حظر تجول هو من بطولة إلهام شاهين، والممثلة الشابة أمينة خليل، وقد شكلتا معا ثنائية مميزة، وقد كان أول عمل يشتركان فيه، ومن المعروف أن أمينة خليل شاركت ببطولة العديد من الأفلام السينمائية في الآونة الأخيرة، وحققت نجاحات واسعة النطاق على المستوى الفني، واشتراكها مع الفنانة إلهام شاهين أضاف لمسيرتها الفنية الكثير، فمن المعروف أن إلهام شاهين تحظى بشهرة واسعة وتاريخ فني طويل.
بعيدا عن مواقف إلهام شاهين السياسية وتصريحاتها المثيرة للجدل، وصفحتها التاريخية الموصومة بالموالاة للنظام الحاكم في مصر، إلا أنها صاحبة أداء فني لا يستهان به، خصوصًا أنها ظهرت في شخصية تتناسب مع سنّها ودون ابتذال رخيص، وذلك بخلاف العديد من الفنانات اللواتي يقاربنها في السن، إلا أنهن بعد غيابهن ظهرن بطريقةٍ غير ملائمة إطلاقًا مع أعمارهن، فشاركن في أعمال فشلت على جميع الأصعدة ولم يطلهن سوى النقد والاستنكار.
اقرأ أيضا: علي حميدة: كيف ينجح البدويُّ في الحَضَر؟!
أحدث فيلم حظر تجول ضجة بوصفه عملًا يناقش قضية التحرش الجنسي في إطار العائلة، إلا أنه أبعد ما يكون عن ذلك، فقد ابتعد العمل كليّا عن التطرق لهذا الموضوع، وقدمه على استحياء تام، إلا أن ذلك لم يمنع النقاد من التركيز على هذه اللفتة الخجولة، ومحورة العمل حولها، فغاب الكثير من المعاني والرسائل التي تضمنها الفيلم، والذي كان يركز على موضوعات أكثر أهمية وعُمقًا.
أدت إلهام شاهين دور الأم فاتن، وأمينة خليل الابنة ليلى التي تحرش بها والدها عندما كانت طفلة صغيرة فقامت الأم بقتله، وأخفت الحقيقة عن ابنتها، التي لم تكن تعي ما حدث في ذلك الوقت، مدة عشرين عامًا قضتها في السجن، ومرت السنوات دون أن تدرك ليلى سبب مقتل والدها، فظلت ناقمة على أمها، ولم تزرها طيلة فترة مكوثها في السجن سوى مرة واحدة، لجهلها بالسبب الحقيقي الذي دفع أمها لقتل والدها، ولم يبق ببالها سوى صورة الأم القاتلة!
خرجت فاتن في عام 2013 في فترة حظر التجول بمصر، وتكدست كل الأحداث في ساعةٍ ونصف تسرد ليلةً واحدة مكثت فيها فاتن، بسبب حظر التجول، عند ابنتها ليلى وحفيدتها الصغيرة قبل أن تغادر في الصباح الباكر، ليبدأ الصراع الحقيقي ويولد التساؤل لدى المشاهد فيما إذا كانت ليلى ستعرف حقيقة ما حدث بعد عشرين عاما، أو هل ستقدر ليلى على مسامحة أمها رغم كل ما حدث، وكيف ستثبت الأم حسن نيتها ومحبتها لابنتها خلال ساعات قليلة من الليل لتكسب قلبها من جديد؟!
مرّ الفيلم مرور الكرام على حادثة التحرش أو مقتل الوالد من خلال الاستعانة بذاكرة فاتن التي تتذكر وتبكي كلما اختلت بنفسها أو تشاحنت مع ابنتها ذات المزاج الصعب والناقم في ذات الوقت عليها، وقد كان المشهد تلميحًا محتشمًا يكفي ليعرف المشاهد طبيعة ما حدث بالفعل، وهو بالطبع ما يؤكد حقيقة أن الكثير من المشاهد الجريئة المعروضة في الأعمال التلفزيونية أو السينمائية يمكن الاستغناء عنها أو تقليل حدتها، إذ لا يشترط وجودها لتقديم عملٍ متكامل يحقق النجاح.
يطرح الفيلم قضايا هامة، عدا قضيتي التحرش وحظر التجول في فترة الانتقال السياسي في دولة مصر اللتين تم تمريرهما بشكل عابر، وقد كان حدث التحرش يخدم أحداثًا أخرى بدلا من العكس، فقد كان أشبه بسبب مفتعل لنسج حكايةٍ حول سؤال واحد، وهو السؤال عن قدرةِ الزمن على شفاء الجروح، وقدرتنا على المغفرة غير المشروطة، إلا أن السؤال الفلسفي الذي توغل في روح فاتن ووجه ليلى البريء، كان عن ما إذا كان من الأفضل لنا أحيانًا ألا نعرف، وهل يمكن للحقيقةِ المؤلمة أن تموت دون أن تمس معرفتها روح أحد.
أما عن حظر التجول المفروض فهو إشارة إلى فترة سياسية صعبة مر بها الشعب المصريّ، ويتلاءم مع فترة حظر التجول بسبب جائحة كورونا، فبدا العنوان ملفتًا وقريبًا من الواقع إلى حد ما، وقد كان تجسيد حظر التجول مشابها تماما لفترة الحظر وقت الجائحة، أيضا لم يتم تضخيم الحدث، وابتعد عن الاحتكاك المباشر بالسياسة، لكن دون أن يغيب الواقع المضطرب في الشارع المصري في تلك الفترة، فقام باستخدام الحظر كذريعةٍ لإبقاء فاتن محتجزة في بيت ابنتها ومحاولة إصلاح ما أفسده الماضي وما تبقى من المستقبل، وبالطبع يبدو مشوقًا أن تحتجز شخصيتين بينهما كومة من حطام عتاب وتساؤلات ومشاعر متضاربة في غرفةٍ واحدة، ما سيجعل المشاهد مشدودًا بفضولٍ يدفعه لمتابعة ما سيحدث حتى ولو لم يكن العمل يلائم ذوقه الخاص..
أدت إلهام شاهين دور الأم التي شاب رأسها وعانت بما يكفي من الشائعات وعذاب الضمير وفقد الابنة الوحيدة، وكان أداؤها مميزًا ووقورًا، وقد خطفت الأضواء من العديد من الأفكار العابرة والرئيسية التي سعى العمل لإيصالها، لتسلط الضوء على وجه الأم المنكسرة وقلبها المعطاء على الدوام، والتي يمكن أن تتحول إلى كائن شرسٍ حين يتعرض أبناؤها للخطر فتهرع إلى الدفاع عنهم بل وقد ترتكب جريمةً من أجل أن تحميهم دون أن تفكر في نفسها!
إن قضايا التحرش الجنسي في مصر تسجل سنويًا معدلات مرتفعة، إضافة لحوادث الاغتصاب والعديد من الانتهاكات بحق المرأة المصرية، والخوض في موضوع كهذا يعد أمرًا في غاية الأهمية، لكن الأمر يحتاج إلى نص وإخراج يحترم عقل المشاهد وثقافته الشرقية المحافظة، كما أن التطرق لمواضيع حساسة تشكل خطرًا كبيرًا على بنية المجتمع يحتاج أكثر من مجرد لفت نظر، فلا بد من دراسة أبعاد تلك الظاهرة ومحاولة إيجاد حل حقيقي وجذري لها، وهو ما لم يحدث في فيلم حظر تجول، ولربما حاول العمل جس نبض الجمهور قبل فتح ملف التحرش المنتشر بشكل كبير في الآونة الأخيرة على مصراعيه، وكان الفيلم ممهدًا الطريق لأعمال تتعمق بالقضية بشكل أوسع وأكثر جرأة في المستقبل.