كتاب عربي 21

أيها الفلسطينيون.. تعالوا إلى كلمة سواء

1300x600

لا يتوهمن أحد بأن ما يُعتزم إجراؤه في شهر مايو/ أيار داخل المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 (أو حيث تسمح سلطات الاحتلال به) من انتخابات رئاسية وتشريعية هو لاختيار من يمثل فلسطين وشعبها المتناثر في قارات العالم الخمس. إنما هي انتخابات لتقرير من ذا الذي سيدير السلطة التي انبثقت عن إبرام اتفاقات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية – التي لم ينتخب قيادتها يوماً الشعب الفلسطيني ولم يُستشر الفلسطينيون مرة في أي من السياسات التي تبنتها منذ تأسيسها في عام 1964.
 
ولذلك لا يتوهمن أحد بأن ما يعتزم إجراؤه في شهر يوليو/ تموز من انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني سوف يفضي إلى ولادة كيان يمثل الفلسطينيين بحق بعد أن تحولت منظمة التحرير ومجلسها الوطني منذ عام 1968 إلى بيت فتحاوي تديره قيادة مستبدة فاسدة لا تختلف كثيراً عن أي نظام مستبد وفاسد من تلك التي يئن تحت وطأة بطشها الناس في أرجاء العالم العربي.

 
والحقيقة التي لا مراء فيها هي أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تمثل يوماً لا فلسطين ولا أهلها بقدر ما مثلت الوضع القائم في العالم العربي وحسبما رسمت وقررت أنظمة الحكم فيه ومن تواليهم في الخارج، وذلك على الرغم من زعم قيادة المنظمة وقيادات الأنظمة العربية (التي ما لبث أن انضم إليها في ذلك قادة الكيان الصهيوني منذ بدء التفاوض على اتفاقيات أوسلو التي وُقع عليها في سبتمبر  أيلول من عام 1993) بأنها "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني". يعلم تلك الحقيقة معظم الفلسطينيين بدليل أنها بإبرامها صفقة أوسلو تخلت قيادة المنظمة عن حقوق غالبيتهم، وتعي هذه الحقيقة أكثر من غيرها النخبة التي التقت في مدينة اسطنبول في تركيا يومي 25 و26 شباط/ فبراير من عام 2017 تحت شعار "مشروعنا الوطني طريق عودتنا"، لتعلن عن تشكيل "مؤتمر فلسطينيي الخارج" الذي كنت حينها واحداً ممن ظنوا أنه سيعلن التبرؤ من مسيرة منظمة التحرير التي أوصلتنا إلى أوسلو ويبدأ العمل من أجل إقامة كيان بديل يمثل الفلسطينيين بحق ويرفع راية النضال من أجل تحرير فلسطين، كل فلسطين.

 

منظمة التحرير الفلسطينية لم تمثل يوماً لا فلسطين ولا أهلها بقدر ما مثلت الوضع القائم في العالم العربي وحسبما رسمت وقررت أنظمة الحكم فيه


إلا أن مؤتمر فلسطينيي الخارج لم يلبث سريعاً أن خيب الآمال، إذ حرص القائمون عليه ألا يحركوا المياه الراكدة بأي شكل من الأشكال وألا يسخطوا أحداً في الشرق أو في الغرب على مشروعهم الجديد، فظلت منظمة التحرير في منأى عن خططه، ما أفقده كل قيمة وأفرغه من كل مضمون، فلم يأت بجديد ولم يؤسس لبديل.
 
ما زال شعبنا الفلسطيني، ومن ورائه الأمة العربية والأمة الإسلامية، ومن خلفهم أنصار الحق والعدل حول العالم، بحاجة لأن يروا من يمثل فلسطين بحق، ويعبر عن تطلعات ليس فقط ضحايا المشروع الصهيوني المباشرين من لاجئين مهجرين أو قابعين تحت نير الاحتلال أو الحصار، بل وأيضاً تطلعات المناضلين ضد العنصرية والامبريالية الذين لم يفقدوا البصر ولا البصيرة، فرأوا في الكيان الصهيوني مشروعاً ضد الإنسانية، ورأس حربة للاستعمار في واحدة من مراحله المتأخرة، وهي بلا منازع من أشد مراحله قبحاً.
 
تلك الرؤية الواضحة لحقيقة المشروع الصهيوني هي التي عبرت عنها عند تأسيسها معظم الفصائل الفلسطينية من فتح في ١٩٥٧ إلى حماس في ١٩٨٧ مروراً بالجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي وغيرهما، ثم ما لبث كثير منها تحت وطأة الضغوط الإقليمية والدولية، وبسبب الرياح العاتية من كل الاتجاهات، أن دخل راغباً أو مرغماً دهاليز السياسة الدولية والنزاعات الإقليمية، حتى مال شيئاً فشيئاً عن المواقف المبدئية إلى التكتيك والبراغماتية.
 
عبرت كل هذه الفصائل يوم نشأتها بصدق عما في نفس كل فلسطيني وإن اختلفت الأساليب والشعارات، وكان الغرض من تأسيسها هو استئناف الكفاح من أجل الحرية والكرامة ودحر الصهاينة المعتدين. ولكن، ليس معصوماً أي من هذه المشاريع عن الانحراف والزلل، ولا يملك أي منها وكالة حصرية لتمثيل الحق والنطق بالحقيقة المطلقة إلا بقدر ما يتمسك بها وينتصر لها. والحق أحق أن يتبع.
 
تعالوا إذن أيها الفلسطينيون نسترجع أسباب نكبتنا وتاريخ قضيتنا علّنا نجتمع على كلمة سواء، تكون الجامع المشترك لكل من ينتسب إلى هذا الشعب وتلك الأرض المباركة. فنحن إنما انتكبنا حينما مزق جسد أمتنا الغزاة وتمكن منه المستعمرون، ثم زرعوا في أرضنا شجرة خبيثة رائحتها نتنة كريهة، رجاء أن يصدروا إلينا مشكلة استعصت على الحل لديهم قروناً طويلة، هي مشكلة يهود أوروبا، عبر مشروع عنصري استيطاني إحلالي لا يرحم اسمه الصهيونية. فاحتل الأرض وهجر أهلها، واستجلب من شتى أصقاع الأرض رعاعاً يدعون حقاً إلهياً يبررون به قتلنا وسلبنا وتشريدنا.
 
إذن، إن ما يجمعنا، والأرضية المشتركة التي ينبغي أن نقف عليها، هو رفض المشروع الصهيوني برمته والتصدي له بكافة أشكاله، والإصرار على أن فلسطين، وإن طال الزمن، لابد أن تتحرر، ولابد أن يأتي يوم تتطهر كل حبة تراب فيها من رجس الصهاينة.
 
وهذا يا معشر الفلسطينيين، ويا معشر العرب والمسلمين، ويا معشر المناصرين للحق والحرية والكرامة الإنسانية، هو الهدف الذي لا ينبغي أن نحيد عنه مهما طال الزمن، ومهما واجهنا من مشاق، وهي الفكرة التي لا تموت بانحراف الأشخاص وتخلي التنظيمات، بل تبقى هي ويُستبدل بكل من تخلى من هو خير منه.

 

يحتاج أصحاب القضية وأنصارها إلى الرد على مهزلة الانتخابات التي دعا إليها أصحاب سلطة أوسلو في رام الله، وذلك بالإعلان عن مبادرة جديدة، ترفض المهزلة


تحتاج هذه الكلمة السواء إلى إطار، وهذا الإطار هو البديل الذي لا بديل عنه، ليجتمع من حوله أصحاب القضية وأنصارها، وليكون بحق وصدق ممثلاً لهم ومعبراً عن الفكرة التي يحملونها. وهذا الإطار إذا ما تمسك بالحق أصحابه فلن يقوضه أو ينال منه تطبيع ولا تصهين، حتى لو امتد نفوذ الصهاينة ومن يواليهم من ساحل المحيط إلى ساحل الخليج، وحتى لو نطق باسمهم ساقطون يدعون الانتماء إلى العرب والمسلمين، بينما الأمة منهم براء، وحتى لو ارتقى منابر المساجد من يشرعن لهم، بينما المنابر تدعو عليهم ويلعنهم المصلون.
 
الآن، وخلال الأسابيع القادمة، يحتاج أصحاب القضية وأنصارها إلى الرد على مهزلة الانتخابات التي دعا إليها أصحاب سلطة أوسلو في رام الله، وذلك بالإعلان عن مبادرة جديدة، ترفض المهزلة، وترفض كل عملية تضفي مشروعية على الاحتلال وأدواته، وترفض المشروع الصهيوني بكل أبعاده وتجلياته، وترفض الاستسلام للأمر الواقع وإكراهاته. إنها المبادرة لإنشاء كيان يرفع راية التمسك بالحقوق كاملة دون تفريط، راية النضال بكافة الوسائل المتاحة إلى أن يندحر الغزاة الصهاينة وتتطهر الأرض المقدسة من دنسهم، كيان يجري انتخاب القائمين عليه عبر آليات تضمن حرية الاختيار ونزاهة الاقتراع، كيان يمثل كل الفلسطينيين حيثما وجدوا على أرضية المبدأين السالف ذكرهما: ١) رفض المشروع الصهيوني برمته ٢) الإصرار على أن فلسطين، وإن طال الزمن، لابد أن تتحرر من البحر إلى النهر، بإذن واحد أحد.