بعد إعلان الرئيس جو بايدن عن ضرورة إنهاء حرب اليمن، والترحيب به من جانب الرياض والحكومة اليمنية الشرعية، لا بدّ من التذكير بأن هذا الهدف كان طوال خمسة أعوام في أساس جهود الأمم المتحدة والمملكة العربية السعودية والتحالف العربي الداعم للشرعية، وبمواكبة أميركية ودولية معروفة، لكن تعذّر تحقيقه.
لذلك يجوز التساؤل: مَن لا يريد إنهاء الحرب في اليمن؟ لا يُعتدّ كثيراً بمسارعة جماعة الحوثيين إلى الترحيب أيضاً بما أعلنه الرئيس الأميركي، فموقفها سعى إلى تجيير موقف واشنطن كما أنه يلبّي مطالبها ويصبّ في طموحاتها غير الواقعية يمنياً، فضلاً عن كونها تتجاهل انقلابَها على الشرعية وتتناسى إفشالها كل المفاوضات التي حاولت بناء حل سياسي للأزمة، وبالأخص مفاوضات الكويت (2016) التي أحرزت بعضاً من التقدّم وبرهن الحوثيون قبيل اختتامها أنهم لا يملكون قرارَهم، وهذا ما سينعكس لاحقاً على أي تفاوض.
وبالطبع يمكن إنهاء الحرب، لكن تبقى مسألة كيف ومتى ووفقاً لأي مرجعيات قانونية؟ وفي سياق السعي الأميركي أُعطي المبعوث الجديد تيموثي ليندر كينغ مهمة تنسيق الدعم لمعالجة الأزمة الإنسانية ولجهود البحث عن وقف دائم لإطلاق النار تمهيداً للتفاوض على حل سياسي.
لكن لا بدّ أولاً من مراجعات أميركية وأممية للنظرة إلى أسباب الحرب وعدم الركون إلى «أمر واقع» أو «قوى أمر واقع» ليسا مؤهّلين لإنتاج نظام جديد يضمن الاستقرار في اليمن. فالقضية، ببساطة، أن الشرعية وحدها يمكن أن تكون ركيزة المستقبل اليمني، وليست الحوثيين.
فهؤلاء ليسوا سوى نسخة من «حزب الله» اللبناني و«الحشد الشعبي» العراقي و«فاطميون» الأفغاني و«زينبيون» الباكستاني.. وكلّها ميليشيات عُرفت بأدوار تخريبية لا تعترف بأي سلطة أو قانون إلا في إطار «دولتها».
وإذا كان الوضع الإنساني يُثقل على الضمائر ويُقلق المجتمع الدولي، عن حقّ، فمن شأن المنظمات الإغاثية أن تقدّم تقويمها الموضوعي للجهات والعقبات التي تمنع وصول المساعدات إلى مَن يحتاجونها ويستحقونها.
اللافت في معالجة هذا الوضع المؤلم والمتدهور أن دولاً ومنظمات تستسهل الضغط للحصول على تنازلات من دول «التحالف»، فيما تغفل مسؤولية الطرف الحوثي وممارساته اليومية المباشرة بترهيب اليمنيين والاستيلاء على أملاكهم ومدخراتهم ما يزيدهم فقراً وبؤساً.
ومع الوقت صارت جماعة الحوثي تستخدم اليمنيين كرهائن والمسألة الإنسانية كوسيلة للتمكين، كذلك لابتزاز المجتمع الدولي بالدعوة إلى رفع الحصار المفروض عليهم فيما هم يفرضون حصارات داخلية على مناطق خارج سيطرتهم.
تحدث الرئيس بايدن عن «كارثة إنسانية» مفهومة وأخرى «استراتيجية» تحتاج إلى توضيح، كذلك ربْطه إنهاء الحرب بإنهاء مبيعات الأسلحة للسعودية، مع التعهّد بدعمها في حماية سيادتها وأراضيها.
لكي تكون هذه السياسة جديدة ومجدية لا بد أولاً من حسم الجدل الأميركي بالنسبة للاستراتيجية الواجب اتّباعها حيال المنطقة وأمنها.
فهناك بون شاسع بين وسائل تطبيق استراتيجية دونالد ترامب المواجهة لإيران واستراتيجية باراك أوباما المهادنة لها، وقد حكم المحللون عليهما بعدم الجدوى.
قد تكون إدارة بايدن في صدد بلورة استراتيجيتها الخاصة لتطبيقها انطلاقاً من اليمن، وتحتاج أولويتها هذه إلى تعاون من إيران التي تتبنّى أولوية أخرى هي رفع العقوبات، وبالتالي فإن تعاونها في اليمن سيكون مشروطاً بما يشترطه الحوثيون، الذين تجاوزوا منذ زمن إمكان الاعتراف بحكومة شرعية أو حتى بـ«شركاء» آخرين في الحكم والسيطرة.
عن الاتحاد الإماراتية