الاقتصاد أوصله إلى السياسة في زمن التحول المصري من صناديق الاقتراع إلى حكم العسكر، والسياسة أخرجته من الاقتصاد إلى قاعة المحكمة في زمن خروج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المذل من البيت الأبيض ودخول الرئيس جو بايدن وأركان حكومته.
يقف في منتصف الطريق بانتظار استقرار الأوضاع تحت إدارة جو بايدن الذي علق طلب حصانة قدمته القاهرة لمنع محاكمته في الدعوى التي رفعها ناشط مصري يحمل الجنسية الأمريكية، اتهمه فيها بالإشراف على تعذيبه خلال فترة اعتقاله بمصر.
الاقتصادي والسياسي والمؤلف حازم الببلاوي المولود عام 1936 في دائرة الاتهام من جديد بعد حياة أكاديمية ومهنية ناجحة، فهو يحمل عدة شهادات أكاديمية، من بينها بكالوريوس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1957، ودبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي من جامعة القاهرة عام 1958، ودبلوم الدراسات العليا في القانون العام من جامعة القاهرة عام 1959، ثم دبلوم الدراسات العليا في العلوم الاقتصادية من جامعة جرينوبل بفرنسا عام 1961، وأخيرا دكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة باريس عام 1964.
عمل الببلاوي بداية حياته العملية مندوبا بمجلس الدولة المصرية عام 1957، وعضو بعثة الحكومة المصرية إلى فرنسا وإنجلترا عام 1960، ثم مارس التدريس الجامعي بكلية الحقوق في جامعة الإسكندرية عام 1965، وتنقل بين عامي 1968 و1979 في أكثر من جامعة، من بينها جامعة السوربون وجامعة كاليفورنيا والجامعة الأمريكية بالقاهرة وجامعة عين شمس وجامعة القاهرة.
تقلد عدة مناصب اقتصادية منها، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للبنك المصري لتنمية الصادرات عام 1983، والأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا) عام 1995. ومستشارا بصندوق النقد العربي في أبو ظبي منذ عام 2011، وعمل في الكويت في عدة مؤسسات مالية واقتصادية.
اقرأ أيضا: إدارة بايدن تعلق حصانة "الببلاوي" بقضية تعذيب محمد سلطان
نشر الببلاوي عددا من المؤلفات والمقالات بالعربية والإنكليزية والفرنسية، وساهم في تطوير مفهوم "الدولة الريعية". وكتب في مجالات النقود والتجارة الدولية والتعاون الاقتصادي العربي، كذلك يقوم بالكتابة بشكل منتظم في الصحف المصرية بعد أن ترأس الوحدة الاقتصادية في مركز دراسات الأهرام.
وبعد قيام الثورة المصرية، أصبح الببلاوي عضوا مؤسسا في الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وعين نائبا لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزيرا للمالية في حكومة عصام شرف التي تشكلت بعد ثورة كانون الثاني/ يناير عام 2011، وبعد أشهر قليلة قدم الببلاوي استقالته من الحكومة احتجاجا على أحداث ماسبيرو في القاهرة، لكن المشير حسين طنطاوي رفض الاستقالة، فبقي الرجل في منصبه إلى أن رحل برحيل حكومة شرف.
وكان الببلاوي أول رئيس وزراء بعد الانقلاب على حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي في ظل رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور. وما لبث الببلاوي أن قدم استقالة حكومته تحت ضغط إضرابات عمالية عام 2014، وبعد أن فشلت حكومته في ملف سد النهضة الإثيوبي، وعدم استعادة الأمن في الشارع المصري، وارتفاع الأسعار الذي تسبب في حالة غضب شعبي.
وكانت المرحلة الأخيرة في مسيرته الوظيفية تعيينه عام 2015 في صندوق النقد الدولي بواشنطن.
وانتهت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي فترة عمل الببلاوي كمدير تنفيذي بصندوق النقد الدولي، وهو ما يثير التساؤلات حول تأثير وضع الببلاوي الجديد على ضوء الدعوى القضائية التي يقيمها الناشط المصري والمعتقل السابق محمد سلطان.
ويواجه الببلاوي معركة قضائية يقودها سلطان، وهو نجل صلاح سلطان أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، والذي أُوقف عام 2013 على ذمة القضية المعروفة إعلاميا بـ"غرفة عمليات رابعة" حيث حكم بالسجن 25 عاما على خلفية اتهامات "المشاركة في اعتصام مسلح" وهي اتهامات ينفيها سلطان ولا تقوم على أدلة.
وعلى إثر ضغوط أمريكية، أطلقت القاهرة سراح سلطان عام 2015، بعد التنازل عن جنسيته المصرية ليغادر إلى الولايات المتحدة.
واتهم سلطان رئيس وزراء مصر الأسبق بتعذيبه، وتقدم سلطان بداية حزيران/ يونيو الماضي، بدعوى للقضاء الأمريكي ضد الببلاوي وعبد الفتاح السيسي، ومدير مكتبه السابق عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة حاليا إضافة إلى ثلاثة مسؤولين سابقين بوزارة الداخلية، يتهمهم فيها بـ"تعذيبه حتى أشرف على الموت" أثناء حبسه بمجمع سجون طرة مدة 22 شهرا.
تحريك القضية دفع وزارة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس السابق ترامب إلى التدخل والادعاء أن حازم الببلاوي يجب أن يتمتع بالحصانة ضد دعوى قضائية فيدرالية رفعها سلطان.
هذا الموقف من واشنطن جاء بعد حملة ضغوط دبلوماسية شنتها الحكومة المصرية لعرقلة الدعوى المرفوعة ضد الببلاوي، وحينها اتهم عدد من المشرعين الأمريكيين وجماعات حقوق الإنسان، القاهرة بابتزاز إدارة ترامب، عبر التهديد بإضعاف الشراكة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، ما لم تتدخل واشنطن لرفض الدعوى القضائية.
واستشهد سلطان بقانون حماية ضحايا التعذيب الأمريكي، وهو قانون يسمح بدعاوى ضد المسؤولين عن التعذيب التي تقع في أي مكان في العالم، إذا كان المتهمون في الولايات المتحدة ولم يبقوا في مناصب رئاسية أو حكومية.
وكان بايدن قد طالب السلطات المصرية تموز/يوليو الماضي بالإفراج الفوري عن أقارب سلطان الذين اعتقلوا انتقاما من سلطان، قائلا إن "عهد الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل (في إشارة إلى السيسي) قد انتهى".
اقرأ أيضا: أسئلة بالكونغرس عن منح الخارجية حصانة تمنع ملاحقة الببلاوي
وبالفعل أخلت المحاكم المصرية سبيل قرابة 600 شخص من المعتقلين على ذمة قضايا سياسية، فيما وصف بأنه محاولة لتخفيف الضغوط على القاهرة بعد فوز المرشح الديمقراطي بايدن بمنصب رئيس الولايات المتحدة.
وستعيد محاكمة الببلاوي فتح جراح الذكرى المؤلمة للقرارات سيئة الذكر التي اتخذها الببلاوي حين كان في منصب رئيس الوزراء، وكان أخطرها قرار فض اعتصامي "رابعة العدوية" و"النهضة" في منتصف آب/أغسطس عام 2013 باستخدام القوة، والذي أسفر عن سقوط عدد كبير من القتلى، وأثار حملة انتقادات دولية.
وفرض الببلاوي أيضا حظرا للتجول في القاهرة والعديد من المحافظات.
وصنفت حكومة الببلاوي جماعة الإخوان المسلمين بأنها "تنظيم إرهابي"، وأقرت حكومته قانون التظاهر المثير للجدل والذي يلزم منظمي أي مظاهرة بإخطار الشرطة قبل ثلاثة أيام من موعد انطلاقها، ويسمح لقوات الأمن ويسعى إلى تجريم كافة أشكال التجمع السلمي، بما في ذلك المظاهرات والاجتماعات العامة، ويطلق يد الدولة لتفريق التجمعات السلمية باستخدام القوة.
وفوض الببلاوي بصلاحيات أمنية واسعة، وبمقتضى هذا التفويض، تمتع الببلاوي بحق إصدار أوامر لقوات الأمن والقوات المسلحة ومنح سلطة تنفيذ هذه الأوامر لضباط القوات المسلحة (الضبطية القضائية)، وأيضا يكون لرئيس الوزراء حق العفو أو تخفيف العقوبة في قضايا أمن الدولة.
وتبدو الحكومة المصرية قلقة من التغير الذي حدث في البيت الأبيض، وهو ما ظهر في تحركاتها المكثفة في هذا الملف، لأن إدانة الببلاوي هي إدانة للنظام بأكمله كما أنها ستفتح ملف الاختفاء القسري والاعتقالات والجرائم التي ارتكبت بعد الإطاحة بالرئيس مرسي، والأوضاع في السجون المصرية على مصراعيه.
ولا يعرف حتى الآن ما إذا كانت إدارة بايدن ستواصل تحركها لمحاكمة الببلاوي وبالتالي محاكمة النظام بأكمله، أم ستدخل في عملية مساومة مع القاهرة على ملفات أخرى، لا يبدو بايدن في عجلة من أمره وربما يبحث موضوع الببلاوي أواخر الشهر المقبل؟!