أخبار ثقافية

القصة والمسرحية في أدب الحسناوي.. بطل بجبل الزاوية أنموذجا

المسرح البلدي مشهد (الأناضول)

بدأ الأديب الناقد محمد الحسناوي كتابة القصة متأخرا، ولكنه كتب في شبابه الشعر وبقي نفسه الشعري سيالا. وكتب مسرحيات وأشعارا للأطفال متأخرا لدخوله في مرحلة الشيخوخة.

 

كانت تتسم الظاهرة القصصية عنده بوضوح الرؤية وشمولها، وكانت ممزوجة برهافة ورصانة معا، كان يراوح بين التخييل المجنح والواقعية الدافئة، مادة مسبوكة بلغة تبهرنا ببلاغتها الرائعة، جملته سوية قوية، ذات نسيج شفاف. في هذا الكتاب ست قصص وخمس مسرحيات سندرس بعضها.

اللعبة الخطرة:


هذه المسرحية، كانت قصة في مجموعته "الحلبة والمرآة"، لكنه حولها هنا إلى مسرحية تتألف من فصل واحد، يتألف من أربعة مشاهد. في المسرحية قيم إسلامية تؤكد أن من يخاف الله يحميه ويرزقه من حيث لا يحتسب.

 

الشخصية الرئيسية "أبو محمود"، وهو ساذج، وهناك شخصيات فرعية. الحوار يخلو من البيان. اختار المؤلف اسم أبو راس وللاسم دلالته، وهو رأس المعارضة. وأبو العيال، يكبح أبا راس. والشخصية الثالثة الساحر. في نهاية المسرحية نلاحظ شبح كارثة؟!

حدث في الطائرة:

 

كان في هذه المسرحية يعكس العلاقات بين الشخصيات، وإننا لنجد تقاربا بين الراوي والقارئ. من حيث اللغة، نجد المؤلف يوظف في مسرحيته ألفاظا قرآنية (عبس، بسر) ونجده لا ينسى الفلسفة، فهو يخلو إلى نفسه فيتغير ضغط الجاذبية. ولم ينسَ أن يوشي عمله بالصور، (هناك حواس غير الحواس التي تتجول في ممرات الردهة وفي تلافيف الأدمغة)، (أناسٍ مشردين يمضغون مرارة الغربة). ما يلفت النظر في أثناء دراستنا براعته في التشويق. الرمز بدأ من نصف الحدث ثم الرجوع إلى الماضي.

الخيط المقطوع:


يحكي قصة رجل من حلب والآخر من أنقرة، يلتقيان في محطة القطار دون ميعاد. نراه يراوح بين التخييل المجنح والواقعية الدافئة. سبيكة مشغولة بلغة تبهرنا ببلاغة رائعة تجعلها تنبض بالحياة، بعضها انقطع كطائر ذبح توّا (أزهرت الآمال هاجسا يمد رأسه من أعماق حامد)، أما الخاتمة فقد رأيتها خاتمة مفتوحة، وهذا ما يزيدنا تشويقا. 

مسرحية: ضجة في مدينة الرقة


المشهد الأول كان قبل الغروب، في ساحة المرجة. مسافرون ينزلون من باص قادم من حلب، رجل أربعيني، تعِب يبحث عن نقوده.


والثاني كان قبل طلوع الشمس، وفي الرقة رجل نائم، أمام دار جاره.


(كان جاراه يتساءلان من يكون؟ تململ الرجل على صوت الضجة، وكانت المفاجأة؛ إنه أبو محمود.
قال محمود: طرق والدي الباب منتصف الليل، خافت والدتي!
هي سمعت أنه مات!
هرع أهل الرقة للسلام عليه، استغرب! كم سافرت، لكن لم أستقبل بمثل هذه الحفاوة!
بعد ذهاب الجميع، يقول أبو خالد: أريد أن أسمع قصتك كيف مت وكيف عشت؟ دفناك منذ أسبوع فكيف أحياك الله؟!)

المسرحية واقعية وهي غاية في الروعة في مشاهدها وفي حبكتها، وفيها الكثير من الإثارة. جملها قوية ذات نسيج شفاف ومتين وسحر يشدنا.
 
مسرحية: أخرى في اليمن


(الأمير عمرو يرحب بالضيوف، قال ذو رعين:
ظلم الملك حسان أهل اليمن ويريدون عزله وتولية أخيه عمرو.
يرحب بهم الأمير في قصره، ويبلغونه أنهم يريدونه ملكا، ذو رعين يدخل على الملك!
الملك عمرو يرى شبح أخيه القتيل، يتحاوران.. فالملك نادم وذو رعين يعطيه رسالة كوديعة.
بعد ندمه، قال إنه سيقتل كل من حرضه.
يقول الملك لذي رعين: أنت ذو شرّين. قال له؛ أنا الوحيد الذي قلت احفظ حق الرحم في الوديعة التي تركتها.
قرأها الملك وأقر بصدقه وقال؛ إنه ما قتل رجلٌ أخاه إلا امتنع عنه النوم.
ما أجملها من عظة، بل إنها حكمة تكف أولي القربى والأصدقاء من سفك الدم الحرام.)

المشهد الثاني:
(الوقت الصباح، وقرب الحيرة خيمة لرجل من طيئ، في ضيافته الملك النعمان.
يريد الملك المغادرة، فيشكره على ضيافته ويعلمه أنه النعمان بن المنذر.
وخبره أن له يدا عنَده.
صباحا وخارج الحيرة، ويوم بؤس الملك، رجل قادم كهل يظهر عليه البؤس، أخبر الملك بسوء حاله.
-  الملك: وجئت يوم البؤس تطلب حاجتك، فإنك مقتول.
- أمهلني لغد
- اختر كفيلا. فيثب رجل من جماعة الملك.
لما رجع حنظلة، سأله النعمان: ما دعاك إلى الوفاء. 
قال الحنيفية؟
وما الحنيفية. أجاب: التوحيد
أعجب النعمان بحنظلة، وأعلن أنه سيدين بدينه، إنها الفطرة.)
  
مسرحية: بطل في جبل الزاوية


هذه المسرحية من فصلين الأول فيه أربعة مشاهد، والثاني سبعة مشاهد.
(بعد العصر وفي إحسم، مجاهدون سوريون، أمامهم إبراهيم هنانو يقرأ رسالة من الجنرال (غوبو) وبجانبه ضابط فرنسي يحرسه مجاهدان سوريان. العسكري سيكون رهينة على أن يرسل المجاهدون هنانو للتفاوض مع الفرنسيين لحقن الدماء.
أقنعهم هنانو بأنه لا مانع.
وقت الضحى، في كورين، الجنرال في مكتبه.
يدخل هنانو مع مرافقيه، يدخل مجاهدان مسلحان يجران الضابط المرتعد.
تأتي البشارة: زحف المجاهدون وسلِموا).

في الختام، نقول؛ إننا لو أمعنا النظر في أعمال الكاتب القصصية لوجدنا أن القصة تتحول إلى كائن حي، وهذا الكائن الحي يلخص الحياة بأحداثها وتفاصيلها. وما نلمحه أن الحسناوي ينهض على ثقافة واسعة عميقة تنطلق من المحلي إلى العالمي، وكذلك نجد أن عنده إلماما واسعا بأرقى نماذج الأدب الإنساني.